زوجة موسى عليه السلام
تاريخ النشر: 23/04/19 | 22:45شبّ نبيّ الله موسى -عليه السّلام- في قصر فرعون وتربّى تحت عينيه، وفي ذات مرّة رأى موسى -عليه السّلام- رجلاً من الأقباط من أتباع فرعون يُقاتل رجلاً من بني إسرائيل، فأسرع موسى -عليه السّلام- إلى نُصرة الرجل الإسرائيليّ فدفع القبطيّ ومات من فوره من غير قصد من موسى عليه السّلام، فانتشر الخبر على بسرعة بين النّاس بأنّ موسى قتل رجلاً من الأقباط، فهمّ فرعون وملأه أن يقتلوا موسى -عليه السّلام- لأنّه قتل القبطيّ، فجاء رجل ناصح إلى موسى -عليه السّلام- بأن يخرج من مصر حفاظاً على سلامته من بطش فرعون وظُلمه، فخرج موسى من مصر متوجّهاً إلى مدين.[١] عندما كان موسى -عليه السّلام- في الطريق إلى مدين وصل إلى مورد ماء عليه مجموعة كبيرة من الرّعاة يسقون مواشيهم، ورأى في ناحيةٍ أخرى امرأتين مع أغنامهما تنتظران انتهاء الرّعاة من السّقاء حتى يسقيا، فأقبل موسى -عليه السّلام- يستفسر عن حالهما، فأخبرتاه بحالهما بأنّهما لا تريدان مزاحمة الرجال لتسقيا، وأخبرتاه بأنّ والدهما رجل كبير لا يستطيع أن يسقي من مورد الماء، فسقى لهما موسى -عليه السلام- ثمّ لجأ إلى ظلّ شجرة بعد مشقّة السفر، ثمّ توجّه لله -تعالى- بالدعاء ليكفيه همّ جوعه وعطشه، فجعل الله -تعالى- له الفرج؛ إذْ أخبرت الفتاتان والدهما عمّا حدث معهما، وحدّثتاه عن موسى عليه السّلام، فبعث إحداهما تطلب من موسى الحضور إلى والدها ليتعرّف عليه ويشكره على حُسن صنيعه معهما، فذهب موسى مع الفتاة إلى والدها، وتعرّف عليه، ثمّ عرض الشيخ عليه عرضاً أكبر ممّا انتظر موسى عليه السّلام؛ إذْ عرض عليه أن يزوّجه إحدى ابنتيه مقابل أن يخدمه لثمان سنوات أو عشر في رعي الأغنام.[١] قيل إنّ اسم زوجة موسى -عليه السلام- هو صفورا، وقيل: صفوريا، وقيل: صفوره، وهي إحدى ابنتي الرجل الصالح الذي عرض الزواج على موسى عليه السلام،[٢] واختلف العلماء في نبوّة والدها، فقال الحسن البصريّ ومالك بن أنس وغيرهما بأنّه نبي من أنبياء الله -عليهم السلام- وهو شعيب وهو القول الأشهر بين أقوال العلماء، بينما قال ابن كثير وغيره أنّ الرجل الصالح هو ابن عمّ نبيّ الله شعيب أو ابن أخيه، أو أنّه رجل صالح من قومه،[٣]
وذكر ابن عاشور في كتاب التحرير والتنوير أنّ موسى -عليه السّلام- بعد أن خُيّر بين الفتاتين اختار الصغرى؛ لأنّها أرشدته إلى طريق والدها، فعرف منها حيائها وأخلاقها فرجّحها على أختها، ثمّ تزوّجها.[٤] أخلاق زوجة موسى عليه السلام ورد ذكر زوجة موسى -عليه السلام- في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)،[٥] فذكرها القرآن الكريم بحيائها، وورد تفسير الآية بأنّ الفتاة جاءت ساترةً وجهها حياءً، وروي عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- أنّها سترت وجهها بكُمّ درعها أو كمّ قميصها، وورد أيضاً أنّها غطّت وجهها بكلتا يديها، وورد في تفسير القرآن للطبريّ من إحدى الرّوايات أنّ الفتاة مشت بين يدي موسى -عليه السلام- فضربها الرّيح فبانت عجيزتها، فقال لها موسى عليه السلام: (امشي خلفي، ودلّيني على الطّريق إن أخطأت)، وورد في روايةٍ أخرى أنّ الفتاة حين أتت على استحياءٍ من موسى -عليه السلام- قال لها: (امشي خلفي وانعتي لي الطريق، وأنا أمشي أمامك، فإنّا لا ننظر إلى أدبار النّساء)، كما أنّ من أخلاق زوجة موسى -عليه السلام- برّها بوالدها والسعي إلى مساعدته وتخفيف المسؤوليات والأحمال عنه، فبالرغم من صعوبة رعي الغنم وسقايته، إلّا أنّها وأختها قمن بأداء العمل عن والديهما ولم يُشغلاه به لكبر سنّه.[١][٦]
جاءت قصّة زواج موسى -عليه السلام- من زوجته مختلفةً عن العادة؛ لأنّ والدها هو من عرض على موسى -عليه السلام- أن يزوّجه إحدى ابنتيه، فكانت إيحاءً لجواز أن يخطب الرّجل لابنته من يرى فيه الخلُق والدّين، وهناك أمور أخرى مستفادة من قصّة موسى -عليه السلام- في طريقه إلى مدين أو حين التقى الرجل الصالح وابنتيه، منها:[١] جواز الهجرة أو الخروج من البلد الذي يشعر الإنسان فيه أنّه غير آمن على نفسه أو على دينه أو على عرضه، حيث كانت هجرة موسى -عليه السلام- إلى مدين خوفاً على نفسه من ظلم فرعون وبطشه وطغيانه. اتصاف المسلم بالمبادرة لتقديم المعونة والمساعدة لمن يحتاجها دون سؤال وطلب ابتغاء نيل مرضات الله تعالى.
عفّة موسى -عليه السلام- التي يجب أن يتحلّى بها الشباب المسلمين، فحين أقبل موسى -عليه السلام- على الفتاتين ليعلم حاجتهما استفسر عن حاجتهما فقط ولم يتوسّع في الحديث فيما لا حاجة له فيه. لجوء المسلم إلى الله -تعالى- وحده لبثّ وسؤال الحاجات والبعد عن سؤال الناس. الوفاء بالعهود والشروط من أخلاق المسلم، فموسى -عليه السلام- أوفى بعهده الذي وعد به الرجل الصالح وهو العمل برعي الأغنام. استحباب أن يُطمئن المسلم أخاه أو من لجأ إليه رغبةً وحاجةً في الحماية والمعونة، فعندما جاء موسى -عليه السلام- إلى الرجل الصالح طمأنه من فوره، حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم: (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).[٥] المراجع