الدراما التّركيّة، عروس اسطنبول. رجاء بكريّة حيفا
تاريخ النشر: 27/04/19 | 15:50بطلي مسلسل “عروس اسطنبول”،Istanbullu Gelin، وزيارة تل_ أبيب
صفعة مدوّية في عين المشاهد الفلسطيني في ال 48
“..أوزكان دينيز، وأصلي أنفير التّركيين، تقاضيا مبلغا ثقيلا حتّى تجاوزا الخطوط الحمراء لفترة عصيبة في تاريخ الشّعب الفلسطيني مع السّياسة الإسرائيليّة الخانقة..”
تعقيب: رجاء بكريّة
كيف يفسّر النّجمان هذا العدو وبألف ساق لأحضان المجتمع الإسرائيلي، مع العلم أنّ متابعيهم الجديّين هم فلسطينيّو ال 48؟ هم من أسّسوا لحضورهم في فلسطين الّتي وفدوا إليها بجمهورها اليهودي، وتركوا جمهورهم الحقيقي خارج الدّائرة، أولئك الّذين أناروا حضورا منقطع النّظير لأسمائهم وأدائهم، ومضامين أعمالهم.
لا نعرف تماما كيف تفرقع الخبر فجأة ودون مقدّمات، لكنّ ما أعرفه جيّدا أنّ على هذين النّجمين أن يثقا بأنّ الأسهم الّتي رفعتهم هنا قريبا من الغيم ستبقيهما قريبا من قامات الحرّاس الّذين فجّوا لهما طريقا بين المشجّعين اليهود حين تجمهروا حول المركبة الّتي أقلّتهما من مطار بن غوريون الدّولي. فهل نسمّي ما حدث خيانة لجمهور فلسطيني عريض أحبّهما وتابعهما، أم أنّ ” البزنس” وحبّ الظّهور دفعهما لهذه الخطوة؟ هل يعتقدان دينيز وأنفير أنّ المجتمع اليهودي سيضعهما على الأكفّ ويرقص بهما طويلا؟ لستُ واثقة. هي قفشة حظّ اصطادها إعلاميّو الفنّ كي يلهِبوا بها الشّارع الإسرائيلي الملتهب أصلا وسط أجواء انتخابات ساخنة بما يكفي كي تحرق كلّ ما يمشي تحتها أو فوقها، وربّما يدخل ضمن هذا الحريق إنجازات هذا الثّنائي الّذي توبع على مدى ثلاثة مواسم طويلة من قبل جمهور فلسطيني بحت، وفيّ لذائقته ضمن عملِهِ الجميل، “عروس اسطنبول”.
ولا بدّ من الإعتراف في هذه العُجالة بانشغالي خلال الشّهور الأخيرة بسلسلة مقالات نقديّة تتقصّى تاريخ الدراما التّركيّة منذ دخولها الشّاشة العربيّة، الشّارع والمقهى الفلسطيني خصوصا حتّى يومنا هذا. وكنت قد وضعت النّجم أوزكان دينيز خصوصا في مقدّمة الوجوه الدّراميّة كاسحة الحضور في الدراما التّركيّة على الشّاشة الصّغيرة والكبيرة، لما تتوفّر عليه من ذكاء في اختيار الأدوار المركّبة وإجادة تدويرها بين أصابعه حين يشاء. يدعم هذا الذّكاء كاريزما ترسل أضواءها بتلقائيّة ومباشرة، وبلا جهد. حين نتذكّر مواهبه الكثيرة، وأعني قدرته على كتابة السّيناريو الدّرامي بنفسهِ وتحليتِهِ بملكة الغناء الّتي امتهنها منذ جيل صغيرة كما حدث في “لعبة القدر”. وإذ نسوق هذه الحقائق نعترف بقدرتهِ العجيبة على قبض أنفاس المشاهد بمتعة غير مسبوقة لا يجيد عذوبتها كثر. فهو يمتلك طاقة فنيّة نادرة ينجح وفقها أن يكون مغناطيسا لكلّ ما يتحرّك حوله. يجيد خياراته وينتقي أداءه، حتّى حين يتجاوز السّيناريو ضمن حواراته، فإنّ تكوينه الدّرامي يسعفه بلا منازع. لكن أن يرمي احتفاءنا به أمامنا مقابل صفقة المليون فهذا ما لم أثق به كناقدة للدراما وصاحبة عين ثاقبة في الشّخوص الّتي تضيء سماء الثّقافة الفنيّة عموما، والتّركيّة خصوصا، الّتي اجتاحت فيها الأعمال الجيّدة فضاءات العالم العربي، والفلسطيني على حدّ سواء.
لقد دأب النّقاد على اعتبار الرّؤية المهنيّة مستقلّة عن المواقف الشّخصيّة من النّجوم على خلفيّة استثمارهم لمهاراتهم وأسمائهم في العمل. وأعني حين نكتب عن عمل فنيّ يخصّهم مثلا، لكنّي شخصيّا لا أعتمد هذا المقياس الجماليّ كروائيّة فلسطينيّة في دولة قصّت عنق الحريّة وخصخصتها على أفراد دون سواهم لمجرّد انتمائهم العرقي للدّيانة اليهوديّة، فاعتبرت الأقليّات الخارجة عن اليهوديّة نافلة وغير مرغوب بها حدّ تشريع قانون عنصريّ هو مشروع القوميّة إمعانا في التّمادي والتّمييز بحقّنا وبحقّ الإنسانيّة. لا يمكن أن نفصل خيار النّجم التّركي_كردي أوزكان دينيز عن الواقع السّياسي المؤلم الّذي نتنفّسه في الدّاخل الفلسطيني. لن أكتب بحياديّة مطلقة عن أعماله المتلفزة على الشّاشتين وأنا أراه في صفّ الجاني الإسرائيلي الّذي يحتفي بإنجازاتنا كجمهور عربي فيه. وفي ذات السّياق لا يمكن أن أعرّب المجتمع الإسرائيلي الّذي يميل بمعظمه نحو اليمين، وأخصّ الوجوه الّتي تحلّقت حوله حين وصوله مطار بن غوريون بادّعاء أنّ اليسار هو من استقبلهُ. حضوره هنا وفي هذه الظّروف بعينيّ تواطؤ مع الجاني سواء خطّط لذلك أم لم يفعل.
وأضيف أنّ اعتبارها زيارة عاديّة، تؤذي حتما مواطنيه الأتراك بالدّرجة الأولى في بعدها ومعناها السّياسي بمجرّد أن نتذكّر تظاهرات الشّعب التّركي نصرة للشّعب الفلسطيني في حروب غزّة، وأحداث سفينة مرمرة، وأعني أنصار السّلام الأتراك الّذين حاولوا خرق الحصار المضروب على غزّة، بحريّا، فدفعوا حياتهم ثمنا لضمائرهم، حيث ضُربوا وقُتلوا فوق السّفينة واقتيدوا كالذّبائح خارجها من قبل حرس حدود البحريّة الإسرائيليّة. أتضيع ذاكرة الوجع بهذه السّرعة؟ ماذا أضيف لما يحدث وأيّ الكلمات تليق بصاحب “عروس اسطنبول”- Istanbullu Gelin. إجاباتي محدودة لملأ الفراغات الّتي تأتي بعد أصول النّجم الكرديّة”. لقد عانى الأكراد في شتّى أماكن تواجدهم التّمييز وسياسة الاضطهاد، وكتب شعراؤهم مليّا عن معاناتهم في ظلّ السّياسات المتعاقبة لدول معيشهم، وأخصّ بالذّكر شيركو بيكس الّذي وثّق ملحمة مؤلمة في حلبجة الّتي حرقت على يد نظام صدّام حسين وفق ما يعتقده الشّعب الكردي، ولا يزالون يستذكرونها بألم. أفلا يكون ما عاناه الشّعب الكردي بطول تاريخه سببا مقنعا في ترّدد أوزكان دينيز لمنح هذا الشّرف المجّاني للسّياسة الإسرائيليّة بحقّنا كأصحاب أرض تاريخيّين؟ هل تمسح عدّة أرقام مبعثرة فوق طاولة تاريخ الألم؟
شخصيّا لا أفهم هذا النّوع من الصّفقات وأذكر صفقات كثيرة كان يمكن أن أصبح بسببها على نجوميّة مضاعفة رفضتها لأسباب أخلاقيّة بحثة لمجرّد أنّها تؤلم أقليّات وضمائر مستضعفة في العالم.
أمّا النّجمة الصّاعدة أصلي أنفير فأعتقد أنّها أساءت لتاريخها القصير في الدراما حين استعجلت احتضان صفقة حضورها إلى تل أبيب, كنت سأستوعب إنسانيّتنا البالغة في المسلسل إذ تبادر لزيارة السّجون الإسرائيليّة الّتي تحاصر آلاف الأطفال الفلسطينيّين وتستنزفهم في محاكمات معظمها عبثيّة، أو لقائهم في مؤسّسات للأيتام، أو حتّى مجرّد الإطّلاع على أوضاع الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة، لكن أن أراها توقّع على مبلغ سمين أو هزيل مقابل حضورها إلى تل أبيب فهذا ما لم يخطر لي ببال. لقد أحبّها الجمهور الفلسطيني في الدّاخل ونشر حضورها في الوسطين العربي واليهودي، أوّلا لاقتران اسمها باسم دينيز، ومنحها فرصة لا تعوّض لاختراق المسافة بين القلب والعين، رغم أنّها في بداية مشوارها، لكنّ هرولتها غير المفهومة تضعها الآن موضع تساؤل كبير ومسيء. مقابل 350 ألف دولار تنازلت عن جمهورها الفلسطيني العريض. ولا بدّ لي من الإشارة لمسألة هامّة تتعلّق بأداء أنفير الدّرامي في عروس اسطنبول، إذا لا يخفى على نقّاد الدّراما حضورها تحت ظلّ دينيز على طول حلقات المسلسل، ومبنى شخصيّتها الّواحد، الّذي حافظ على ثباتهِ وحاذر أن يخرق حدود النّص الّذي مشت على كلماته. فالحقيقة أنّه مشى عليها ولبسها ولم تلبسه، في حين ظلَّ دينيز ظلّا لها. هو من يضيء حضورها أكثر ممّا تفرض هي تكنيك التّواصل مع المشاهد، ولو أنّا عوّلنا كثيرا على خروقاتها لبعض المشاهد وراهنّا على طاقة غنيّة ستدهش خصوصا في الموسم الثّاني من المتواليّة. لكنّ ما لا شكّ فيه أنّ أوزكان دينيز المشرف على العمل كاملا ما كان يسمح لأيّ وجه أن يتفوّق عليه لتمرّسه وفهمه لمساحات الدّور الرّحبة الّتي له كشخصيّة مركزيّة تُدوّر الأحداث جميعا، وتشرف عليها.
وأضيف، لرصيد أصلي الّذي أوردتهُ يلزم جمهورا وفيّا يحتفي به ويحتضنُ نماءه وتطوّره في مسيرته. لكنّ ما حدث أنّ أنفير ركلت تلك الرّعاية والإحتفاء ولم تفكّر أبدا بصعودها الّذي بدأ للتوّ، وقد يجوز في مداخلتي السّريعة أن أشير لضرورة أن تشكّل أخلاقيّات الفنّ الأصيل خطّ توازن ما بين الضّرورة والممكن في قرارات ظهوره. هي مرتكز توازن بين حضوره وغيابه عن ذاكرة جمهوره لدى نجوم الفنّ عموما وصنّاعها. كوننا في عصر التكنولوجيا السّريعة لا يعني بأيّ حال أن تسعرنا المادّة حدّ التخلّي عن أساسيّات علاقتنا بجمهورنا والّذي دعم حضورنا على الشّاشات الكبيرة والصّغيرة مقابل حادثة مارقة. ولا يعني أن نتنازل عن مبادىء صنعت حتما نجوميّتنا وحضورنا كأفراد وصنّاع ثقافة صوريّة مؤثّرة. في مرحلة ما سنكتشف كم نخطىء بحقّ جسارتنا غير المبرّرة خارج حدود الإضاءة والألق.
أبريل، 019 ، حيفاا