سلسلة من أيامي7: عباسي مدني كما رأيته – معمر حبار
تاريخ النشر: 01/05/19 | 10:25رأيت عباسي مدني رحمة الله عليه لأوّل مرّة رأي العين حين كنت طالبا بجامعة الجزائر سنوات 1986-1990 وبالضّبط في الحي الجامعي بن عكنون، وكان يومها القائمون على الحيّ يستدعون مختلف الشخصيات الجزائرية ومنهم عباسي مدني.
1. ألقى عباسي مدني يومها المحاضرة بأسلوبه المتقطّع في الكلام والرموز الكثيرة المستعملة وغموض في بعض النقاط والإطالة في مدّة المحاضرة وكثرة الأسئلة. وممّا قاله وأتذكّره جيّدا: لو كانت شٙاشِيٙتيِ صغيرة هل أغيّر الرأس أم الشٙاشِيٙة؟ فأجاب: سأغيّر الشاشية طبعا، أي سأغيّر النظام السياسي وأبقي على الشعب لأنّ التغيير يمسّ غير الثابت ويبقي على الثّابت.
2. رأيت عباسي مدني للمرّة الثّانية رأي العين في جامعة بوزريعة بالجزائر العاصمة حين دخلتها يومها وبالصدفة إذ بأحد مدرجات الجامعة لاأتذكر الآن القسم ولا الكلية يستضيف محاضرة للأستاذ برهان غليون رفقة عباسي مدني. وأعترف أنّي رأيت لأوّل مرّة رأي العين برهان غليون ولم يكن يومها مشهورا كما هو عليه الآن، وعرفته فيما بعد أثناء تدخلاته عبر الفضائيات العربية والغربية النّاطقة باللّغة العربية ثمّ جاءت أحداث سورية الحبيبة فعرفته من النّاحية السّياسية ومواقفه السياسيه وليس هذا مجال التطرّق إليها الآن. وبقي أن أشير أنّي حضرت أواخر إلقاء المحاضرة ولم تحتفظ الذاكرة بشيء منها باستثناء تبادل الكلمات الرقيقة والشكر المتبادل والتهاني بين عباسي مدني وبرهان غليون.
3. أجرت الفضائيات الفرنسية عقب أحداث 5 أكتوبر 1988 وبالضّبط عقب دستور سنة 1989 في عهد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد رحمة الله عليه جملة من اللّقاءات الصحفية مع ساسة الجزائر يومها ورؤساء الأحزاب التي تحصّلت على اعتمادها حديثا. وأتكّر أنّ الفضائية الفرنسية الأولى أو الثّانية أجرت حينها حوارا مع عباسي مدني رحمة الله عليه، فاشترط عليهم التّحدثّ باللّغة العربية وهو الذي يتقن اللّغة الفرنسية واللّغة العربية كتابة ونطقا. ووسائل الإعلام الفرنسية يومها لم تكن تتوقّع هذا الشرط من جزائري يتقن لغتها جيّدا فما كان منها إلاّ أن استعانت في آخر لحظة بمترجم لم يكن في الحسبان. وممّا يجب ذكره في هذا المقام أنّ عباسي مدني يتلقى السّؤال باللّغة الفرنسية دون الاستعانة بالمترجم ويردّ على الفرنسي باللّغة العربية ويتم ترجمتها إلى اللّغة العربية عبر مترجم استعانت به الفضائية الفرنسية في آخر لحظة لأنّها لم تكن تنتظر ولا مستعدة لمثل موقف عباسي مدني.
4. عقب الحوار الذي أجراه عباسي مدني مع الفضائية الفرنسية عبر الاستعانة بمترجم أجرت بعد أيام الفضائية الفرنسية حوارا مع حسين آيت أحمد رحمة الله عليه. وقبل أن يجرى الحوار قال الصحفي الفرنسي لآيت أحمد وبقوّة : لا تقل لي أنّك ستجري الحوار باللّغة العربية؟ !. أجاب حينها آيت أحمد: سأجري الحوار باللّغة الفرنسية. وتمّ فعلا الحوار كلّه باللّغة الفرنسية.
5. أستحضر هذه الأسطر وقد مرّ عليها 33 سنة إذا اعتبرنا سنة 1986 كمرجع، وأخطّها وقد توفى عباسي مدني رحمة الله عليه خارج الجزائر عن 88 سنة من عمره باعتباره من مواليد 193، ودفن بمقبرة سيدي امحمد بالعاصمة يوم السبت 21 شعبان 1440 هـ الموافق لـ 27 أفريل 2019. وكتبت عن وفاته من زوايا مختلفة عبر صفحتي.
6. من عجائب الأيام التي لايدركها المرء إلاّ بعد أيام، أنّ عباسي مدني كان من وراء غليان الشارع في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي وتشاء حكمة ربّك أن يلقى ربّه والشارع الجزائري مازال يغلي ولم يتوقّف عن الحركة.
7. رحم الله عباسي مدني وأسكنه الفردوس وحفظ الله الجزائر وبلاد المسلمين جميعا.