أغرب الغرائب .. من الحلم إلى الواقع
تاريخ النشر: 10/04/14 | 9:42بقلم: المربي محمد حبايب- ابو شادي
أغرب الغرائب .. من الحلم إلى الواقع – ج1
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
سبحان الله العلي العظيم، كم من الغرائب تحدث أثناء النوم ولحظات ما بين اليقظة والنوم، فما هو الحد الفاصل بين الحلم والواقع، وهل يختلطان أحياناً حتى لا نستطيع التفريق بينهما ؟ يبدو أن ذلك صحيحاً بل أشد منه غرابة وخيالا جامحاً يصعب صديقه.
وأريد أن أنوه عزيزي القارئ بأن هذا ليس بحثاً في الرؤى والأحلام أو تفسيرها، ولكنه لشدة علاقة ما يحدث أثناء النوم بالقصص التي سأوردها في سياق هذا المقال إن شاء الله وقصته الرئيسية والأخيرة (حلم يوم القيامة، وجميعها جميلة شيقة جداً) التي سأوردها في النهاية.
واعلم عزيزي القارئ بأن النائم هو في حالة وفاة، أي أنه كالميت، ويرى أحياناً أنه يعيش في عالم آخر، وقد قال الله تعالى في محكم آياته: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسْمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الزمر42).
فمن الناس من يرى أثناء نومه الرؤى الصادقة المبشرة والمنذرة أيضاً، ومنهم من يرى أخلاطاً ووساوس من الشيطان، ومنهم من يرى ما ينعكس مباشرة من حياته وما يشغله فيها، ومنهم من يرى الكوابيس المفزعة جداً، وذلك ما يحدث ما بين النوم واليقظة أي في بداية النوم ولهذا فمعظم من يرى الكوابيس يظن انه رآها في الواقع والحقيقة وليس في المنام، ومنهم من يقوم من فراشه وبمشي بل يذهب الى العمل وهو ما يزال مستغرقاً في النوم، وهكذا يختلط الحلم بالواقع.. والخيال بالحقيقة.. والسراب بالحقيقة والوضوح.
فهذه مُدرسة تحكي قصة حدثت لها في شبابها، فلقد كانت عائدة من المدرسة ثم نامت على كنبة الصالون وقد كانت معتادة على ذلك، فرأت في منامها أحداً يسلمها قلماً وقد تسلمته منه وعندما استيقظت وجدت القلم في يدها بالفعل فسألت من بالبيت عنه والكل نفى معرفتهم به وأنه قلم لم يروه مسبقا، وتقول، لقد ظل معي هذا القلم لفترة طويلة حتى ضاع فجأة وبحثت عنه كثيرا ولم أجده.
وكل هذا يبدو غريباً لكنه ليس كذلك بجانب القصص التي ستقرؤها عزيزي القارئ لاحقاً إن شاء الله.
وهذا رجل ذهب للنوم فرأى في الحلم أنه يخلط مواد وألوان بيده، ثم استيقظ فرأى أثر هذه المادة ولونها مطبوع على يديه كما لو كان يفعل ذلك حقيقة، وبقي الأثر والألوان على يديه لعدة أيام.
وهذه قصة أغرب من سابقتها، فقد حصل لهذا الشخص صاحب القصة موقف كما في قصص الخيال والأفلام، حيث أنه رأى في الحلم أنه يسير في الشارع، فوجد شيئا التقطه ثم استيقظ من النوم.. فوجد انه ممسكاً به في يده !!
وأن المكان الذي رأى أنه يسير فيه بعيداً جداً، هذا لو افترضنا أنه مثلا يمشي أثناء النوم وذهب فعلا وهو نائم، لكن كما قلت المكان بعيد جداً وهناك شوارع كثيرة يحتاج قطعها لساعات طويلة حتى يصل الى المكان الذي التقطه منه.
أليس هذا من أشد أنواع الخيال غرابةً ؟، كيف حدث ذلك ؟ لا يستطيع أحد ان يجيب على هذا السؤال، الا الله السميع العليم الخبير وهو على كل شيء قدير.
وهذه سيدة متزوجة تحكي قصتها فتقول انها كانت مستلقية على السرير في الظلمة وكان زوجها أيضاً مستلقيا بجانبها وهما على وشك النوم، فطلبت من زوجها أن يناولها مرهم كان على الكومدينو التي بجانبه لكنه لم يجد المرهم وأخبرها بذلك ونام. بعد لحظات ناولها المرهم واستخدمته ونامت. في الصباح سألت زوجها أين وجد المرهم؟ فأخبرها بأنه لم يجده !! فذكرت له أن المرهم قد وضع في يدها!!
وكان أهل المنزل يعلمون أن المنزل مسكون بسبب حوادث مثل هذه الحادثة وأصوات كانوا يسمعونها كمن يلعب بالكرة أو بالماء وأمور مشابهه فنسب الامر الى هذه الظاهرة، أي أن جني هو من ناولها المرهم.
وهذه قصة قصيرة وربما شهيرة أيضاً قبل ان ننتقل الى قصتنا الكبيرة الأخيرة
إحدى الأخوات حكت أن أخاها رأى في المنام أنه يركب باصاً ثم رأى الباص ذاهباً نحو نار مشتعلة، تعجب من السائق الذي يسرع بالباص نحوها فذهب إليه فزعاً لكي ينحرف عن ذاك الطريق أو يوقف، الباص فالتفت إليه السائق فإذا به إبليس،،
فلما أيقن أنه طارحهم في النار رمى بنفسه من نافذة الباص، فاستيقظ وهو يصرخ متألماً، المسكين وجد نفسه ملقىً على الأرض قد رمى بنفسه من نافذة غرفته،، أصابته كسور..
وهذا من أشد الغرابة أن نرى بأن الحلم اختلط بالواقع. وقد يكون هذا الموقف غريباً جداً وفي منتهى الغرابة وهو كذلك فعلا، لكن ليس بغرابة الموقف الآتي الذي يكاد لا يصدق.
فهذه القصة الرئيسية والنهائية التي أريد أن أقصها عليك عزيزي القارئ وآمل يكون المقال كله قد أعجبك، ولم يكن مملاً، فعذراً على لإطالة وأتركك مع القصة الشيقة:
حلم يوم القيامة، قصة حقيقية لوزير مصري يرويها بنفسه – ج2
يقول الشاب المحامي الذي حكا هذه القصة:
هذه قصة حقيقية مازال بطلها على قيد الحياة، وقد استأذنته في كتابتها فأذن لي بذلك بشرط عدم ذكر اسمه، ولا أخفيك سراً أنني عندما استمعت لهذه القصة كنت بين مكذب ومصدق، إلا أن الدموع التي انهمرت من عين بطلها وهو يرويها، وبدني الذي اقشعر من هول ما سمعت جعلا صدق الرجل عندي لا مراء فيه.
وبطلنا وزير سابق في وزارة سيادية، كانت سطوته وقسوته مضرب الأمثال، وقد خرج من الوزارة عقب أزمة سياسية طاحنة مرت بالبلاد، ولم يكن من المقدّر لي أن ألتقي بهذا الوزير السابق لولا أن صديقاً لي أشترى منه قطعة أرض، وبحكم مهنتي كمحامي وحكم الصداقة طلب مني صديقي أن أتحقق من الملكية وأحرر عقد البيع، وعندما أنجزت المهمة الموكلة إلىّ حانت لحظة التوقيع على العقد الابتدائي فطلبت من صديقي اصطحاب الوزير السابق إلى مكتبي حتى يقوم بالتوقيع باعتباره بائع الأرض، إلا أن صديقي زم شفتيه وزوى حاجبيه وقال بلا مبالاة مصطنعة… الرجل بلغ من الكبر عتياً…. وقد لا تساعده صحته على الحضور إلى مكتبك، خاصة وأن مكتبك فى مصر الجديدة وهو يقيم في الضفة الأخرى من المدينة، فهل يضيرك أن ننتقل نحن إليه ؟… وثق أنه لن يضيع من وقتك الكثير، ففي دقائق سنكون في الفندق الأثير للرجل وهو فندق نصف مشهور في أطراف الجيزة في منطقة هادئة، وقد اعتاد الوزير السابق ارتشاف فنجان الشاي صباح كل يوم في الركن الشرقي بهذا الفندق، وحسبك يا أخي أنك ستلتقي بوزير كانت الدنيا تقوم ولا تقعد من أجله، بل إن كل وزراء مصر في وقته كانوا يتمنون رضاه… وعلى مضض وافقت إذ لم يكن من المألوف في عملي أن ألتقي بالعملاء خارج المكتب، وفى اليوم التالي كانت السيارة تنهب الأرض نهباً في طريقها إلى الجيزة، وكانت قطرات المطر تنساب على زجاج السيارة الأمامي برتابة مملة، في الوقت الذي ظل صديقي فيه يتحدث بلا توقف وبرتابة مملة أيضاً إلا أنني تشاغلت عنه بمراجعة الأوراق والعقود.
ومن بعيد رأيت الرجل…. يا الله… أهذا هو من ارتعدت فرائص مصر من بطشه وجبروته ؟ !! أهذا هو من ألقى العشرات في السجون وبغى وتجبر…؟!! ها هو يجلس وحيداً في ركن منزوٍ وقد خط الزمن بريشته خطوطاً متقاطعة على وجهه، وفعل الأفاعيل في تقاطيعه فتهدل حاجباه وتدلت شفتاه وبدا طاعناً في السن وكأنه جاء من زمن أهل الكهف.
وعلى الطاولة وبعد همهمات وسلامات قدمت الأوراق إلى الرجل وأعطيته قلمي كي يوقع على العقد، إلا أنه أخرج قلماً من معطف كان يضعه على كرسي قريب منه ثم خلع قفازه، وارتدى نظارة القراءة وسألني بابتسامة باهتة… أوقع فين يا أستاذ؟ فأشرت له إلى خانة في الصفحة الأخيرة، وأمسكتها له كي أساعده، وفى اللحظة التي قام فيها الرجل بالتوقيع على العقد جفلت يدي رغماً عني، فوقعت الورقة مني، إذ وقعت عيناي على ظهر يد الرجل اليمنى فرأيت بقعة مستديرة ملتهبة في جلده يتراوح لونها بين الاحمرار والاصفرار وكأنها سُلخت على مهل، والغريب أنني شممت رائحة شواء تنبعث من هذه البقعة وكأنها ما زالت تشوى على النار !!! ويبدو أن الوزير السابق تنبه لحالة الارتباك التي أصابتني، وتوقعت أن يهب ثائراً متبرماً، إلا أنه وعلى عكس ما توقعت نظر إلىّ نظرة حانية هادئة وكأنه أبي، وإذا بملامح طيبة ترتسم على وجهه بلا افتعال، ملامح لا علاقة لها بالوزير المتغطرس الباطش المستبد، وكأن ملامحه الطيبة هذه تدل على رجل من أهل الله، وبيد مرتعشة تفوح منها رائحة الشواء قدم لي الوزير العقد قائلاً: أتفضل يا أستاذ، ثم ألتفت لصديقي قائلاً: مبارك على الأرض…. تفضلوا أكملوا الشاي.
ومع الرشفة الأخيرة وبعد عبارات التهنئة جمعت كل ما أملك من قوة وقلت له سلامة يدك يا معالي الباشا، شفاك الله وعافاك… خير إن شاء الله…. يبدو أن شيئاً ما أصاب يدك قبل حضورنا فشكلها ملتهب جداً…. ولم يرد الرجل إلا بتمتمة غير مفهومة، إلا أنه نظر في الفراغ الذي أمامه نظرة أسى وحزن وكأنه أتعس رجل في العالم.
ومرت أيام وشهور على هذه الواقعة وظلت نظرة الرجل التعيسة ويده المحترقة التي تفوح منها رائحة الشواء لا تغادر خيالي… إلا أنه لأن كل شيء يُنّسى مع مرور الأيام انزوت هذه الواقعة في ركن خلفي من ذاكرتي وسرعان ما تناسيت الرجل وتناسيت يده المشوية.
ومر عامان إلا بضعة أشهر وجاء موسم انتخابات نقابة المحامين، وتزاحمت علىَّ الأحداث ذلك أن أحد أصدقائي رشح نفسه لمنصب النقيب وكانت ضريبة الصداقة والوفاء توجب علىّ الوقوف بجانبه عن طريق جلب الأنصار وتحييد الخصوم، وحدث أن واعدني أحد الأصدقاء لمقابلة بعض الأنصار في نفس الفندق الذي التقيت فيه بالوزير السابق وقبل الموعد المضروب كنت أجلس في نفس الركن الشرقي ارتشف فنجان القهوة المضبوط، وأمسح حبات العرق التي سالت على جبيني من فرط حرارة الجو، وإذا برجل طاعن في السن يتوكأ على عصاه، ويتوجه على مهل إلى طاولة في أقصى المكان…. منفرداً…. منزوياً… نعم كان هو الوزير السابق صاحب اليد الحمراء المشوية.
وبعد أن جلس واستوى على مقعده حانت منه التفاتة إلى الطاولة التي أجلس عليها، ثم إذا ببصره يعود ويستقر عندي للحظات، وكان أن تبادلنا الابتسامات والإيماءات، ولغير سبب واضح قمت من مقعدي وتقدمت للوزير السابق محيياً مذكراً إياه بنفسي، وبنفس الملامح الطيبة التي رأيتها عليه من قبل دعاني للجلوس، وبعد التحيات والسؤال عن الصحة والكلام عن الجو الحار والزحام وقعت عيناي رغماً عنى على يده فوجدته – ويا لعجبي – يرتدي قفازه الأسود !! – رغم حرارة الجو – فقلت بغير دبلوماسية وبعبارات فجة متطفلة لا أعرف كيف خرجت مني… كيف حال يدك يا معالي الباشا… أشفيت إن شاء الله… حرق هو أليس كذلك؟… وبكلمات بطيئة متلعثمة وجلة قال… نعم حرق ولكن ليس كأي حرق… إيه ربنا يستر.
ولدهشتي استرسل الوزير السابق في حديثه وكأنه يحدث نفسه… طبعاً انت عارف ماذا كان موقعي في الدولة، كنت الآمر الناهي وكان الجميع يخطب ودي تصورت أنني أعز من أشاء وأذل من أشاء وتصورت أن المنصب سيدوم لي أبد الآبدين لم أفكر في يوم من الأيام أن هناك خالقا وأن هناك حسابا، فحبست وعذبت وخربت بيوت بغير حق بل وأحياناً دون سبب…. وجاء يوم وليته ما جاء كنت عائداً إلى بيتي تحيطني سيارات الحراسة من كل جانب، ولسوء طالعي وقع بصري على كشك سجائر قابع في جانب من الطريق فاستقبحت منظره، وفى اليوم التالي أصدرت قراراً بإزالة الكشك وفي غضون دقائق معدودة بعد صدور القرار قامت قوات وجحافل بإزالة الكشك حتى لا يقع عليه بصري وأنا عائد إلى بيتي، لا تسألني عن صاحب الكشك ولا عن حقوق الإنسان فوقتها لم يشغل هذا الأمر تفكيري ولو للحظة، وقطع الوزير كلامه قائلاً: تشرب شاي لا زم والله… وقبل أن أرد عاد إلى حديثه دون أن ينتظر إجابتي… وأثناء عودتي نظرت إلى مكان الكشك فوجدت رجلاً متهالكاً يجلس على الأرض ومعه امرأة متشحة بالسواد وأطفال حفاة أقرب إلى العراة، وعندما اقترب الموكب من المكان تمهل الركب لغير سبب وكأننا مجموعة من الحجاج يطوفون حول بقعة قدسية، فإذا بالرجل الجالس يهب واقفاً قائلاً بأعلى صوته يا فلان اتق الله.. اتق الله.
وضايقتني العبارات أشد المضايقة فسألت أحد اللواءات الذين كانوا يرافقونني من هذا؟ فقال لي: إنه صاحب الكشك… ولم أنتظر لليوم التالي بل وأنا في سيارتي أصدرت قراراً باعتقال صاحب الكشك ثم اتصلت تليفونياً ببعض أعواني وأمرتهم بتأديب الرجل… ومرة أخرى قطع الوزير كلامه قائلاً: الله…ألم تطلب شاي لازم والله… ثم وبنفس الاسترسال ودون انتظار الإجابة استمر قائلاً… أرقتني عبارة الرجل إتق الله كانت صادقة وقوية ومجلجلة، لم أتعود أن يقولها أحد لي من قبل، هل تصدق أنني عندما ذهبت إلى بيتي تحدثت مع قريب لي في كلية دار العلوم حتى يشرح لي معنى كلمة “اتق الله” لا أعرف لماذا توقفت هذه الكلمة عند أذني وتجاوزت سمعي إلى داخل أحشائي فإذا بألم شديد يمزق معدتي… ومع بعض المسكنات والمهدئات حاولت أن أنام ولم أستطع وفى اليوم التالي رأيت في ذات المكان زوجة صاحب الكشك وهى متشحة بسوادها ومعها أطفالها العراة، وإذا بصوتها هي الأخرى يعلوا مجلجلاً يا فلان اتق الله، وفى بيتي لاحظت زوجتي أرقي فهدأت من روعي وقالت لي: لا تخش شيئاً أنت من أهل الجنة خدماتك على البلد كثيرة، في حد يقدر ينكر ؟.
هل تصدق يا أستاذ… هو بالمناسبة ألم تطلب شيئا ؟؟ الله ألم تطلب شاي لازم والله، وعرفت أنه لن ينتظر إجابتي وبالفعل استمر في استرساله الغريب… هل تصدق أنني نمت يومها نوماً عميقاً… ويا ليتني ما نمت…. وهنا بدأت دموع الرجل تنساب وبدأ صوته يتهدج، نمت ورأيت في نومي أن القيامة قد قامت ورأيتني عارياً من ملابسي، وإذا بملائكة غلاظ شداد لا أستطيع أن أصفهم لك يجذبونني بعنف إلى النار وأنا أقاوم وأحاول أن أبحث عن حراسي ورجالي ولكن للأسف لم أجد أحداً معي يناصرني أو يدفع عني العذاب، هل تصدق أنه أثناء جذب الملائكة لي رأيت زوجتي فقلت لها أنقذيني فقالت: نفسي نفسي، فتعجبت !! وقلت لها: ألم تخبريني أنني من أهل الجنة ؟ فلم ترد، حاولت أن أناقش الملائكة فقلت لهم لقد قدمت لمصر الكثير ستجدون أعمالي الباهرة في ميزان حسناتي فلم يرد علي أحد منهم، وأثناء جذبي وجرّي نظرت إلى الجنة فوجدت قصراً عالياً شامخاً ليس له مثيل يظهر من خلال أسوار الجنة، هل تصدق أنها أسوار تشف ما خلفها!! فقلت للملائكة هذا قصري خذوني إليه فقال أحد الملائكة إنه قصر صاحب الكشك فقلت ولماذا استحقه فقال الملاك لأنه لم يرضخ للظلم وقال كلمة حق عند سلطان جائر فهو شهيد، فقلت وأين مكاني قالوا في الدرك الأسفل من النار، وقتها حاولت التملص منهم وكنا قد اقتربنا من أبواب الجحيم، وعندما هممت بدفع أحد الملائكة بيدي هذه إذا بلفحة بسيطة من حر جهنم تصيبني في ظهر يدي، آه لو تعرف يا أستاذ مدى الألم الذي أصابني لا يوجد مثله مثيل على وجه الأرض، مجرد لفحة بسيطة ليس من النار ولكن من حر النار من بعيد، فقمت من نومي صارخاً فزعاً ونظرت إلى ظهر يدي فإذا به وكأنه احترق ورائحة الشواء تتصاعد منه وآه وآه وألف آه أسرعت بالاتصال تليفونياً بأحد رجالي فإذا به يخبرني أن صاحب الكشك مات من التعذيب… مات لا وألف لا…. صرخت قائلاً…. أعيدوه للحياة…. أعيدوه للحياة أعيدوا له الكشك….. ولكن لا حياة لمن تنادي… سبقتني يدي إلى النار…ندم متأخر جداً حيث لا ينفع الندم.. وكنت قد اندمجت مع حكاية الوزير حتى أنني لم ألحظ بكاءه ونشيجه، وكان بدني كله مقشعراً وكأنني قنفذ تائه في صحراء، ونظرت حولي فإذا ببعض الجالسين المتطفلين ينظرون إلينا باهتمام بالغ، وتدحرجت كلمات مني لا علاقة لها ببعض: يا باشا ربنا غفور رحيم أطلب منه المغفرة…. على فكرة أنا ممكن أطلب شاي….. هو الرجل مات فعلاً…. هي النار جامدة قوى….. ربنا يستر…. ربنا يستر….. وبعد هنيهة عاد الهدوء للرجل واكتسى وجهه بملامح طيبة وظهرت في عينيه نظرة رجاء واستعطاف ثم قال ربنا غفور أليس كذلك ثم أردف تفضل أشرب الشاي…….
عزبزي القارئ، أريد فقط ان أعقب ببعض الكلمات عن الظلم، فأرجو أن يتسع صدرك لقراءتها، لعل الله يكتب لنا بها الخير والمغفرة.
فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: {اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم}.
واعلموا أن دعوة المظلوم مستجابة لا ترد، مسلماً كان أو كافراً، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: {اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب}. فالجزاء يأتي عاجلاً من رب العزة تبارك وتعالى، وقد أجاد من قال:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
وعن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربه عز وجل في الحديث القدسي أنه قال: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط (إبرة الخياطة) إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم لي ولكم جميعاً أن لا يجعلنا في القوم الظالمين.
اللهم وإني أسألك لنا جميعاً العفو والعافية والمعافاة التامة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، وأسألك حبك وحب من يحبك، وكل قول أو عمل يقربنا لحبك.
وأسألك يا رب العزة أن تجعلنا من التوابين الأوابين الطاهرين المتطهرين، الحامدين الذاكرين الشاكرين الراكعين الساجدين دوما لك وحدك لا شريك لك يا رب العالمين، واجعلنا بفضلك من الهادين المهتدين الراشدين المرشدين، اللهم أهدنا وأهد بنا واجعلنا هداة مهتدين، واغننا واكفنا وأرضنا بحلالك عن حرامك وبك وبفضلك عمن سواك وعما سواك يا رب العالمين، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا. وصلي اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم آمين… اللهم آمين… اللهم آمين…