" لكل من يهمه الأمر "

تاريخ النشر: 28/09/11 | 2:00

لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة دعا إليه سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة فقال :-إني قد ابتليتُ بهذا الأمر فأشيروا علي.

فقال له سالم :- إن أردت النجاة من عذاب الدنيا فصم عن الدنيا وليكن إفطارك منها الموت.

وقال له محمد بن كعب : إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أباً وأوسطهم عندك أخاً وأصغرهم عندك ولداً فوقّر أباك وأكرم أخاك وتحنن على ولدك.

وقال له رجاء بن حيوة : إن أردت النجاة غدا من عذاب الله عز وجل فأحب للمسلمين ما تحبه لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك ثم مت إذا شئت.

وسأل عمر عن العدل فقال له محمد بن كعب :- سألت عن أمر حسن , كن لصغير المسلمين أباً ولكبيرهم إبناً وللمثل منهم أخاً وعاقب الناس بقدر ذنوبهم على قدر أجسامهم ولا تضربن لغضبك سوطاً واحداً فتتعدى فتكون عند الله من العادين .

ثم استطرد محمد بن كعب وقال لعمر :- لا تصحب من الأصحاب من خاطرك عنده على قدر حاجته فإذا انقطعت حاجته انقطعت أسباب مودته واصحب من الأصحاب ذا العلى في الخير والأناة في الحق فيعينك على نفسك ويكفيك مؤنته .

إنها دروس وعبر فماذا علينا لو اتعظنا بها ونحن نقدم على حمل مسؤوليات جسام وهي ليست بالأمر البسيط وهي بمثابة تكليف وليس تشريف وتحمُّل تبِعاتها يحتاج منا الصبر ويستلزم التعب والعمل والسهر والبذل والعطاء والتضحية والأهم من هذا كله أن في ذلك السؤال عن كل ما يقع تحت المسؤولية والحساب على كل صغيرة وكبيرة , على البغلة والنملة وعلى الفقير والأجير والغني والأمير وعلى زيت القنديل والقصير والطويل .

إنها أمانة عظيمة لو علم الإنسان ما بها وما يتحتم عليها لاختار أن ينهج نهج السموات والأرض والجبال ولأبى أن يحملها ولبكى من الرهبة إن حملها ولحمد الله إن لم يتولاها.

إنها رسالة من القلب كي نُذكّر ونتذكر ونعي حجم ما نقدم عليه ( وَذَكَّر إن نَفَعَت الذكرى ) ونعي الأخطار التي تحيط بنا وما يتوجب علينا في هذه الظروف والأوقات العصيبة من اتحاد وتعاضد وتكاتف وتكافل وأن نكون سنداً لسندٍ وسداً منيعاً كل في موقعه ودوره وعمله ونكون كالبنيان المرصوص وكالجسد الواحد حتى نحمي بيوتنا وأرضنا وأولادنا وأنفسنا من مخاطر تحاصرنا وتنهش لحومنا ووجودنا وتسعى للفتك بنا وإذلالنا واستعبادنا وتهجيرنا وتشتيتنا وتجهيلنا وترحيلنا وتدميرنا والقضاء علينا.

علينا أن نفهم وندرك قوانين اللعبة ونفوت على عدونا الحقيقي ما يبغيه من زرع بذور الفتنة والخلاف في بيوتنا وقرانا ومدننا وبلادنا العربية والإسلامية وبشتى الوسائل والحيل والتخطيطات والمخططات ( والتي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب ) فهو يهدف إلى تفكيك الروابط الاجتماعية ونشر السموم وبذر السلاح ورعاية منابع العنف وتجفيف مصادر الرزق وتضييق الخناق والالتفاف على الأعناق فهو يعرف من أين تؤكل الكتف !

من هنا كان وجوب الاستيقاظ من الغفلة والعودة إلى مسلكنا ومسارنا وأصولنا وأصالتنا وعقيدتنا ودربنا الصحيح القويم وننهض بنا وببلدنا وأمتنا ونحقق الرؤية والأهداف ونأخذ مكاننا الطبيعي بين الأمم كخير أمة أخرجت للناس.

يقول الله سبحانه و تعالى -:

(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (سورة آل عمران / الآية103 )

تعليق واحد

  1. حياك الباري استاذي الكريم وجمل ايامك بالسعادة ومكارم الاخلاق.

    مقالتك جوهرية المضامين..وكلام قيم ..ونصائح من الذهب العتيق..

    جدير بنا ان نسلك دروب الخير والعدل..والعمل على ترقية مجتمعنا الى الافضل.

    نحو الازدهار والحياة الكريمة..

    جدير بنا ان نختار مسالك الفضيلة..ونتكحل بمكارم الاخلاق..نكون ايجابيين بالفكر

    والكلام..ننقد المسؤولين نقدا موضوعيا…نتقبل النقد الموضوعي..نصحح الاخطاء

    ونسير خطوات واثقة نحو النجاح والافضل..

    جدير بنا ان نعمل جاهدين على خلق مجتمع مثقف…يقدس المطالعة العامة..يحترم

    الكلمة..والسلوكيات السامية الطيبة.

    جدير بنا ان نقدس العطاء الجماهيري..وان نتالق باداء ادوارنا في مسرح الحياة..

    استاذي الكريم..تحية شكر وامتنان لشخصك الكريم على عطائك الوفير..

    اتمنى لك دوام الصحة والعافية..وراحة البال..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة