أنوثة الأرض وذكورة الوطن
تاريخ النشر: 10/04/14 | 16:50في آذار الأمّ واليراع والحياة، تتفتّقُ أنوثةُ أرضِنا الطيّبةِ إيقاعًا، تُبلّلهُ قداسةُ الأمّهاتِ إبداعًا، بفيْضِ مَحبّتِها الآسرة، ولا يَسَعُ المعهدُ الموسيقيّ في عبلين، إلّا أن يَفتحَ صدرَهُ الموسيقيُّ للقاءِ منتدى الحوار الثقافي- عسفيا، ويحتضنَ معرضًا فوّاحًا للوحات الخطاط الفنّان كميل ضو، تحت شعار (الأمّ والأرضُ توأمان لا يفنيان)، وذلك منذ تاريخ 26.3.2014 حتى 8.4.2014، على شرف يوم الأرض الخالد وعيد الأم ابن الربيع، وليظلّ مُشَرِّعًا أبوابَهُ في استقبال وفود زائري المعرض المبرمج، مِن النادي النسائي الأرثوذكسي- عبلين، وطلاب مدارس عبلين “أ”، “ب”، “د”، ومدرسة الأحد، وليترك طابعًا مؤثّرًا في نفوس أجيالنا اليافعة الشبابيّة، وتوجيه الانتباه والالتفات إلى أهمّيّة هذا الفنّ العريق المميّز، وليظلّ لحنا يرنُّ في دواخلنا، كي لا ترحل الحروف ولا الأنغام.
تولّى عرافة اللقاءات الأستاذ زهير دعيم، واستهلّ اللقاء الأستاذ رشدي الماضي بكلمة ترحيبيّة، ومن ثمّ مداخلة نوعيّة لد. فهد أبو خضرة، وتخلل اللقاء وصلة كروانية أدّتها اليافعة أليسا حاج، وتحدث الأستاذ محمد علي سعيد عن تاريخ عيد الأم في العالم العربي وفي مصر بالتحديد، كما قدم الشاب ميخائيل عقل سلمان قصيدة للشاعر عمر الفرا، ثمّ ختم اللقاء الفنان كميل ضو بكلمة شكر، وبعدها تمّ التقاط الصور التذكاريّة.
جاء في كلمة الأستاذ رشدي الماضي: يولعني حدّ التمزّق هذا الزمن الأرمل، الذي جعل العربيّ الوفيّ خِلًّا، يُعرّشُ على أكتافهِ “صبّار” الانشغال بتفكيك ألغام المِحن والفِتن. زمنٌ موجوعٌ مفجوعٌ الذي صار لقلة مطر، يُسامحُ فيه ويُبَرّأ “الغراب”، وتُتّهم وتُدان فيه “الحمامة”. أليس من حقّها رفيقي/ رفيقتي أن تعلن الإضرابَ عن “الهديل”؟ سؤال، تعال/ي نترك الإجابة عنه لحديث لاحق في قابل الأيّام. أمّا انتَ أيّها الملح! صدّقْ أنّني أتفهّمُك وانا أراك تتململ وتفسد. وأنتِ أيّتُها الأرض، حين أراك “حقبية” تتهيّأ للرحيل، مُشرّدة تحملُ امتعتها الصغيرة، وتبحث عن خيمة تأوي إليها، أقول: أفهمُكِ واتفهّمُكِ، ولا ولن أقول أوافقُكِ.. تعرفين لماذا؟ لأننا اكتوينا بمثل هذه “النار” وهذا “السعير” مِن قبل.
أُذكّرُكِ بالقرن السابع الهجري المعروف بـ “أعجف القرون”، حيث غزانا فيه المغول وسقطت الدولة العباسية، وسلّمنا كما في الأندلس المَفاتيحَ، وبكيْنا حتّى بلّلَ الدّمعُ كبرياءَ عِزّتِنا! لكنّنا وأنتِ خيرُ العارفين، لم نستسلم، ولم نترك هكذا “زمن انحطاط” يُقيمُ لنا “جُنّازًا”، ويقرأ على أرواحِنا “الفاتحة”. نعم أيّتها “الأرض” العارفة! أنتِ تَسكنينَنا طائرَ رعدٍ ينتمي إلى رماد البعث والنهوض، ويُؤرّخ للقيامة والحياة الأبديّة. إذًا؛ لم يبقَ إلّا أن: تُرمّمينا “مدينة” واهبة للنجاة، يتجسد “طوقها” “مخلصًا”، يَقرعُ الأجراسَ و”سقيفة” تعلو منها “سورة الرحمن”. اِصغي وانصتي، يَصِلْكِ إيقاعُ صهيلِ حصانهِ، وقد عاد ليقول لك كلّ شيء، حتى دون أن يقول شيئا! هو “فارسك” الذي حمل “بعبع الخوف”، وألقى به في “الجُبّ”، وأوْصى بوصلتَهُ أن ترشد “الذئب” إليه، بعد أن تعرّى “يوسف” من “قميصه”، وترك “إخوته” يسقطون في غفوة “الكهف”! هو “فارسٌ” مُولَعٌ بالمآزق، ويرفض أن يكون موقفه سلعة يُباع “خبزُها” بالمزاد، فإذا حدث وخانته “غيمة”، يَستعيد من عيون كلماته قبسًا، ويدخل ركنه الصغير، ويُلقيه نورًا على الغامض من الأسرار، ليظلّ ينقلُ بأمانة الاسئلة المجرّدة في جدليّة واقعه إلى المساءلة الأخلاقيّة، مَفاتيحَ تُفسّر وتفسّر، وتدعو إلى التغيير والبناء والإصلاح.
صباح الخير أيّتها الأرض الباقية “مدينة” نُحبّها؛ مدينة لم تعُدْ فيها أحرفُ العلّة مُعتلّة، مدينة خرجت حروفُها الساكنة عن صمتها، لتتحرّكَ قبل أن يموت “حرف الضاد” وطنًا مسحولًا ومجرورًا ومقهورًا. نعم، ستظلّ أنوثتُكِ لذكورتنا وطنًا نحن والحريّة الواعية.
وفي مداخلة د. فهد أبو خضرة جاء: مَن يُتابعُ الحركةَ الأدبيّةَ في بلادنا، وفي الأقطار العربيّة، يلاحظ أنّ عددَ المبدعات قد ازداد في العقود الأخيرة ازديادًا كبيرًا، وإن ما زالَ يَزداد بشكل مُطّرِدٍ عامًا بعدَ عام، كما يُلاحظ أنّ مستوى هذا الإبداع قد ارتفع ارتفاعًا واضحًا، وأنّه ما زال هو الآخر يرتفعُ بشكلٍ مُطّردٍ.
ويقولُ الكثيرون من الدارسين، أنّ السبب في هذا هو توفّر الحرّيّة في المجتمعات العربيّة في العقود الأخيرة، أكثر من أيّ فترة سابقة في العصر الحديث، وذلك في المجالات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وهم يؤكّدون أنّ الحرّيّة شرك من شروط الإبداع، إذ لا يتوفّر إلّا حيث تتوفّر، ولا يرتفع مستواه إلا حيث يرتفع مستواها، ولا شكّ أنّ هذا الأمرَ صحيحٌ جدًّا، ولكنّني مع ذلك أعتقد أنّ الحرّيّة الحقيقيّة لا ترتبط بالمجتمع فقط، وإنّما ترتبط أيضًا ارتباطًا كبيرًا بالشعور الداخليّ للفرد أيًّا كان، مُبدعًا أو مبدعة. وبناءً على هذا، فإنّ الفرق بين فردٍ وآخر في المجتمع الواحد، الذي تتوفر فيه شروط الحرّيّة المطلوبة، يكون في توفّر الشّعور الداخليّ بها حقيقةً، وفي مدى عمق هذا الشعور واتّساعه.
ونحن حين نتحدّث عن الحرّيّة الحقيقيّة، وعن مدى عُمقها واتّساعها، فإنّنا لا نعني الحرّيّة المُطلَقة، وإنّما نعني الحرّيّة الواعية التي تخضع للعقل والمنطق، والتي تعرف حدودها وتقف عندها. وأقلُّ ما يُقال في ذلك، أنّ حرّيّة الفرد تنتهي عند حدود حرّيّة الآخرين، ولا بدّ من القول هنا، أنّ هذه الحرّيّة الواعية هي حرّيّة مسؤولة، تختار الإيجابيَّ وتقاومُ السلبيّ، وتختار ما ينفع ذاتها وينفع المجتمع، وينفع البشرية عامّةً، وتقدّم ما يَضُرّ أيّا منها، تختار ما يدعم التقدّم المنشود في كلّ نواحي الحياة، وتقاوم ما يوقفه.
والحديث عن الحرّيّة الفرديّة والحريّة الاجتماعيّة والحرّيّة السياسيّة، واختلاف الآراء الفلسفيّة حول كلّ منها حديثٌ طويل طويل، ولكنّني أكتفي بما قلت، مُؤكّدًا لكلّ مَن يهمّه الأمر، أنّ الباب ما زال مفتوحًا على مصراعيه، لمناقشة الآراء التي طرحها الدارسون، من جوانب مختلفة ومن زوايا نظر جديدة، واسمحوا لي أن أتمنّى لمجتمعنا مَزيدًا من المبدعات، اللّاتي يُدركن معنى الحرّيّة إدراكًا واعيًا ومسؤولًا، ومزيدًا من الإبداع الرفيع الذي تجود به أقلامهنّ، وأتمنّى لمبدعاتنا كلّ التقدّم والنجاح. وبمناسبة عيد الأمّ ويوم المرأة العالميّ، فإنّني أعبّر لكلّ أمّ ولكلّ امرأة بشكل عامّ في مجتمعنا وفي العالم كلّه، عن فائق احترامي وتقديري، آمِلًا أن تكون أيّامهنّ دائمًا مليئة بالمحبّة والسعادة والتوفيق.