صور وذكريات أم الشوف حبلى ..
تاريخ النشر: 18/05/19 | 22:16 أحببتك .. أتسائل في سجنك المسعور .. لماذا !؟
من بين طيّات سجنك , تتراشق علامات الاستفهام باحثه عن جواب ..
أتذكر الأطفال الذين كانوا يحملون أعلاماً في مهرجان للطفوله الذي بثَّه التلفزيون .؟
يومها قال أحمد لك :
– أبي أريد علماً , لأسير وان أرفعه على طول الشارع مثلهم ..
فاجبته يومها والدموع تسبح في فضاء عينيك اللامتناهي ..
– سآتيك يا ولدي بعلم ..
– متى ..!؟ سأل مشدِّدا
اختلط فضاء عينيك اللامتناهي مع فضاء الغرفه , الذي أصبح بلا مقاسات هندسيه او نهايات ..
ولم تجب ..
صمت الولد كأنه أشفق عليك من الجواب .. زحف ببطئ ولفَّ نفسه في حجرته بين يديك وصدرك .
سألني قبل أسبوعين وهو يصمم وجهه فوهة بركان :
– أين أبي .!؟
– سيأتي قريباً .. قلت باحثه عن جواب ..
– هل سيحضر لي معه علم .؟
– نعم .. قلت وأنا أختصر المسافات الهندسيه .
– سأسير وأنا أرفعه على طول الشارع .. قال تاركاً فيضاً من الفرح يتراقص على تقاطيع وجهه .
وحملتَ ” ام الشوف ” حبلى ثقليلة على عاتقك الدامي , ورحتَ تجوب المسافات..
حملتْك وحملتها جنيناَ , فولدتك في غياهب التشريد , وولدتها حلماً يتبع خطاك أينما ذهبتَ , رأيتها في كل شيئ ولم ترها أبداً ..
إنها حلم يتقمصُّ مخيلتك , وخيوط من اللاشيئ أمام عينبك ..
وولدتْ ميلادها الملحاح المتكرر مع ميلاد حبنا .. كلما أردت ان أرى نفسي من خلال شاشة عينيك رأيتها هي ..
صدِّقني كرهتها في بادئ الأمر ..
كرهت ان يشاركني أحد في هذه الدنيا فيك .. حتى ولو كان حلماً .. حتى ولو كان حنيناً ..
أتذكر بدايتنا معها …
كانت شمس الصيف الناضجه , ترسم ظلالاً صغيره حول سيقان أشجار الزيتون ,التي تفصل بين بيوت المدينه , والمعهد الذي كنت أدرس فيه , وكنت هناك تفترش الظلال وتقرأ كتاباً , وأنت تعرف الصبايا النابلسيات اللواتي يخرجن من أسوار المحافظه والتسلط , كيف يراقصن شمس الحريه ..
أردنا يومها أن نعاكس هذا الشاب , الذي يفترش الظلَّ ليقرأ كتابا ..
وسألناك : من أين أنت .؟
وكان سؤالك الذي غيَّر كل مساحات حياتي :
– هل تعرفن أين تقع ” ام الشوف ” .!؟
وارتفعت رنات ضحكاتنا المحبوسه .. التي أصبحت تنطلق هازئه كلمت ذكرت احدانا الاسم ..
ووصلت البيت ورحت اسأل عنه ..
بحثت عنه في كل مسمع ولسان , وعلى كل خريطه , حتى وجدته مطبوعاً بجانب نقطه سوداء في خريطه قديمه ..
أتذكر اليوم التالي ,عندما تقدمت منك تحت الزيتونه وسألتني :
– لماذا وحدك اليوم !؟
فقلت وقد تنازعت على محياي , أحاسيس الحياء وفرح الاكتشاف :
– لقد وجدتها .. ! وجدت “ام الشوف ” ..
– ” ام الشوف ” .!؟ وجدتِها !؟ .. انها كانت وستبقى وستعود .. قلت محاولاً حبس طبقات من الثوره حاولت الانفلات .
وسكتنا .. نظرت الى وجهك ,لأقرأ شيئا فعزت علي السطور.. حاولت ان أغور في سماء عينيك ,فلم أجد فيها مرفأ ابدأ منه ..
أخذت رجلاي أمامي وابتعدت عائده الى البيت .. لكني شعرت بخيوط غير مرئيه مربوطه بك تشدّني اليك .
وبدأ مشوارنا معاً – يا حبيبي ..
وكان علينا ان نعبر حواجز, أنت اعتبرتها صغيره في الطريق الى ” ام الشوف ” , وأنا رأيتها كبيره تفصل بيني وبينك ..
انت لاجئ في نظرهم تسكن في مخيم “بلاطه” ,رغم إصرارك على القول ان هذا مؤقتا .. ابن فلاح يتيم الأرض رمي خارج أرضه , بعد ان جبل ترابها بدمه .. وانا ابنة عائله نابلسيه , أقامت حولها ستراً وحواجز , وضعت لها أبراجاً مصطنعه زائفه , تعيش في وطنها المغلوق الدامي , تحاول ان تلفَّ جانبه الدامي بعباءات وطرابيش .
والتقينا خلسه .. فتحت لك كل أحاسيسي لأسمعك ..
حدثتني عن مواسم الحصاد في ” ام الشوف “.. عن الملايات .. عن البيدر عن مواويل الفلاحين ..عن زغاريد ” المغمرات ” عن عين الماء ..عن ألعاب الطفوله ..
بنيت ” ام الشوف ” الاف المرات , كنت تبنيها ثم تعود لتبنيها من جديد في شكل آخر .. إنك تعيش فيها ولها .!
وسألتني مره في احدى اللقاءات :
– هل تؤمنين أننا سنعود .!؟
فأجبت وأنا ألتمس الجواب في فضاء عينيك اللامحدود .
– ولكن هناك الكثير الذي يفصل بينها وبيننا ..
فسألني وقد ارتسمت على وجهك ظواهر التحدي :
– هل تؤمنين بالمستحيل .!؟
فأجبتك دون ان أفكر ..
– لا … واأا معك ..
ها أنت تقبع , أنت ” وأم الشوف ” , في ظلام سجن الدامون ..
لعل رسالتي هذه , لن تستطيع اختراق جدرانه فتصل إليك , ولكن قلبك يحمل بين طياته ملايين الرسائل , التي كتبت على أوراق الزيتون , وعلى صفحات مياه الأردن وعلى بطاح الكرمل ..
ان أحمد ما زال ينتظرك لتحضر له العلم .. ستأتي في يوم ربيعي لابساً ” الدماي الروز ” و ” الحطه الدمشقيه ” و ” العقال المرعز ” , حاملاً العلم هديه لأحمد ليمشي في الشارع وهو يحمله ..
ستأتي لأضع نفسي بين صدرك ويديك الخشنتين , وأحكي لك أمنياتي الصغيره .. امنيات امرأه لها وطن وعلم ..
كل يوم يمضي أحبك أكثر .. كل يوم آت سأحبك اكثر ..
حبيبتك
سناء … ” ام الشوف ” كما يحلو لك ان تناديني .
يوسف جمّال – عرعرة