ملاحظاتي حول بيان أحمد طالب الإبراهيمي – معمر حبار
تاريخ النشر: 19/05/19 | 22:08السبت 14 رمضان 1440 هـ الموافق لـ 19 ماي 2019
أوّلا: أخلاق المتتبّع تجاه أحمد طالب الإبراهيمي:
1. كان من المفروض أن أكتب مقال عن مسيرة 17 ماي 2019 وتمّ تأجيله أو إلغاؤه بسبب بيان أحمد طالب الإبراهيمي المذكور أدناه.
2. سبق لي أن رفضت وما زلت أرفض غير نادم ولا آسف أن يعود لحكم الجزائر من حكمها من قبل وذكرت بالاسم عبر مقالات ومنشورات: يامين زروال، أحمد طالب الإبراهيمي، بن بيتور، حمروش وغيرهم ولا أستثني أحدا وليكن بعدها من يكون.
3. طلب منّي أحد الزملاء أن أتحدّث عن علاقة أحمد طالب الإبراهيمي مع مالك بن نبي رحمة الله عليه في هذه الظروف، فأجبته حينها عبر الخاص وأؤكد الآن: ليس من اللاّئق الآن ذكر علاقة أحمد طالب الإبراهيمي بمالك بن نبي وقد سبق أن تحدّثت عنها حين تطرقت لكتاب مالك بن نبي “les Carnets de Malek BENNABI ” وهي منشورة منثورة عبر مقالاتي وصفحتي ثابتة غير محذوفة لمن أراد أن يعود إليها قارئا وناقدا.
4. سبق أن عقّبت على أحد الزملاء أنّي لاأنقل الآن شهادة الجنرال ووزير الداخلية الجزائرية “العربي بلخير” حول أحمد طالب الإبراهي الذي نقلها عبر صفحته وبغضّ النظر عن صحتها لأنّه يعتبر الآن وفي هذه الظروف طعنا وحقدا لايليق بالمتتبّع الذي التزم الفكرة لا الأشخاص.
ثانيا: نقد محتوى البيان:
5. سبق لي أن استنكرت في الأيام الأولى على الأخضر الإبراهيمي كونه يتعامل مع أحداث الجزائر على أنّه دبلوماسي سابق يعتمد على إرضاء هذا الطرف أو ذاك وليس لكونه جزائري يفصل في الأمر لصالح الجزائر، ونفس الاستنكار أثبته وأكرّره في الحالة الخاصّة بأحمد طالب الإبراهيمي الذي تعامل مع أحداث الجزائر على أنّه وزير خارجية سابق لاعلم له بالداخل.
6. طالب الإبراهيمي ومن معه بـ: ” بمرحلة انتقالية قصيرة المدّة”. أقول: مطالبة الإبراهيمي بمرحلة انتقالية تعتبر مساهمة منه في إطالة الأزمة وتعقيدها وليس كما يقول: “تنسجم تماما مع مسار التاريخ” لأنّ المرحلة الانتقالية لن تكون قصيرة كما يقول ولن تكون سليمة ولا آمنة العواقب.
7. يرى الإبراهيمي ومن معه أنّ المرحلة الانتقالية يقودها ” ممن لم تكن لهم صلة بالنظام الفاسد في العشرين سنة الأخيرة”. وعليه أقول: أخطأ الإبراهيمي حين حصر الفساد الذي تعيشه الجزائر في ” العشرين سنة الأخيرة” فقط لأنّه من المعروف أنّ جذور الفساد في الجزائر يعود للأيام الأولى لاسترجاع السّيادة الوطنية سنة 1962 والتي كانت بدورها انعكاسا للصّراع حول السّلطة إبّان الثورة الجزائرية وكذا الفترات التي أعقبت تلك الأيام ومنها الفترة التي كان أحمد طالب الإبراهيمي يومها وزيرا للتربية ثمّ وزيرا للخارجية مدّة طويلة من الزّمن ثمّ فترة العشرية الحمراء التي تعيش الجزائر الآن نتائجها الكارثية على كلّ الأصعدة. إذن، لاأحد ينكر كوارث ” العشرين سنة الأخيرة” لكن حصر الفساد فيهما فقط كما فعل الإبراهيمي ومن معه خطأ جسيم وطي صفحة ماكان لها أن تطوى خاصّة العشرية الحمراء التي تعتبر “العشرين سنة الأخيرة” امتدادا ونتيجة للعشرية الحمراء، فكيف يتم التحدّث عن النتيجة دون ذكر السبب وأيّ سبب وقد شهدت الفترة يومها دماء ونسف وهدم ورجم ونفي وتهجير وحرق.
8. يعتبر الإبراهيمي أنّ المرحلة الانتقالية تؤدي إلى “صناديق الاقتراع”. أقول: المرحلة الانتقالية ستؤدي إلى مزيد من الدماء وإطالة عمر الأزمة في الجزائر وستفتح ملفات نحن في غنى عنها وستكلّف الكثير ولا طاقة للجزائر الآن بمواجهتها ومعالجتها. والمرحلة الانتقالية الآن لن تؤدي إلى “صناديق الاقتراع” بل تؤدي إلى صناديق الموت.
9. أعاب أحمد طالب الإبراهيمي ومن معه ” التمسك بتاريخ الرابع جويلية القادم”. أقول: لم يتمسّك أحد بتاريخ ” بتاريخ الرابع جويلية القادم” ويمكن تأجيلها إلى وقت معلوم وإعادة النظر في توقيتها وبعض النقاط الفنية المتعلّقة بالانتخابات وتعزيز اللّجنة المكلّفة بمراقبة الانتخابات ليخرج على إثرها رئيس جزائري قوي يحمي الديار والأرواح والخيرات وليس توقيفها كما طالب الإبراهيمي ومن معه واستبدالها بمرحلة انتقالية لاتعرف نهايتها ولا يمكن لأحد أن يتحكّم في الدمار والخراب الذي سيعقبها.
10. طالب الإبراهيمي: ” ندعو بإلحاح القيادة العسكرية إلى فتح حوار”. أقول: توحي هذه العبارة أنّ الجيش الشعبي الوطني قام بانقلاب عسكري ضدّ إرادة المجتمع وأغلق أبواب الحوار مع أبنائه، والمعلوم أنّ الجيش الوطني الشعبي لم يقم بالانقلاب بل ظلّ ومازال يحمي الجزائر وأبناء الجزائر ويلبي مطالب الشارع وإلى اليوم من تفعيل المادة 102، ومحاكمة الفاسدين، وعدم التدخل في الحياة العامة للجزائري. إذن العبارة المذكورة: “ندعو بإلحاح القيادة العسكرية إلى فتح حوار” تحمل في طياتها اتّهاما للجيش الشعبي الوطني بالانقلاب على إرادة المجتمع وهذا ماتكذّبه الأيام ومنذ أحداث الجزائر 22 فيفري 2019، بالإضافة إلى أنّه إقحام للجيش الشعبي الوطني في ملف سياسي يتعلّق بالسّاسة وهذا أمر ليس من شأنه وخروجا عن مهامه الأصلية وتوريطا له وبالتّالي توريط الجزائر في نفق لا تعلم نهايته.
11. يطالب الإبراهيمي ومن معه: ” بإلحاح القيادة العسكرية إلى فتح حوار صريح و نزيه مع ممثلي الحراك الشعبي والأحزاب السياسية المساندة لهذا الحراك”. أقول: قلتها يومها وأكرّرها الآن: من محاسن الشارع الجزائري أنّه لم يضع ممثّلين عنه ويكفي أنّ كلّ من تزعم المشهد وبدعم من وسائل الإعلام التي جعلت منه زعيما للحراك كانت نهايته الطرد من المسيرات ومن أضيق الأبواب ولقد تمّ الفصل في الموضوع منذ الأيام الأولى لأحداث الجزائر فكيف بالإبراهيمي ومن معه يعيدون إحياء موضوع تجاوزته الأحداث، مايدل فعلا أنّ الأحداث تجاوزتهم بأشواط ومراحل ولا يمكن بحال استدراكها الآن خاصّة وأنّ الشارع يعيش انقسامات متناقضة وعنيفة حول بعض الشخصيات والمصطلحات والنوايا مايدل من جديد أنّ الأحداث تجاوزت من جديد أحمد طالب الإبراهيمي ومن معه.
12. الجزائر بحاجة إلى الذهاب لصندوق شفاف يخرج منه رئيس قوي يحترم شعبه ويصون حرماته وخيراته وليس كما يقول الإبراهيمي “سياسي توافقي في أقرب الآجال ” وكأنّ الجزائر دولة طائفية متناحرة فيما بينها وبين أطيافها.
ثالثا: صدق رؤية المتتبّع
13. أعترف أنّي لم أتفاجئ بما جاء في بيان أحمد طالب الإبراهيمي لأنّي لم أكن يوما من دعاة عودة الذين حكموا الجزائر للحكم من جديد بل كنت وما زلت معارضا لكلّ من حكم الجزائر أن يحكمها من جديد.
14. لست من الذين يقولون أنّ أحمد طالب الإبراهيمي خيّب ظني ولم أكن أتوقع أكثر مما ذكره وانتقدناه في الأعلى.
15. لايعنيني في شيء أن يكون بيان الإبراهيمي بمفرده أو مستعينا بيحيى عبد النور والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس، فقد ظلّ الإبراهيمي يعمل طيلة حياته تحت عباءة الآخرين منذ انقلاب 19 جوان 1965، والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد رحمة الله عليه، وانتخابات التسعينات، والآن الشارع.
16. للشيوخ الذين كتبوا البيان أحمد طالب الإبراهيمي 87 سنة ويحيى عبد النور 92 سنة والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس 85 سنة حقّ احترام شيبتهم وتوقير سنّهم وعدم المساس بشخصهم لكن يبقى للمتتبّع حقّ النّقد والتّقويم والتّصحيح فيما يراه كذلك والذي يخضع بدوره للنقد والأخذ والردّ وعلى إثرها يمكن له أن يصحّح أفكاره وموقفه إن ظهر له أنّه غير مصيب.
17. لايوجد في السّياسة رجل فاضل لأنّ كلّ سياسي ومهما كان يخضع للنقد ولو كان “فاضل؟ !” ونقد “الفاضل؟ !” لايمسّ بفضله بل يزيد من فضله.