قراءة في قصة “حلم على رجل واحدة “
تاريخ النشر: 25/05/19 | 0:50قصة “حلم على رجل واحدة ” ، قصة حقيقية للأطفال ، تأليف لوري أن ثوميسيون ، رسوم شون كوالز ، نشرت هذه القصة في طبعتها الأولى عام 2015 باللغة الانجليزية ،تحت عنوان : EMMANUEL’S DREAM أما الطبعة العربية التي بين أيدينا ، اصدار مكتبة الفانوس ضمن مشروعها الهادف حيث وزعت النسخة مجانا لطلاب الصف الأول الابتدائي ،النص باللغة العربية لأياد برغوثي ، تحرير وتدقيق لغوي : منى سروجي . مطبعة الحكيم 2019 .
القصة : تتحدث القصة عن طفل ولد في غانا في غرب أفريقيا ، ولد برجل واحد رفست بقوة ، قدوما للحياة ، اعتقد معظم الناس أنه سوف يكون انسان عديم الفائدة ، حتى أن بعضهم ظنه لعنة على أهله ، حتى والده ترك البيت ولم يعد ، لكن والدته كانت مؤمنة بالله ، اسمها كومنت ومعناها سلوى ، وسمت ابنها الأول ايمانويل ومعناها : الله معنا ” وكانت تقول له بإمكانك أن تحصل على كل شيء بشرط أن تحصل عليه بنفسك ، تعلم الطفل أن يحبو ويقفز ويتسلق شجر الجوز ،وجلب الماء ، وتلميع الأحذية لكسب المال بعرق جبينه، جل الأطفال مع اعاقات لم يتمكنوا من اللحاق بالمدرسة ، لكن أم ايمانويل كانت تحمله على ظهرها كل يوم تأخذه الى المدرسة سيرا على الأقدام ، حتى أصبح ثقيلا ، منذ ذلك الحين أخذ يصل الى مدرسته قفزا على قدم واحدة ، يقفز ثلاث كيلو مترات دون مساعدة من أحد ، في بداية الأمر نفر منه الأولاد ولم يلعبوا معه ، لكن عندما وفر النقود واشترى كرة قدم جديدة لعبوا معه ، كان يركل الكرة بقوة برجله اليسرى ، وهذا الاداء الجميل نال اعجاب الأولاد .وأفلح في الركوب الدرجة الهواية ، كان صديقه جودن يدفع الدراجة بسرعة كي يستطع ايمانويل أن يقود الدراجة باتزان ، كان يسقط أرضا مرة تلو المرة ، لكن القنوط اليأس لا يتملك قلبه . وأخيرا أفلح في ركوب الدراجة المستأجرة .
عندما بلغ عمره اثني عشر عاما ، لم يعد بإمكان أمه بيع الخضار في السوق ، وكان لايمانويل أخ وأخت صغيرين ، لا يستطيعان العمل .
شعر برغبة جامحة وضرورة ملحة ليقوم بإعالة عائلته ،رغم مخالفة أمه ، ركب لوحده القطار في جنح الليل ، متوجه الى مدينة اكرا الصاخبة ، والتي تبعد مئتين وأربعين كيلو مترا عن قريته ، في البداية أحدا لم يقبل بتشغيله ، أحد أصحاب الدكاكين والمطاعم قال له ” اذهب وتسول مثل باقي المعاقين ” لكنه ايمانويل رفض ذلك ، وأخير ابتسم له الحظ وعرض عليه صاحب كشك طعام العمل ومكانا للسكن ،اضافة لعمله كان يشتغل بتلميع الأحذية ليكسب النقود ويرسلها لعائلته .وذات يوم دخل دكانا ليشتري مواد لتلميع الأحذية ، اعتقد صاحب دكان انه جاء ليسول فصرخ في وجهه وطرده ، شعر ايمانويل بالإهانة ورمى النقود ، اعتذر منه صاحب الدكان لكنه تأثر كثيرا بهذا الموقف .
وعندما اشتد المرض على أمه قرر ايمانويل أن يعود الى البيت ليكن بجانبها، قالت له وهي على فراش الموت ” احترم الناس يا بني ، اعتن بعائلتك ، لا تتسول ابدا ، لا تستسلم ” وفي صباح اليوم التالي فارقت الحياة ، وفاء لوصية أمه قرر أن الاعاقة لا تعني عدم المقدرة ، كان حلمه أن يحصل على دراجة هوائية ، في البداية لم يوافق أحد على مساعدته لتحقيق حلمه ، لركوب الدراجة الهوائية في رحلة عبر غانا ، اعتقادا منهم باستحالة تحقيق هذا الحلم . كتب ايمانويل رسالة الى مؤسسة الرياضيين ذوي التحديات في مدينة سان ديغو – كليفورنيا ، أرسلوا له دراجة هوائية ، وخوذة وسراويل طويلة وقفازات ، حاز ايمائيل على دعم ملك منطقته ، وطرق الابواب للحصول على المزيد من الدعم ، استأجر سيارة تلحقه يركب فيها اصدقاءه ومزودة بالماء والة تصوير ،ساق دراجته عبر السهول والجبال والأسواق والمدن الصاحبة والغابات جال بلاده طولا وعرضا يلبس بفخر قميصا طبعت عليه ألوان علم غانا وكلمتا : THE POZO ومعناها : المعاق ، كان يتحدث مع الناس من فقراء وأغنياء وقيادات سياسية ودينية ومع موظفين حكوميين في طريقه، أراد أن يراه الجميع ، أراد أن يروا اعاقته عن كثب، ويسمعوا رسالته القوية ، خرج الناس لاستقباله والانضمام اليه في رحلته وملاقاته أيضا أصحاب الاعاقات والذين كان مختفين عن الانظار، تحول ايمانويل الى بطل قومي ، نجح في رحلته التي قطع من خلالها مسافة ستمائة واربعين كيلو مترا في غضون عشرة أيام فقط ، أثبت ان رجل واحدة تكفي لصنع اشياء عظيمة ،وأن شخصا واحدا يكفي لتغيير العالم ”
رسالة الكاتبة
في هذه القصة الحقيقية ، تجسد الكاتبة معانة طفل ولد برجل واحدة ، عاش في قرية نائية في غانا ، بسبب الفقر والعوز ، قرر اعالة عائلته ، سافر الى مدينة اكرا الصاخبة التي تعج بالناس ، رغم أن المعظم قد اعتقد بان ايمانويل عليه أن يتسول مثل بقية الأولاد أصحاب الاعاقات المختلفة ، الا أن ايمانويل ، رفص هذا الواقع المرير، وتفكير المجتمع الذي يقيده ويريد ان يلبسه ثوب التسول والعجز واليأس والتخلف، مجتمع لا يؤمن بقدراته ولا بفكره ولا بمهارته ولا بحقه في العطاء والابداع والوجود، ايمانويل تعلم من والدته الراحلة القدرة على التحدي وتحقيق المستحيل ، لقد حملته على ظهرها كي يصل المدرسة ويتعلم مثل بقية الأولاد ، وقفز عدة كيلو مترات ليصل بقواه الذاتية وعلى رجل واحدة الى المدرسة وينهل من العلم ، لأنه يدرك أن العلم قوة لا تضاهيها أي قوة، وطاقة سرمدية ، توقظ المواهب وتغذي الارادة الفولاذية ، استطاع كسب الأصدقاء ولو في البداية عن طريق شراء كرة قدم ، من مصروفه الخاص ليستميل أترابه ويظهر مواهبه الكروية، ساعده الأصدقاء ليركب الدراجة الهوائية باتزان ونجاح ، لم ييأس رغم سقوطه مرة تلو الأخرى ، جند السياسيين والزعماء والمنظمات الخيرية والرياضية لدعمه وليحقق حلمه ، حتى أصبح بطلا قوميا ونموذجا يحتذي به ، ليس فقط من قبل أصحاب الاعاقات انما من قبل كل الناس .
ما هي أسرار نجاح ايمانويل في رحلته الشاقة مع الحياة وتذليل الصعاب؟ :
– الايمان بنفسه
– الايمان بقدراته
– تطوير ذاته ومهاراته في اللعب
– التعليم المدرسي ، رغم الصعوبات التي وقفت في طريقه
– تجنيد الأصدقاء
– تجنيد الجمعيات الخيرية حتى من خارج بلاده
– تجنيد الزعماء السياسيين والزعماء الدينيين
– الدعم الذي حصل عليه من والدته التي امنت به وامنت بالله وبهباته ،حفظ وصيتها عن ظهر قلب ،طلبت منه عدم التسول ، وأن لا يستسلم .
– احترم ايمانويل كل الناس على اختلاف طبقاتهم السياسية والدينية والاجتماعية ، كان متواضعا .
– كان صاحب كرامة واخلاق ، رفض التسول ، رفض الاهانة ، رفض الاستسلام.
– الوفاء للأصدقاء ، لأمه التي دعمته رغم تخلي والده عنه مبكرا، ورغم الأفكار المسبقة التي امن بها المجتمع من حوله ، عندما شعر أنها عجزت عن العمل خاطر وبادر وسافر بعيدا كي يعيل أسرته ، وعندما أدرك أنها أشرفت على الموت ، قرر العودة الى قريته ، كان وفيا لأصحاب الاعاقات ، لشعبه لوطنه .
– صاحب رسالة سامية تجتاز دولته غانا الى المعمورة بأسرها.
– الشفافية كان يحب أن يتحدث ويكتب الجميع عن اعاقته وعن أحلامه .
. حول الحلم الشخصي الى حلم عام .
خلاصة : قصة جميلة جدا ، حقيقية وواقعية ، نجحت الكاتبة لوري ان ثوميسون ، في اعطاء صورة مغايرة عن أصحاب الاعاقات ، بان بإمكانهم قهر الصعوبات وتذليلها وتحقيق المستحيل ، ورسم الابتسامة على وجوه الملايين، انسان مع رجل واحدة ممكن أن ينجح ويصل بعيدا وممكن أن يغير الكون بأسره ، رفض ايمانويل العيش على هامش الحياة ، نجح في كسر الأفكار النمطية عن أصحاب الاعاقات .
بقلم : سهيل ابراهيم عيساوي