سَرْجٌ عَلى الرِّيحِ- شعر: محمود مرعي
تاريخ النشر: 29/05/19 | 12:45سَرْجٌ عَلى الرِّيحِ لا خَيْلٌ لَها انْتَسَبَا.. فَالخَيْلُ تَعْيا وَمَتْنُ الرِّيحِ ما تَعِبَا
سَرْجٌ يَجوزُ فَضاءً لَمْ يَجُزْهُ حِجًى.. يَجْتازُ حَدَّ مَجازِ الفِكْرِ ما اضْطَرَبَا
وَلِلْمَجازِ مَجازٌ في تَبَسُّطِهِ.. لكِنَّهُ في انْبِساطِ السَّرْجِ قَدْ غُلِبَا
فَالقَعْرُ مَيْدانُهُ قَدْ ناءَ مَحْمَلُهُ.. وَالسَّرْجُ مَيْدانُهُ قَدْ عَزَّ مُطَّلَبَا
مُذْ كُنْتُ في عَدَمِ الإِيجادِ هَيْكَلَةً.. وَقَبْلَ أَوْ بَعْدَ كانَ السَّرْجُ لي نَسَبَا
وَكانَ لِلْغَيْرِ ما راموه مَهْلَكَةً.. أَعْياهُمُ رَهَقًا، قاسوا بِهِ نَصَبَا
الغَيْمُ عِمَّتُهُ في بَدْءِ صَعْدَتِهِ.. فَوْقَ الخَيالِ وَفَوْقَ الفِكْرِ مُنْسَرِبَا
أَمَّا إِذا جاوَزَ التَّخْييلَ وَانْقَطَعَتْ.. مَخايِلُ الخَلْقِ تَصْويرًا وَمُجْتَلَبَا
شَدَّ الرِّكابَ عَلى رِجْلَيَّ فَانْفَرَجَتْ.. مَغالِقُ العَتْمِ نورًا فَضَّضَ الوَقَبَا
ضاءَتْ مَسارِجُهُ في كُلِّ داجِيَةٍ.. فَلاحَ ما أَعْجَزَ الآدابَ وَالأُدَبَا
وَشِمْتُ بَرْقًا وَلا غَيْمٌ وَلا مَطَرٌ.. وَقُلْتُ يَخْبو، وَلكِنْ سالَ وَاقْتَرَبَا
أُريتُ مِنْ خَلَلِ الإِيماضِ مُرْتَفَقًا.. فيهِ النُّجومُ رُواها فاضَ مُخْتَلِبَا
لِلرُّوحِ وَالقَلْبِ وَالنُّورُ اسْتَوى أُفُقًا.. مُجَنَّحَ السَّمْتِ وَالدَّيْجورُ عَنْهُ كَبَا
لا أَمْتَ فيهِ لَدى الرُّؤْيا وَلا عِوَجٌ.. سِوى حِدابٍ إِذا عايَنْتَ مُقْتَرِبَا
شِبْهَ القِبابِ عَلى خَضْرا مُسَنْدَسَةٍ.. وَالوَشْيُ اِسْتَبْرَقٌ لِلُّبِّ قَدْ خَلَبَا
وَتَحْتَها بَشَرٌ تُبْدي مَناسِجُهُمْ.. بَياضَ أَفْئِدَةٍ يَنْثالُ مُنْسَكِبَا
يَغْشى الـمُسَنْدَسَ يَزْدادُ البَريقُ بِهِ.. نورٌ يَفيضُ عَلى نورٍ وَما نَضَبَا
كَأَنَّهُ وابِلٌ يَهْمي عَلى مَهَلٍ.. فَحَيْثُما وَقَعَ اخْضَرَّ الثَّرى وَرَبا
وَأَنْبَتَ الخَيْرَ صِرْفًا دونَ مَخْبَثَةٍ.. وَانْداحَ سُنْبُلُهُ الرَّيَّانُ مُنْتَصِبَا
تُميلُهُ نَسَماتٌ أَوْ تُهَدْهِدُهُ.. فَيَنْحَني ثَمِلًا ما لاطَفَتْهُ صَبَا
أَنَّى وَقَفْتَ مَجالَ الطَّرْفِ تُبْصِرُهُمْ.. بُدورَ لَيْلٍ زَكَتْ فَرْعًا نَما وَشَبَا
وَما دَعاهُمْ إِلى الأَفْياءِ حادِيَهُمْ.. مَضَوْا وَهالاتُهُمْ تَسْتَسْرِجُ القُبَبَا
وَتَكْشِفُ الباحَةُ الخَضْراءُ مُذْهَبَةً.. تَوَسَّطُ الـمُقْبِلينَ الحُجَّلَ الغُرَبَا
وَفي الجِوارِ بَدَتْ خَضْراءُ رابِيَةٌ.. في الحُسْنِ لَمْ تَطْمِسِ الظَّلْماءُ صِدْقَ نَبَا
مُذْ حَلَّها النُّورُ تَشْريفًا لَها وَسَمَتْ.. في الخافِقَيْنِ وَجازَتْ في العُلَا الشُّهُبَا
مُذْ حَطَّ فيها ضِياءُ العالَـمينَ غَدَتْ.. مَنارَةَ الأَرْضِ لا مَيْنًا وَلا كَذِبَا
تَسوءُ حاسِدَها، تَجْتَثُّ حاقِدَها.. تَجْزي مُحارِبَها أَسْوا الَّذي ارْتَكَبَا
تَضُمُّ رُوَّادَها بِالخَيْرِ تَحْضُنُهُمْ.. وَتَنْشُرُ السَّعْدَ في عُشَّاقِها النُّجَبَا
فَداخِلُ السُّورِ حَدْبًا نالَ حَظْوَتَها.. وَمُرْتَقي السُّورِ حَرْبًا عادَ مُنْتَكِبَا
تَراهُ حَوْلَ الحِمى لِلسَّهْوِ مُرْتَقِبًا.. فَإِنْ رَأَى فُرْصَةً أَوْ مَدْخَلًا وَثَبَا
فَإِنْ عَدا وَبَغى قامَتْ قِيامَتُها.. وَفاضَتِ الباحَةُ الخَضْرَا بِما وَجَبَا
فَعادَ يَسْحَبُ ذَيْلَ الخِزْيِ مُنْتَكِسًا.. قَدْ أَعْوَزَ البَأْسُ لَـمَّا فَرَّ مُحْتَقِبَا
يُجَرْجِرُ السَّاقَ إِثْرَ السَّاقِ يَخْذُلُهُ.. خَوْرُ الفَرائِصِ، وَهْوَ الدَّاءُ إِنْ نَشَبَا
وَعادَتِ الثُّلَّةُ الغَرَّا مُكَبِّرَةً .. تَحوطُ دَوْحَتَها تُحْيي الَّذي غَرَبَا
وَالأَرْضُ ضاحِكَةُ الأَرْجاءِ تَغْبِطُها.. شُهْبُ السَّماءِ وَتُهْدي نورَها الشِّعَبَا
وَفي الغُيوبِ خُيولُ الفَجْرِ ضابِحَةٌ.. تَعْدو إِلى الغَدِ إِهْماجًا نَفى الخَبَبَا
تَكادُ تَخْرِقُ مِ الأَزْمانِ حاجِزَها.. حَتَّى تُبَيِّضَ ثَغْرَ العَصْرِ وَالشَّنَبَا
غُرٌّ فَوارِسُها وَالشَّمْسُ مَطْلِعُهُمْ.. آياتُهُمْ تَمْلَأُ التَّاريخَ وَالكُتُبَا
نَشيدُهُمْ يَمْلَأُ الأَسْماعَ يُطْرِبُها.. وَصَوْتُ حاديهِمُ كَمْ عَلَّمَ الحِقَبَا
يَهْفو الحَليمُ إِلى أَمْثالِهِمْ شَغَفًا.. وَيَقْطَعُ العُمْرَ وَالأَيَّامَ مُرْتَقِبَا
إِطْلالَةً مِنْ وَراءِ الغَيْبِ عاطِرَةً.. تَشْفي النُّفوسَ وَلا تُبْقي بِها وَصَبَا