غبوة بن لماح العبقري، يوصي ولده بالعشيرة !
تاريخ النشر: 30/05/19 | 12:47بقلم : يوسف جمّال – عرعرة
يا بني, وقد بلغت من العمر أرذله, وأصبحت حواسي تخونني, ونور عيني يعجز عن إدخال الخيط بالإبرة, أسلمك الآمانه, كي تكمل المسيرة, قبل ان ألتقي بالرفيق الأعلى, ولذلك قررت ان أنقل إليك الرقعه, التي سطرت عليها شجرة العائلة الممتدة فروعها , من طنجه حتى بلاد غسان. فاستلمها يا ولدي حتى تكمل المشوار.. مشوار بني العبقر, التي ساروا على هديها منذ خروجهم من الفيافي, ورافقتهم حين تفرقوا “أيدي سبأ” بين الملل والأمصار.. وبذلك أكون قد أديت الأمانه, وأوصلت الرسالة, فألتحق بلحدي وانا مطمئن البال.
الوصية الاولى: حافظ على دم عائلتك الازرق!
يا ولدي لا تترك لدم العائلة المتوارث من عهد كسرى, ان يكون نهبه لكل صعلوك ومتشرد, خصوصا, وان كان عدد أفراد عائلته لا يملأ خيمه, او ان سلسلة نسبه ,لا تتعدى في امتدادها, أقل من عشرة أجداد. ولا يحدث لك, ما حدث لجدك كليب بن مره العبقري, الذي إتخذ من خادمته خليله له, ولم ينتبه إنها زنجيه, إلا بعد ليلية الدخله, فانكر نسبه لتوأميها, أما الولد فجعله راعيا لنوق, في فيافي نجد , أما البنت فوأدها تحت التراب ,وشرب الخمرة على قبرها مع الغانيات .
الوصية الثانية: ذكرهم من أنت ومن هم!
فإذا تقدم أحد من هؤلاء الصعاليك ,الذين شجرة عائلتهم مقطوعة, فإخرس الحالة في مهدها, فذَّكرهم ان شجرتك عالية فروعها, عميقة جذورها, لا يأكل من ثمراتها إلا أصحاب الأيدي الطويلة, التي كانت تمتد “للشحادة” من نعم السلطان, أو كان لها جذور عميقة في صحراء الربع الخالي, تعصر الرمضاء كي تحصل على نقطة ماء!
وذكرهم ايضا- يا بني- ذكرهم!
ان عائلتك كانت ذات ماضي مشرِّف .في عهد الخلافة العثمانية ,فهم الذي أعطاهم السلطان الفرمان كي يمتصوا دماء الناس, ويتخذوا من عرقهم وقودا لقناديلهم.. وقل لهم ان جدك سليمه بن شبيبه العبقري, كان يحمل كرباجا عثمانيا ,”يسلخ” به جلود الحصادين ,في أيام الصيف القائظة.. فانك عندما تستعرض أمامهم ,تاريخ العائلة المشرف, سيخجلون على أنفسهم ويرجعون الى أصلهم وفصلهم.
الوصية الثالثة: استعمل الميزان.. ميزان حسناتك.ّّ!
يا بني .. خذ ميزان وزن به العائلة ,التي تتقدم لمصاهرتك, فان قلَّ وزنها عن وزن جبل أحد فلا تصاهرها.! وخذ مقياسا وقس مقدار إرتفاع شجرتها, فان قلَّ ارتفاعها عن جبل التوباد, فابعثهم ” للشياطين”.. فالناس يقاسون حسب منطق عائلتنا, بالأوزان والإرتفاعات,لا بالمروءة والقدرات.!
الوصية الرابعه: اوئدها.. اوئدها.!
وان ابنتك.. جمعها مع شاب علاقة , أرادوا بها بناء مستقبلا مشتركا, وكان هذا الشاب من شجرة حسب ,لا تعجبك عمق جذورها, ولا طول فروعها, ولا كثرة ثمرها.. فقل لها – يا ابنتي- أنت من عائلة العبقري ,التي توارثت عاداتها وتقاليدها منذ حرب البسوس, وشعر عنتره في غزل عبلة.. مثلا إحدى جداتك: خناس بنت عمر العبقري, أجبروها على الزواج من مادر ابن لؤي الذبياني ,بالرغم انه كان ابخل الناس ,حتى قالت فيه العرب “أبخل من مادر.!”, فكان يسقيها الحليب, بعد ان يخلطه بالكثير من الماء, ويطعمها الثمر الذي كان يسقط عن أمه, وتتركه البعّارات لعدم صلاحيته للأكل.!
او تحمل سلاحك وتذيقه الموت الزؤام, وتلتحق بأبطال العائلة الذين سجلوا بطولات خالده في قتل الناس, فجدك الأحنف بن صلصلة العبقري, استل سيفه ,وقتل مثنى من بني عامر, لأنه قال إنه يريد ابنته خليله له, وكتب في ذلك قصيدة شعر رائعة , تجدها مرفقه مع شجرة العائلة. وجدك مسلمه بن كليب العبقري, سدَّد سهماً ,باتجاه رجل من بني أنف الناقة, فأصابه في مقتله, لأنه مرَّ بالحي , وطلب من ابنته شربه ماء.! وخطب خطبته العصماء ,الذي يقول في مجملها : ان هذا مصير من يجرأ, على الإقتراب من ابنتي.! ولكنه بعد أيام وأدها ,حفاظا على شرف العائلة ,وليس خشية إملاق!
إن بطولات جدك مسلمة العبقري, مسجلة بأحرف من نور , في سجل تاريخ عائلتنا .!
أوئدها-يا بني- أوئدها !
الوصية الخامسة: ربيهم على نشيد القبيلة.!
اما أولادك- يا بني -, فاسقيهم لبن شجرة العائلة منذ الصغر, واطلب من أمهم ان تنشد لهم أناشيد العائلة وأمجادها, وهم في المهد.. وقل لهم ان محاربة الاسلام للقبلية ,كانت مجرد توصيات غير مجبرة.. والإثبات على ذلك, ان الخلافة اقتصرت على بطني بني هاشم وبني امية, قبل ان تنتقل الى الموالي والعجم.. وان المساواة في الإسلام ,هي مجرد حبر كتب على رمال صحراء نجد, سرعان ما محته الرياح.! وان عائلة العبقري, اتبعت محمدا بشروط: أهمها الحفاظ على دم العائلة, من دنس العائلات الصغيرة والفقيرة ,والتي أضاعت في ترحالها شجرة القبيلة.ّ
وحدث أولادك, عما كان يفعله جدك شداد بن صخر العبقري: حيث كان يجبر أولاده ,على حفظ تسلسل أسماء نسب القبيلة, قبل ان يحفظوا آيات من القران الكريم, أو الأحاديث النبوية الشريفة, ولا يهمك – يا بني- أننا نعيش في عصر قيمة الفرد فيه, بما يقدمه لنفسه ولمجتمعه, لا ما قدمه آباؤه وأجداده, فربِّ أولادك على العيش في زمن القبيلة والعشيرة .. فجدك مثلا سحيان بن عامر العبقري, استخدمه ثري من هرتسليا , ليكون جناناَ لحديقته. ووضع تحت تصرفه , شقة صغيرة ليقيم فيها, فأبى ونصب خيمه أمام “فيلة” صاحب البيت. ووضع فيها المهباش ودلات القهوة… فصارت خيمته “فرجة” لكل أغنياء هرتسليا, فحمدوه قائلين “هذا عربي أصلي!؟”
علمهم – يا بني- على المبدأ: نشيد العائلة في الصغر, كالضرب بالحجر والرصاص في الكبر!
الوصية السادسة: إحمل سلاحك ..القبيلة تحتاجك .!
واذا تنادى القوم, ووقعت الواقعة, واحتاجتك العشيرة في إثبات هيبتها, اذا جرأ احدهم على مس شعره من خيمتها.. فاسحب سلاحك واهجم .. فان استطعت فببندقيتك, وان لم تستطع فبحجرك, او سكينتك, وان لم تستطع فبلسانك ,وهذا اضعف أنواع الإخلاص للقبيلة.!
وارفض الصلحة, لأنها ليست من شيّم آل العبقري..وان وافقت عليها من أجل ان تملأ كرشك من وليمة الصلحة, فهو الى حين.. وبعدها عد الى ديدنك العشائري, فتاريخ عائلتك كتب بأحرف من دم الأبرياء.! فجدك صعصه بن مقداد العبقري قتل جاره, لانه لقَّط “كوز ذره” من مزرعته.! وجدك الحارثة بن عمرو العبقري ,قتل رجلا لانه “تنحنح” في حضرة أبيه شيخ القبيلة.!
اهجم يا ولدي…اهجم.! لعلك تفوز بان يسجل اسمك في المعلقات ,التي تزين صدر ديوان العائلة.!