العنف ودور الجيل القادم
تاريخ النشر: 14/06/19 | 7:23تُبنى المُجتمعات على الأجيال القادِمَة في تحقيق ما لم تستطع هي عينُها تحقيقه، وهذا منطقيّ بل وبديهيّ، إذ أنّ إحداث تغيير في مجتمعٍ ما، يحتاج سنوات طوال، وهذا كفيل بأن تَصيرَ التغييرات إلى حيّز الحقيقة والواقع في الأجيال اللاحقة.
لكن هذا فخٌ! تقعُ فيه المجتمعات التي ترزح في العبثيّة والكسل، إذ أنّها تميلُ إلى القعود فلا تجتهدُ ولا تعمل، ولكن تتكلُ على من بعدها من الأجيال، ويكأنّ هذه الأجيال ستأتي بالحلّ من تلقاء نفسها دونما إعدادٍ أو تأهيل، فتقعُدُ هذه المجتمعات وتركنُ إلى الدعة والخمول، وتُعلّق آمالها الوهميّة في النشأ والأجيال المتعاقبة.
أمّا العنفُ فهو إحدى آفات البشر، الّتي لم تزل منذ الأزل، يُعاني منها النّاس ويشتكون أضرارها وآثارها وإسقاطاتها، وبهذا اتفقَ عموم النّاس أنّ العنف آفةٌ تضرّ بنسيج المجتمع ووشائج القربى، لكن رغم الإتفاق النظريّ لا زلنا نرى أنّ العنف في كل المجتمعات وفي مجتمعنا على وجه التحديد، يزداد انتشاراً وتتسعُ دائرته ويستشري أذاه، رغم رفضنا له كمجتمعٍ، تراه حاضراً بيننا بقوة، فنعجزُ -أو نتعاجزُ- عن مواجهته، فنعزو الأمر ونتركه للجيل القادم، ونُعلّق عليه الأمل بالنهضة والوعي والرقيّ…
لكن مهلا ً، كيف للجيل القادم أن يحمل معه، وفي ثنايا كيانهِ ووُجدانِهِ هذا الرقيّ وذاك التسامح والتعالي عن العنف وإرهاصاته، طالما أنّهُ لم يتلقَ أبداً في مسيرته التربويّة، أو في حياته اليوميّة -نظريّاً أو عمليّاً- شيئاً من هذه المفاهيم؟
إنّ الجواب يكمن في إعدادنا واستعدادنا لصُنعِ ذاك الجيل، بكل ما فيه من وعيّ وفهمٍ وإدراك، إذ أنّ المُجتمعات الطموحة التي تدأبُ على تحسين نفسها والرقيّ بأهلها، هي تلك التي ترسمُ خطةً تراها في أجيالها المتعاقبة، ثم تُتبعها بترسيخ هذه الخطة في أذهان الأجيال الناشئة، حتى تُصبح هذه الخطة وهذا الطموح، مكوناً أساسيّاً في نفسيّة ووجدان هذا النشأ، فينشأ على ما أنشأهُ أهلوهُ، فيصيرُ المُجتمعُ إلى ما قُدّرَ له أن يكون.
إنّ جيلا ًسيخلفنا ، هو أمانةٌ في أعناقنا، نريدُ أن نراهُ خالياً من العنفِ بكل أشكاله وطرائقهِ، علينا أولا ً أن نُربي أنفسنا على ذلك، وجعلُهُ أساساً وأصلا ًمن أصول حياتنا، حتى يتسنى لنا أن نغرسه في نفوسِ أبنائنا، فيكون فيهم خُلُقاً أصيلاً، فينشأ بعدنا جيلٌ يقتلعُ العنف وينبذه ويجعل السلم المجتمعي والتسامح ديدناً لا تخلّي ولا حيادَ عنه، وبهذا نكون مجتمعاً قويّاً متماسكاً يُسلّمُ نفسَهُ من جيلٍ إلى جيلٍ، يكونُ فيه تدرجٌ حقيقيٌّ مُتنامٍ بالإصلاح.
بقلم الأستاذ أحمد بهنسي