سلسلة من أيامي 8: أساتذتي الذين لم أتمكّن من الاستفادة منهم – معمر حبار
تاريخ النشر: 18/06/19 | 12:18الإثنين 14 شوال 1440 هـ الموافق لـ 17 جوان 2019
سبق لي أن كتبت مجموعة مقالات عن أساتذتي الذين أكرمني ربّي أن درست على أيديهم في كلّ مراحل التّعليم من الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي وهي منشورة لمن أراد أن يقف عليها. وفي المقال هذا الذي بين يديك سيتطرّق التّلميذ لأساتذته الأفاضل الذين درس عندهم لكن لظروف سيأتي على ذكرها لم تكن الفائدة كما هو المرجو خاصّة وأنّ الأساتذة المذكورون من أفضل الأساتذة في العلم والأدب واللّغة:
أوّلا أستاذي عتبة المفسّر واللّغوي: درست عند أستاذي عتبة السنة الأولى من المتوسط سنة 1978 أي سنتين قبل زلزال الأصنام 10 أكتوبر 1980، وكان عالما باللّغة العربية ومفسّرا وأديبا ومتقنا لعلم اللّغة العربية وقد كان من قبل يدرّس في المعهد المتخصّص للعلوم الدينية قبل أن يتحوّل المعهد إلى متوسطة سنة 1978 كغيرها من المتوسطات التي تخضع لوزارة التربية وليس للشؤون الدينية.
في نفس الوقت كان شيخا طاعنا في السن لايقوى على الحركة ولا يستطيع النطق بسلامة ولا يتحكّم في حركاته فاستغلّ التّلاميذ هذه الوضعية في إثارة الفوضى في القسم ورفع الأصوات والتشويش على الأستاذ والتّلاميذ والقيام بحركات من وراء الأستاذ تسخر منه وتتّخذه هزؤ. واستمرّ هذا الوضع الكارثي طيلة السّنة الدراسية فحرمنا من خيرات عالم لغوي وفضائل مفسّر وتمكّن فقيه بسبب كبر سن الأستاذ من جهة ومن التلاميذ يومها الذين لم يقدّروا جهد العالم وفضل الاستماع له والاستفادة منه.
ثانيا أستاذتي بومزراق العالمة في اللّغة الفرنسية: درست عند أستاذتي اللّغة الفرنسية السيّدة بومزراق في المرحلة الثانوية ولا تحضرني الآن السّنة بالضبط أي سنوات 1986-1986 باعتبار سنة امتحان البكالوريا كانت سنة 1986.
كانت أستاذتي متمكّنة في اللّغة الفرنسية وتتقن قواعدها وتحسن أساليبها وتبدع في التحدّث بها وتقدّم بدل المثال الفصيح عشرة ليفهم الطالب ويستوعب الدّرس جيّدا وكانت من حيث إتقان اللّغة الفرنسية أفضل بكثير من الأساتذة الفرنسيين الذين كانوا يومها يدرّسون اللّغة الفرنسية باعتبارها تمكّنت جيّدا في استيعاب قواعد اللّغة الفرنسية من مصادرها الأصلية وأضافت لها سنوات التجربة الطويلة وممارستها للّغة السّليمة الرّفيعة عبر النطق والكتابة.
في نفس الوقت كانت كبيرة السن ضعيفة البنية بطيئة الحركة ذات صوت خافت لايردع ولا يخيف فاستغلّها الطلبة المراهقون في بثّ الفوضى في القسم وعدم الاهتمام بما تقدّمه الأستاذة من درر والقيام بحركات مسيئة مشينة من خلف الأستاذة والاستهزاء بما تقوم به وهي المؤدّبة الخلوقة العالمة المتمكّنة ورفع الأصوات من طرف الطلبة المراهقين حيثّ عمّ التشويش وحرم الطلبة وجيل بأكمله من الاستماع للأستاذة الفاضلة والاستفادة من علمها الغزير ولسانها المحكم المتقن في اللّغة الفرنسية.
أستاذي عمار بوحوش عالم الإدارة: درست عند أستاذي عمار بوحوش في السنة الأولى جامعي سنة 1986 وكان يومها كبير السن مقارنة بالأساتذة الآخرين ولم نستفد من علم الأستاذ وهو من صناع الدستور الجزائري سنة 1976 بسبب الفوضى التي كان ينشرها الطلبة داخل المدرج مادفع استاذي عالم الإدارة إلى التدخل في كلّ مرّة وتوجيه بعض النصائح الأخلاقية القيّمة للطلبة والتي لم يستفد منها الطلبة بسبب الانقطاعات التي تفرضها فوضى الطلبة على الأستاذ من حين لآخر وطيلة مدّة المحاضرة.
مازلت أتذكّر جيّدا تدخل أستاذي العالم عمار بوحوش بغضب شديد حين تزعجه ارتفاع أصوات الطلبة المزعجة وحركاتهم المقلقة وهو يردّد بأسى وحسرة: باستطاعتي أن أسافر الآن إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأدرّس في أرقى جامعاتها ورغم ذلك فضّلت الجزائر وأنتم الآن تعاملونني بهذه الطريقة المهينة التي لاتليق بعلمي ومكانتي. واعترف أنّي كلّما استرجعت هذه القطعة التّاريخية من ذاكرتي وقفت على هول الكارثة التي أصابت العلم والعلماء والجامعة لأنّ طلبة جامعيين ذات يوم وهم يمارسون طقوس المراهقين في غير موضعها مانعين بذلك جيلا بأكمله من الاستفادة من علماء أبدعوا وتمكّنوا في تخصّصهم كعالم الإدارة عمار بوحوش.
خلاصة: لأوّل مرّة أتطرّق لبعض أساتذتي في الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي الذين لم أتمكّن من الاستفادة منهم رغم تمكّنهم وتفوّقهم في تخصّصهم فكانت النتيجة أن حرمنا يومها وحرمت الجزائر من علمهم الثّابت الرّاسخ وأخلاقهم العالية الغالية بسبب فوضى الطلبة الذين لم يعرفوا قدر الكنوز التي بين أيديهم والنعم التي لم يقدّروا حقّها فضيّعوا على أنفسهم وجيلهم العلم الكثير والفضل الدائم والخير الوافر.
معمر حبار