الفضل للجيل الأول
تاريخ النشر: 19/06/19 | 13:16يتزايد الاهتمام بالأدب الفلسطيني في الداخل ، والذي يحتل موقعًا مهمًا في الوطن العربي ، ويساهم عديد من الباحثين في ترسيخ ركائز هذا الادب الذي نبت في معمعان سياسة القهر والتمييز العنصرية السلطوية ، وميادين النضال والكفاح الوطني والطبقي لجماهيرنا العربية الفلسطينية التي صمدت وبقيت في أرضها ووطنها .
وقد مرّ أدبنا بمراحل عدة ، بين مدّ وجزر ، وكنا انقطعنا عن العالم العربي في سنوات الخمسينات والستينات ، وعشنا ألم التهجير والترحيل ومرارة القهر والمعاناة ، وخضنا معارك الصمود والبقاء ، وصيانة الهوية الوطنية ، والحفاظ على التراث واللغة والانتماء ، واتسم أدبنا في تلك الحقبة بالالتزام بالهموم والقضايا اليومية والحياتية لجماهيرنا الفلسطينية .
ولوحق أصحاب القلم والإبداع من رجالات السلطة وشرطتها ، بغية خنق أصواتهم ، وكان المبدع ، شاعرًا أم كاتبًا ، يعاقب ويحاكم إذا تجاسر وكتب عن الأرض والوطن والغربة والتهجير وطرح قضية اللاجئين وعودتهم إلى ديارهم ، أو حتى الوقوف على اطلال قرانا المهجرة ، كان يدفع ثمنًا غاليًا ، وتعليم نشيد ” عليك مني السلام يا أرض أجدادي ” كان يكلف فصل معلمين ، ووقوف الأديب المرحوم عيسى لوباني على اطلال قريته المجيدل المهجرة كلفه الفصل من جهاز التعليم ، والانتماء الحزبي والموقف السياسي أدى إلى فصل نمر مرقس وحنا أبو حنا وفؤاد خوري ، والعشرات من المعلمين الذين فصلوا من سلك التدريس أو عوقبوا بالنقل والنفي من اماكن عملهم ، والمربي الوطني المرحوم شكيب جهشان نال قسطًا وافرًا من الملاحقات السلطوية . كما وتعرض كل من توفيق زياد وسميح القاسم ومحمود درويش وراشد حسين وصليبا خميس وسالم جبران واميل حبيبي ومحمود دسوقي وصليبا خميس وحنا ابراهيم وسواهم للسجن والملاحقة السلطوية .
ومن نافلة القول أن عددًا من شعرائنا وكتابنا ومثقفينا الأوائل قال كلمته الحرة جهارة ، وعبّرعن مواقفه بشجاعة ، والبعض تخفى تحت أسماء مستعارة ، والباقي كتب الشعر الغزلي الرومانسي وتغنى بالجمال والطبيعة .
أما دور النشر في تلك الفترة فمحدودة ، وكانت تلتقط ما يمكن أن يصل إلى يدها من كتب واصدارات لكتاب من الدول العربية وتقوم بتصويرها وطباعتها ونشرها بين الناس ، وكان عشاق القراءة يتلقفها بشغف . ولا يمكن نسيان كيف تعرف الجمهور على كتاب ” الحي اللاتيني ” لسهيل ادريس ، وكتاب ” الأرض ” لعبد الرحمن شرقاوي ، ورواية ” أنا أحيا ” لكوليت خوري وغير ذلك من كتب ومؤلفات .
وهنا لا بد أن نذكر دور صحافة الحزب الشيوعي ” الاتحاد ، الجديد ، الغد ” الهام في حماية وصيانة هويتنا الوطنية والطبقية ، واحتضان المواهب والأقلام الأدبية ، ونشر كتابات شعرائنا وقصاصينا من أصحاب الرؤية التقدمية والوطنية ، والتوجهات اليسارية .
ومَنْ عاصر تلك الحقبة ، أيام الحكم العسكري البغيض ، وزج الكتاب والمناضلين في غياهب السجون وعمليات النفي والفصل من العمل وصعوبة التنقل واصدار التصاريح ، ينظر إلى الأدباء الأوائل الذين ساهموا في معارك الكرامة والبقاء والتحدي والصمود ، بكل احترام وتقدير، وتثمين لدور الحزب الشيوعي ومناضليه وصحافته ، التي أسهمت في عمليات التعبئة والتثقيف السياسي والفكري الايديولوجي .
والآن بعد كل هذه السنوات من البقاء في ارض الوطن ، نعيش في ظروف أخرى مغايرة ، رغم استمرار سياسة الابرتهايد ، فقد زالت السدود ، وفتحت الحدود والأبواب بيننا وبين العالم العربي ، وبفضل التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحنا على اتصال وثيق مع الكتاب والشعراء العرب ونتاجاتهم ، وصار شعراؤنا وكتابنا ونقادنا يشارك في ندوات شعرية وأيام دراسية واعمال معرض الكتاب الدولي بمصر. كذلك تشارك دور النشر المحلية في معارض كتب تقام في مصر والأردن والمغرب وأبو ظبي وغيرها . وإننا نترقب الأيام القادمة وما سيتمخض من تحولات وتغيرات ومشاريع بخصوص المسألة الفلسطينية وقضية اللاجئين وحق العودة .
والجملة الاخيرة أن هذه التحولات التي طرأت على حياة جماهيرنا وحركتنا الأدبية وانتشار الاعمال الابداعية لشعرائنا وكتابنا ، يعود الفضل لها للجيل الأول ولقدامى أعلام أدبنا ونجومه ، اليساريين والتقدميين المسكونين والمندمجين بالهم الفلسطيني والإنساني والملتصقين بقضايا شعبنا ، الذين لاطموا المخرز بكفوفهم ، وغردوا خارج السرب ، ودفعوا ثمنًا باهظًا بصمودهم ومواقفهم السياسية والفكرية وبانتمائهم لفكر الحرية والتقدم والاستنارة والمقاومة ، ومن يقول غير ذلك فهو يتنكر للحقائق ويزيف التاريخ ويدفن نفسه في الرمال ..!
بقلم شاكر فريد حسن