كتب وإصدارات – في ذكرى وفاة شاعر ديوان غادة الجولان – شعر
تاريخ النشر: 20/06/19 | 10:24أهدتني شقيقة الشاعر الجولاني ديوانه الشعري الوحيد الذي استطاع إصداره في حياته فتوفى في ريعان الشباب , المرحوم مفيد أبو رافع رحمه الله العلي القدير وأسكنه فسيح جناته , تم الإصدار في ربيع عام 1984 , صمم الغلاف واللوحات الداخلية الفنان : مجد توفيق الحلبي من هضبة الجولان , الديوان طبع في دار (العماد) للطباعة والنشر دالية الكرمل , قدم له الشاعر الكبير الراحل سميح القاسم إذ قال في نهاية التقديم : ” ولا يبقى لنا نحن القراء سوى أن نتمنى للشاعر الشاب مفيد أبو رافع أن تشتد خُطاه على الطريق وأن يحقق في نتاجه القادم مزيداً من التقدُّم ونعود مرة أخرى إلى كلمة الأجداد . . . كل من جد وجد . . . سميح القاسم “. لكن الموت اختاره في عمر الورود قبل أن يصدر ديوانه الثاني الذي بدأ في التحضير لإصداره.
يقول الشاعر في صفحة 11 في قصيدة : وبالشوق أجيب . . .
” وبالشوق أجيب . . .
سجينٌ في عينيك
محكوم للأبد
سمعت صوتاً هامساً
نادى حبيبي وابتعدْ
ويد حاصرت روحي
وأخرى سرقت قلبي
ولم تعد
وفم وفي بقبلة
ولم يعد . . .
مهما صرخت أحبك “.
هنا يتحدث الشاعر عن سجنه ومحاصرته وروحه في يد حبيبته وتكاد تكون هذه الحبيبة ليست حبيبة عادية من بني البشر قد تكون بلده أو وطنه الذي يمنحه هذا الحصار الذي لا يستطع الفكاك منه.
ويتوجه الشاعر في صفحة 56 إلى أمه :
” إلى أمي
عيناك ساهرة إلى أن يطفأ القمر
ويداك زرعت قلبي باقات الحنان
وأهدت صيف عمري حبات المطر . . .
وأنا الذي احتضنتني في حديقتكِ
هاجرت وضعت بين أغصان الشجر
لكن سوف أرجع يا أماه
سامحيني إذا اطلت السفر . . . ”
هذا التوجه للأم رائع وجميل حيث أحيت أمه صيف عمره بحجم تضحيتها , يطلب منها السماح إذا أطال السفر والبعد غير المقصود عنها , وكأنه يهيئ الأجواء لرحيله من عالمنا إلى عالم آخر فالعالم واسع ومساحته للبعد واسعة وخاصة سفر في اتجاه واحد حيث لا يرجع المسافر أبد الدهر والمقصود الرحيل الأبدي إلى عالم الغيب والموت.
في صفحات الديوان الأخيرة يكتب الشاعر مقطوعات شعرية تحت عنوان : معلقات قصيرة على أساور الحبيبة , هذه المقاطع يخطها الشاعر لحبيبته ليعبر لها عن مدى ازدحام حبه الدفين في صدره محاولاً أن يكشف أشياء ويخفي أشياء أخرى بطريقة العلنية وألا علنية , بين الإرادة والتجاهل المقصود وأوقفني في صفحة 101 هذا المقطع:
” كل القصائد
أنتِ فيها همسة ٌ
وكل الليالي
أنتِ فيها كوكب
أعطش للشوق إليكِ
فأرجو ألا أشرب . . .”
في هذا المقطع الشاعر يقول أنها أي حبيبته همسات القصيدة وكوكب الليل في كل الليالي ويؤكد عطشه للشوق إليها وهو لا يشرب من هذا الشوق كأنه متمنع عن الشرب بإرادته ولا يرتوي , هو يريدها حقاً ويحبها بإخلاص ووفاء إلا أنه لا يرتوي من شوقه إليها كي يبقى في هذه الحالة الخاصة أطول وقت ممكن.
ينهي الشاعر ديوانه بهذا المقطع وكأنه يلخص كل مشاعره في هذا المقطع الأخير.
” صهرت الهوى في دمي
لأهجر عينيك
وأتابع الهوى بعد السفر
فسرعان ما أعادني الله
إليك مشتاقاً
كحبات المطر . . . ”
يقول لها أنها صهرت الهوى بدمه وهل يستطيع دم الإنسان تحمل كل الهوى بداخله , والشاعر مصر على السفر وهو مؤمن بأن الله تعالى سيعيده بسرعة إليها مشتاق وربما يريد الشاعر هنا أن يدخل في بعض المقاطع سفره الأكيد عن هذه الدنيا وعودته في مراحل تبديل الأجيال والتقمص بإذنه تعالى بعد الموت في إيمانه المقرون بدين التوحيد وكونه منتمي لطائفة الموحدين الدروز والتي تسكن هضبة الجولان , ربما هذا ما أراد قوله الشاعر بالخفاء وترك لنا ديوانه الشعري الوحيد لنتمتع بقراءته ولنحكم عليه كقراء كما كتب الشاعر الكبير سميح القاسم في مقدمة الكتاب.
كنا لنتمنى للشاعر طول العمر ليقدم لنا كل ما في جعبته من قصائد لكن يد القدر والمنون وصلته بتاريخ بصيف 2005 وهو في ريعان الشباب , نطلب للشاعر مفيد أبو رافع الرحمة من العلي القدير عز وجل وأن يسكنه فسيح جناته ولذويه من بعده الصبر والسلوان
رافع حلبي
دالية الكرمل