فضائل المدينة المنورة
تاريخ النشر: 23/07/19 | 7:25(روى البخاري عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إنَّ الإيمانَ ليأرِزُ إلى المدينةِ، كما تأرِزُ الحيةُ إلى جُحرِها. وروى الطبرانيُّ عن أبي هريرةَ بإسنادٍ لا بأسَ به، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المدينةُ قُبَّةُ الإسلامِ، ودارُ الإيمانِ، وأرضُ الهجرةِ، ومثوى الحلال والحرام. وعن عمرَ رضي الله عنه قال: غلا السعرِ بالمدينة، فاشتدَّ الجَهْدُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصبِرُوا وأبشِرُوا، فإنِّي قد باركتُ على صاعِكُمْ ومُدِّكُم، وكُلُوا ولا تتفرَّقوا، فإنَّ طعامَ الواحد يكفي الاثنين، وطعامُ الاثنينِ يكفي الأربعة، وطعامُ الأربعة يكفي الخمسة والستّة، وإنَّ البركةَ في الجماعة. مَنْ صَبَرَ على لأوائها وشدَّتها كنتُ له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة. ومَنْ خرجَ عنها رغبةً عمّا فيها أبدل اللهُ بِهِ مَنْ هُوَ خيرٌ منهُ فيها، ومَنْ أرادَها بسوءٍ أذابَهُ اللهُ كما يُذَوِّبُ المِلحَ في الماء).
رواه البزّار بسندٍ جيّدٍ. انظر فقه السُّنّة لسيد سابق، الجزء الأول – المجلد – الحجّ – فضائل المدينة ص765.
تعليقات:
1. التعريف:
– البخاري: هو كما جاء في الأعلام للزركلي: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري (194 – 256هـ) أبو عبد الله حَبْر الإسلام، صاحب الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخاري. وُلِدَ في بُخارى وقام برحلةٍ طويلة في طلب الحديث فزارَ خراسانَ والعراقَ ومصرَ والشامَ وسمع من نحو ألفِ شيخٍ، وجَمَعَ نحو ستِّمئةِ ألفِ حديثٍ. وكتابه في الحديث أوثقُ الكتب الستَّة المُعوَّل عليها، وهي: (صحيح البخاري وصحيح مسلم وسُنَن: أبي داود والترمذي وابن ماجة والنَّسائي).
– المدينة: مدينة الرسول التي هاجرَ إليها صلى الله عليه وسلم عام (623م). وأقامَ فيها حُكمَ الإسلام بمعاونة أهلها الأنصار. وكان اسمُها قبل الإسلام يثرب، فنُهِيَ عن تسميتها بذلك بعدَه. وكان يسكنُ فيها مع العربِ اليهودُ من قبائل: قينقاع والنضير وقريظةَ وغيرِهم، لعلهم جاؤوها عندما علموا من كُتُبهم أنَّ نبيّاً سيظهرُ فيها، رَجَوْا أنْ يكونَ منهم، فجاءَ من العربِ فحقدوا عليهم وكانوا فيها عنصرَ إفسادٍ وتخريبٍ كشأنهم دائماً، فحاربهمُ الرسولُ بعد نقضهم عهودَهم معه، ومن ثَمَّ أجلاهم عنها عمرُ في خلافته رضي الله عنه. وقد ذُكِرَتْ في كتاب الله بقوله سبحانه: (ما كانَ لأهلِ المدينةِ ومَنْ حولهُمْ من الأعرابِ، أنْ يتخلفُوا عن رسولِ اللهِ، ولا يرغبوا بأنفُسِهِمْ عن نفسِهِ)، وقوله: (لئِنْ لمْ ينتهِ المنافقونَ والذينَ في قلوبِهِمْ مرضٌ والمُرجِفونَ في المدينةِ لنُغرِيَنَّكَ بهِمْ)، وقوله: (يقولونَ: لئنْ رجعنا إلى المدينةِ ليُخْرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذل، وللهِ العِزَّةُ ولرسولِهِ وللمؤمنينَ). وفيها يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم وهو متوجِّهٌ إليها في الهجرة -: (اللهمَّ، إنَّ إبراهيمَ عبدَكَ وخليلكَ ونبيَّكَ ورسولك دعاكَ لأهل مكّة، وإنَّ محمّداً عبدَكَ ونبيَّكَ ورسولكَ، يدعوكَ لأهلِ المدينة بمثل ما دعاكَ إبراهيمُ، أن تُبارِكَ في صاعهم ومُدِّهم وثِمارِهم. اللهمَّ حَبِّبْ إلينا المدينةَ كما حبَّبْتَ إلينا مكَّةَ، واجعل ما بها من وباءٍ بخُم. اللهمَّ إنّي قد حرَّمتُ ما بين لابَتَيْها، كما حرّمَ إبراهيمُ خليلُكَ مكَّةَ. وقالت نائلةُ بنتُ الفُرافِصَة لمّا حُمِلتْ إلى عثمانَ رضي الله عنه مِنَ الكوفة، تُخاطِبُ أخاها ضَبّاً:
أحقّاً تُراهُ اليومَ يا ضَبُّ أنّني
مُرافقةٌ نَحْوَ المدينةِ أرْكُبا
لقد كانَ في فتيانِ حِصْنِ بنِ ضمضمٍ
وجدِّكَ ما يُغني الخِباءَ المُحجَّبا
قضى الله حقّاً أنْ تموتي غريبةً
بيَثْرِبَ لا تلقَيْنَ أُمّاً ولا أبا
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تسميتها يثرب، وسمّاها طيبة. ومن أسمائها الأُخرى: طابة، المسكينة، العذراء، القدسية، العاصمة، المرزوقة، الشافية، الخيّرة، المحبوبة وغيرها. وقال صلى الله عليه وسلم في جبلها أُحُد: (أُحُدٌ جبلٌ يُحبُّنا ونُحبُّه، وهو على بابٍ من أبواب الجنّة). وفي المدينة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقبرا صاحبَيْه: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقبور أصحابه في البقيع.
2. المعاني:
يأرز: يجتمع، يلجأ. تأرز الأفعى إلى جُحرها: تختبئ فيه وتحتمي. قُبّة الإسلام: مناره وعَلمُه. مثوى: مأوى. غلا السعر: ارتفعَ. الجَهْد: الضيق والحاجة. الصاع والمُدّ: نوعانِ من المكاييل، والمُدّ أقل من الصاع. لأوائها: شدّتها. أذابه الله: أزهقه وأهلكه.
3. ما يستفاد من النصّ:
أ. أقدسُ البقاع في الأرض وبالتتالي: مكّة والمدينة وبيت المقدس. ولهذا – كما جاء في الحديث -: إنَّ الدّجال يدخل كُل الأصقاع ما عدا هذه الأمكنة الثلاثة. والمدينة بالذات عليها الملائكةُ تحرسُ أبوابها حينذاك، ويخرجُ إليه منها كُل منافقٍ ومدخول الإيمان، ولذا قالوا: المدينةُ تنفي خبثَها كما ينفي كِيرُ الحدّاد خَبَثَه، وإليها يلجأُ الإيمانُ عندما يُحاصَر في مختلف البقاع لعِظَمِ منزلتها.
ب. ومن مزايا المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، أنّها قُبّة الإسلام ومنارُه وأرضُ الهجرة ومُقام حُكمِ الله، ومنتهى التفريق بين الحلال والحرام.
ج. مَنْ يصبر على لأواء المدينة وحرِّها يكنِ الرسولُ صلى الله عليه وسلم شفيعَه يومَ القيامة، وكذلك مَنْ مات فيها. ولهذا جاء في الحديث: (مَنِ استطاعَ منكم أنْ يموتَ في المدينة فليَمُتْ، فإنَّ مَنْ ماتَ فيها كُنتُ له شهيداً أو شفيعاً يومَ القيامة).
د. دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمينَ، ولاسيّما ساكنيها إلى الوحدة والجماعة والمشاركة في الطعام والاجتماع عليه، فإنَّ في ذلك البركة إلى درجة أنَّ طعام الاثنين يكفي الأربعة والأربعة يكفي الخمسة والستّة.
د. علي العتوم