” جذور كرملية ” للشاعر مجيد حسيسي
تاريخ النشر: 18/08/19 | 8:47وصلني بالبريد هدية جميلة من الصديق القديم الشاعر مجيد حسيسي ، ابن بلدة دالية الكرمل ، وهي ديوانه الشعري الجديد ” جذور كرملية ” الصادر عن دار ” الحديث ” لصاحبها الناشر فهيم أبو ركن ، الذّي جاء في 145صفحة من الحجم المتوسط والورق الصقيل وبطباعة أنيقة وغلاف مقوى ، واشتمل على باقة فواحة الأريج والعبير من قصائده العذبة السلسة ، التي تتناول موضوعات واغراض شعرية متنوعة ، في الحب والوطن والارض والطبيعة والرثاء والقلق الوجودي وهموم العصر وقضايا الإنسان والحياة .
مجيد حسيسي شاعر وكاتب أنيق ومجيد ، معرفتي به تعود الى سبعينات القرن الماضي حين كان ينشر قصائده وكتاباته الادبية في صحيفة ” الانباء ” المحتجبة ، وهو ينتمي لرهط من شعراء وأدباء الكرمل أمثال : المرحوم سلمان ناطور ووهيب نديم وهبة وزياد شاهين والراحل معين حاطوم وفرحات فرحات وفهيم أبو ركن وهيام قبلان وملحم خطيب وسواهم . وديوانه ” جذور كرملية ” هو الكتاب الثالث عشر الذي يصدر له بعد ” كلمات متشردة ، القضية رقم 31 مع الأديب فرحات فرحات ، أبدية النار الباردة ، وهج الأصوات النازفة ، محطات ، منك الثرى ، حيفا والمهاجر ، البديلة ، بصمات من ذهب ، وطني على ظهري ، عزف على جراح الصمت ، وبيت القصيدة ” .
يهدي مجيد حسيسي ديوانه الى ” أفراد أسرته ، والأهل والاقارب ، والاصدقاء الأوفياء ، والى شريكة حياته ، زوجته الحبيبة التي شاركته انتماءه ” ، التي يقول عنها : ” ركيزة البيت ، ورمز الطهر في زمن الجفاء ” .
واستُهِلَّ الديوان بمقدمة للناقد د. منير توما ، وهي نص الكلمة التي كان قد القاها في حفل تكريم مجيد بدالية الكرمل ، ومما قاله : ” إنه المبدع المتألق بإبداعاته من شعر ونثر دون كللٍ أو ملل ، بل يمارس ذلك بمتعة واشتياق نحو الإتيان بحلو الكلام في قصائد بالغة التمام ، تتنوع بروافدها وفروعها ، وفي مقدّمتها الحِكمة ومحبّة الإنسان لأخيه الإنسان من خلال أغراض شتى طرقها أستاذنا وشاعرنا الكريم فأجاد وأبدع على الدوام ، ليس بموهبته الشعرية المتميزة فحسب ، بل بكرمه الحاتمي في مواقف متعدّدة عهدناها بشخصه الكريم ، وخُلقه النبيل ، ومنبته الأصيل ” .
قصائد الديوان في شتى الأغراض ، وجدانية ، إنسانية ، غزلية ، وطنية ، فلسفية ، رثائية ، ووصفية ، بالغة الجمال ، ناضجة فنيًا ، رصينة ، جزلة ، متينة الحبكة والتراكيب ، رفيعة ، رقيقة ، منسابة كشلال ، فيها حزن وشجن ، وفيها انتماء وطني واضح ، واشراقات أمل ، مترعة بالعواطف الصادقة الجياشّة ، ومشحونة بالوجدان المتقد والإحساس الانساني المرهف النابض ، ومثخنة بالجمالية الفنية والعفوية والشفافية الناعمة الهادئة ، وفيها من الرؤى والافكار الدالة على عناصر الابداع والجمال وسعة الخيال المجنح والوصول الى نص شعري بليغ التأثير والتعبير والاشارات .
وما يسم هذه القصائد صدق العاطفة ، وحرارة التجربة ، والعمق والتكثيف في الصور والمعاني ، والقوة وجودة السبك ، والانسيابية المموسقة في معانيها وأفكارها وابعادها الإنسانية ، ودقة الوصف والتعابير ، والقدرة الفائقة على اختيار الكلمات والمفردات المجازية البلاغية الجميلة الفصيحة .
مجيد حسيسي شاعر تسكنه الروح والنزعة الإنسانية ، يتمتع بثقافة حسية وجمالية ، وصاحب فكر متوقد نيّر ، لم يترك غرضًا ولا بابًا ولا موضوعًا شعريًا لم يطرقه ويتفاعل معه . يحمل وطنه في قلبه ، وعلى ظهره ، ولم يتركه أبدًا يتدحرج كصخرة سيزيف ، غنى للحب والوطن والانسان ، وناجى الحبيبة ، وطرح قضايا المرأة ، وتفاعل مع الظواهر الاجتماعية وجعل من فؤاده دفيئة للمعاناة والمكابدة والمشاعر الإنسانية ، مكللًا بالحب والعشق والشوق والحنان ، متوجًا بالقلق الوجودي العصري من شرور الحياة ومآسيها ، داعيَا للتسامح والسلام والمحبة بين أبناء البشر والديانات السماوية .
ومن نوافل القول أن نصوص ديوان مجيد حسيسي ” جذور كرملية ” تحمل بعدًا وجدانيًا وانسانيًا عامًا ، مزنرة بحرارة الوجدان ، مشرعة على هموم وآمال رحبة ، ومغمسة بوجدانيات وطقوس الحب والاشراق ، إنها شذرات مصفاة مكثفة ، قالت وأسمعت ، فوصلت شذية ندية حريرية تعرف الطريق إلى البهاء ، وتعرف كيف تتغلغل في النفس ريحانًا عندما تود النفس البشرية الخروج الى الفتها وطبيعتها المتجددة ، تزخر بالفتنة التي لا تخطئها عين او احساس يتلبس البلاغة في تكسير المألوف وصولًا الى ما هو فوق الواقع والخيال ما يجعل الدهشة تتألق وتتوهج بقدر حيوي في القصيدة .
ومن أنفاس الشاعر وأجواء الديوان اخترت قصيدته ” كوني ظلالي ” .. حيث يقول :
أقومُ إليكِ أشكوكِ لأحيا– وأُحيي فيكِ أيَامَ الوصالِ
فلا الأيّامُ تُسعفنا لنبقى– ولا الأحلامُ تأتي بالمُحالِ
فأنتِ بنفسِ إحساسي حنينٌ– وأنتِ الحُسْنُ كحّلهُ مقالي
فهاتي السّعدَ نجدلُهُ بحرفي– ضفيرةَ عَشْقِ أحلامِ الخيالِ
لنمسحَ كلَّ إحساسٍ بسوءٍ–ونمسِكَ في تلابيبِ الجَمالِ
فكوني كل آمالي وسَعدي– وكوني الشمسَ لي كوني ظلالي
وفي المجمل ديوان ” جذور كرملية ” لمجيد حسيسي يكشف عن واحد من أكثر شعراء الداخل الفلسطيني رقة وعذوبة وانسانية وانسيابية ، فهو يصطاد قصيدته اصطيادًا ، ويكتفي بما يصيد من رشاقة اللغة وجذلى صورتها ، فلا يتكلفها ولا تتكلفه ، ولا يزيد عليها أكثر مما تستحق ، حتى انها تبدو سمفونيات حب وحياة وامل واغنيات وترانيم شجية وشذية ، أو سلسلة معزوفات موسيقية تتهادى بين نسائم ربيعية ، أو لقطات ولوحات تشكيلية رسمت لتكون قصائد عشق وجمال ودفق عذب هفهاف .
فكل الشكر والتحية للصديق الشاعر العريق الراقي الملهم مجيد حسيسي ، مع أحر التهاني بصدور ديوانه ” جذور كرملية ” واطيب التمنيات له بالعمر المديد والحياة العريضة والعطاء المتجدد المتواصل .
بقلم : شاكر فريد حسن