العبادة طريق الوصول إلى الله تعالى
تاريخ النشر: 18/08/19 | 20:27مما لا شك فيه أن التقربَ إلى الله لا يكون إلا بما شرعَه الله تعالى من العبادات، وهذا لا يُعلمُ إلا من خلال الوحي الذي أنزله الله على سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال الله تعالى له: «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِليْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلكِنْ جَعَلنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لتَهْدِي إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ الله الذِي لهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلى الله تَصِيرُ الأُمُورُ» (الزخرف: 52 – 53).
(والعبادةُ حقٌّ لله تعالى على عباده؛ يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الذِي خَلقَكُمْ وَالذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لعَلكمْ تَتَّقُونَ. الذِي جَعَل لكمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وأَنْزَل مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فأخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لله أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلمُونَ» ( البقرة: 21).
فالله عز وجل يخاطبُ الناسَ كل الناس «اعْبُدُوا رَبَّكُمُ» فكلكم عبيدٌ له، وهو وحده ربُّكم، فإن أنكرتم ذلك ففكّروا: مَن الذي خلقكم بعد أن كنتم عدَماً؟ ومن الذي حَوَّلكم من طورِ العدم إلى طور الوجود؟ فالجواب: (هو الله)، إذاً اعبدوا ربَّكم لأنه ربُّكم «الذي خَلقَكُمْ وَالذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لعَلكُمْ تَتَّقُونَ»، ثم أنتم أيها الناسُ بعدما خلقكم لستم في غِنَىً عنه، بل أنتم لم تزالوا ولن تزالوا فقراءَ إليه، محتاجين إلى تربيته لكم، وإمداداته وتغذيتِه ورحمته، لذلك قال الله تعالى: «الذِي جَعَل لكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَل مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ به مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لكُمْ»، فإذا كانت هذه حاجتكم لله «فلا تَجْعَلُوا لله أَنْدَاداً وَأنْتُمْ تَعْلمُونَ») (بتصرف من كتاب التقرب إلى الله: فضله، طريقه، مراتبه، للشيخ عبدالله سراج الدين، صفحة: 13-14).
والعبادةُ لله تعالى هي مقتضى العبودية، وشأن العبد أن يعبدَ ربَّه سبحانه وتعالى، وبذلك عزّه وكرامته، لأن التذلل على أبواب الله عزٌّ وكرامة، وإن لم تكن عبداً لله فأنت عبدٌ لغيره، فمن الناس من يكون عبداً للمال أو للشهوة أو للجاه أو للناس، فكن عبداً لله لا لغيره..
العبادةُ هي قيامُ العبدِ بما أمرَهُ الله تعالى به من أقوال وأعمال، ملاحظاً عبوديتَه لربِّ العالمين، فالعبادةُ هي أعمالٌ وأقوالٌ يقومُ بها العبدُ حباً وتذللاً وتقرّباً إلى ربه سبحانه وتعالى..وبهذا القيدِ الأخيرِ وهو ملاحظةُ العبودية لله تعالى يظهرُ لنا الفرقُ بين أعمالِ التكريم وأقوالِ التعظيم، وبين أعمالِ وأقوالِِ العبادة لرب العالمين.فالملائكة يسجدون لله سجود عبادة «إِنَّ الذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلهُ يَسْجُدُونَ» (الأعراف: 206).وسَجَدُوا لآدم سجود تكريم «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لهُ سَاجِدِينَ» (الحجر: 29).
وقد نُهينا في شريعتِنا عن السجودِ لغير الله تعالى، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لما عظم الله من حقه عليها) (سنن البيهقي الكبرى: باب ما جاء في عظم حق الزوج على المرأة).
يتلخص من ذلك أن عبادةَ الله تقومُ على أسس ثلاثة:(أولاً) عبادةٌ قلبية: وهي الاعتقاد الجازمُ بأنه لا إله إلا الله، ولا ربَّ سواه.(ثانياً) عبادةُ الأعمال: وهي تأديةُ الأعمالِ التي أمر الله تعالى بها من إقامِ الصلاة وإيتاءِ الزكاة وصومِ رمضانَ والحجِ وسائرِ الفرائض ثم النوافل.(ثالثاً) عبادةُ الأقوال وهي: تأديةُ ما شرعَه الله تعالى من التلاوات والأدعية والأذكار على مختلف أنواعها…»
والعبادة لها شرطان حتى تكونَ مقبولةً:الشرطُ الأول: أن تكون خالصةً لوجه الله… ويدخلُ هذا الشرطُ في عبادةِ القلب: بأن يعتقد جازماً ويشهدَ أنْ لا ربَّ يُعْبَدُ سواه، فَتُنَقِّي قلبَك ونيتَك من شوائبِ الرياء والشرك الخفي، ومن أن تريد بعملك غيرَ الله.والشرط الثاني: الاتباع: بأن تعبد الله بما شرع، فاحذر كل الحذرِ من أن تعمل عملاً ليس له أصلٌ في الدين فتكون بذلك مبتدعاً، وهذا الشرط يدخل في العبادة القولية والعملية.
والعبادة لها آثارٌ عظيمةٌ في حياة المسلم، فالصلاةُ تُهَذِّبُ النفس «» (العنكبوت: 45)، والزكاةُ تزكي وتربي المسلمَ على حُبِّ الخيرِ والنفعِ للآخرين، والصيامُ مغفرةٌ ورحمةٌ ورضوانٌ من الله على المسلم، وبالحج يُنَوَّرُ قلبُ المسلم ويصفوا حالُه مع الله، وهكذا بقية العبادات.
ونختم هذا المقال بالحديث عن أنواعِ القربِ التي يتقربُ بها المسلم إلى الله:يقول الله عز وجل في الحديث القدْسي الذي يرويه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته) (صحيح البخاري).
هذا الحديثُ القدسيُّ، وهو يسمى حديث الأولياء، جَمَعَ معاني عظيمة عالية بكلمات قليلة معدودة، ولو شُرحَ هذا الحديث بمجلدات، وأقيم لذلك ندواتٌ ومؤتمراتٌ، لكان ذلك قليلاً في بيان بعض معانيه.
فقبل أن يَتحدَّث عن طرقِ التقربِ إلى الله قال: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) وإذا كان الأمرُ كذلك فلن تنفعَه قربة ولا عبادةٌ بعد ذلك.
فأوَّلُ خُطوة للتقرب من الله… احذر من معاداةِ أولياء الله… وأولياءُ اللهِ أخفياءٌ في خلقِه… وكل مسلم من أولياء الله بالمفهوم العام للولاية… إذاً أحسنِ الظنَّ بكل مسلم واحذر أن تؤذي أيَّ مسلم… عندئذ لن يعلنَ الله عليك الحربَ بل سيجعلُ السلامَ والسكينةَ في قلبك، وحينئذِ تُقبلُ على عبادةِ الله بهمّةٍ عالية، وتتقرب إليه بكل عبادةٍ بِنَفْسٍ توّاقةٍ مشتاقةٍ.
وللتقرب إلى الله تعالى طريقان:
1- الطريق الأول طريقُ التقرب إلى الله بالفرائض: وهو أمرٌ واجبٌ محتمٌ يحبُّه الله (وما تقرّب إلي عبدي بشيءٍ أحبَّ إلي مما افترضت عليه) ويدخلُ في ذلك الفرائضَ الفعليةَ والمأموراتِ العمليةَ والقوليةَ والخُلُقِيةَ، والواجباتِ تركاً وهي المحرمات.
2- والطريقُ الثاني طريق التقرب إلى الله بالنوافل: وسُمِّيَت نوافل لأنها تَجلِبُ لصاحبها خيراتٍ وخيراتٍ لا يعلمها إلا الله.والعبد يتقرب إلى الله بالطريقين ليكون عنده محبوباً.
صفوان عضيبات