زغاريد حمدة الكفرونية .!
تاريخ النشر: 05/09/19 | 22:10تزغرتي ..!؟ يا حمدة ..!؟
تزغرتي في يوم لقائنا , بعد هذا الغياب الطويل !؟
هو وقته . !؟ ..
وقته يا حمدي .!؟
تركت الثوار ونزلت عن الجبل كلّي اشتياق إلك .. من شهرين ما شفتك ..
وتفزّعي عليَّ الجيران .. وجيران الجيران .. ! وجيش اليهود !؟
ولولا أني تنكرت بثوب وحطة جارتنا , ستّي عيشة , لبتُّ في معتقلاتهم .
******************
الآطباء هنا في المستشفى قالوا , لم تبق لك في هذه الحياة سوى أيام معدودات ..
ها أنت كعادتك تبتسمين .. ابتسامة الرضا والسلام , التي تغمر كل ما حولك بنور من طمأنية مسحورة ..
حتى أنك بابتسامتك هذه , تستقبلين بها ملاك الموت .. كأنه أحد القريبين إليك ..
*****************
وقته يا حمدة ..!؟
الموت مرّ يا حمدة ..!
الموت فراق .. الموت ضياع ..
كيف تتركنني هنا مرميٌّ , بواد غير ذي زرع .!؟ تائه بين الروحة والكرمل .!؟
بين لطمات الرحيل , وجمرات طريق العودة .!؟
من يحمل شربة الماء , وصرَّة زوادة الطريق .!؟
بين غياب الكفرين وحلم الوصول إليه .. !؟
**************
كلّ شيئ غريب لديك يا حمدة ..!
حتى عندما رحّلونا وتركنا الدّار والديار ..
صممت أن ترجعي الى الدار لتسقي النعنعة .. بعد ابتعدنا عنه مسافة ليست بالقليلة ..
وقته يا حمدة !؟ وقته ..!؟
إحنا بيش وأنت بيش يا حمدة !؟
راح البيت كلّه .. بدنا نتأسَّف على النعنعة .!؟
ولم تكترثي بلومي واحتجاجي .. ورجعت الى بيتنا الجريح الذي ما زال جرحه ينزف أوَّل نزفاته , فوجدتيهم هناك يتأهبون لهدمه..
صوّبوا بنادقهم نحوك .. وكان بينك وبين الموت قيد أنملة .. فسحبت حطتك البيضاء عن رأسك , ورفعتيها فأنزلوا بنادقهم .. ووقفوا مشدوهين , عندما نشلت الميِّة من البرميل وأسقيت النعنعة العطشانة , وغادرت الدار لآخر مرة ,وتركتهم يعمهون في حوّام اندهاشهم ..
***************
حتى ولادتك لابننا عايد كانت غريبة ..
قبل أن نصل الى وادي برطعة .. الوادي الذي صار يفصل بين حيِّ العرب وحيِّ اسرائيل ..
جاءك المخاض ..
وين بدِّك تلدي بحيِّ اسرائيل , ولا بحيِّ العرب .. الذي تفصلنا أمتار عنه.!؟
ان ولدتيه هنا سيكون مشرَّداً .. وان ولدتيه هناك , على بعد أمتار .. سيولد لاجئاً .!
وأن ولدته في عرعرة سيكون حاضرأً غائباً عن الكفرين ..وان عدت الى الكفرين وولدته هناك لن تكون له حياة .ستتلقفه أنياب المحتلين .!
سألتك ..
فصحتِ من قحف رأسك : مش مهم أين سألده .. سيكون أبني هنا فلسطيني و هناك فلسطيني .!
هذا وقته ..!؟
هذا وقته يا حمده .!؟
وقته تلدي على الواد .!؟
تلديه على حافة الرحيل .!؟
ودخلت عند الدايّ البرطعاوية .. كان بيتها على الوادي , وولدت عايد .!
*********
أحضروا الشهيد – أخيك الوحيد من الميدان الى بيته ..
قتلوه ” الظهر الحمرا ” ..
كان يدافع عن الكفرين ..
كان له خمسة أطفال وأمهم على المسطبة يصرخون ..
لم تبق عين ناشفة .. ولا صوت لم ” تطحنه ” البحَّة في البلد ..
إلاّ أنت يا حمدة .. شرعت بالغناء – على طول حسك – .. كان الشهيد عريساً في يوم حناه ..
فانقلب عزاء الشهيد الى فرح حناء ..فلم تبق حنجرة ولا لسان إلاّ وانطلق بالغناء , حتى “أطلعوه ” في زفة , لم تشهدها البلد من قبل..
وقته .. !؟ وقته يا حمدة .!؟
قلبت العزاء الى عرس .. والحزن الى فرح .!
هكذا كنت يا حمده ..
بعد أيام العزا ء أقنعتني ان ننتقل لنسكن الى الكفرين .. بلدك الذي انتقلت منه لتكوني لي زوجة في عرعرة ..
قلت يومها : ” أرض أبي في الكفرين في خطر .! ..اليهود يتآمرون عليها ..! “.
**************
ها أنت تنامين أمامي .. نومتك الأبدية ..
تنثرين حولك موجات من الطمأنينة والسلام ..
كأنك تقولين حكيت كل الحكاية .. حكاية الكفرين ونمت ..
حكايتها وانتقلت الى عالم مسحور كلُّه جنّات ..
**********
أتذكرين ..
عندما أرسلت أمي مع جاراتنا ” لينقدنك ” .. قالت أمك رافقت صاحباتها الى العين .. ستعود قريباً ..
وقته ..!؟ وقته يا حمده !؟
عروس تذهب الى العين في ليلة خطبتها ..!؟
بعد ان رجعن قلن : ” العروس مليحة .. بس راسها مثل الصِّوان .! ” .
فرددت عليهن ” مثل صوّان الكفرين .! ” .
وكنت بديلة أختي شمسة .. وأنا بديل أخيك حسن .
والملتقى كان على بير منيجل ..أهل عرعرة يسلموا أهل الكفرين أختي حسن . وهم بدورهم يسلموك يا حمدة لأهل عرعرة ..
وعندما وصل الوفدان منطقة بير منيجل , اختلفا على نقطة اللقاء , كل منهما يرفض ان يتقدم نحو الآخر , بضع عشرات من الأمتار..
لم تزغرد عروس في عرسها ابداَ ..
إلاّ أنت يا حمد ة ..!
وقته يا حمدة .!؟
في يوم فرحك .!؟
كان الجمعان على وشك الالتحام في معركة ,لا يعلم ألا الله , ما ستكون نتائجها ..
فجاءت زغرودتك ..
فكانت كأنها قنبلة حوَّلت المكان الى كتلة من الصمت الأخرس ..
ولشدَّة دهشة الجموع واستغرابهم .. بدأت تخطين الى الأمام ,بخطوات ثابتة تاركة جمع أهل الكفرين , متجهة نحو أهل عرعرة..
وسرت مخترقة جموعهم ,الى أن وصلت العروس – بديلتك .. مسكت بيدها وسحبتها .. وسارت معك دون اعتراض ,,
وعند وصولكما الى منتصف المسافة , التي تفصل بين الجمعين , وإذا بها تشتعل غناء ودبكة وزغاريد ..
وبعدها وسَّعوا الساحة وتركوها لكما .. فرقصتن معاً وقصت معكما الروحة .. أرضها تحت أقدامكم .. سماءها فوق رؤوسكم ..
طيوره .. صبرها ..
يوسف جمّأل – عرعرة