ندوة حول أدب الأطفال المحلّيّ في الناصرة
تاريخ النشر: 14/09/19 | 8:29عقد المنتدى الثَّقافيّ -مجمع اللّغة العربيَّة في مقرِّه في الناصرة، ندوة أدبيَّة بعنوان: “أدب الأطفال المحلّيّ – الواقع والتحدِّيات”. حضرها نخبة من الكتَّاب، والأدباء، والأكاديميِّين، ومحبِّي اللّغة العربيَّة، وآدابها، جاءوا من الناصرة، ومن مختلف المدن والقرى العربيَّة في المثلَّث والجليل، للاحتفاء بهذا الحدث الثقافيّ الذي لاقى تغطية إعلاميَّة واسعة. أدار النَّدوة مُركِّز عمل المنتدى في المجمع، الشَّاعر سيمون عيلوطي الذي رحَّب بالحضور، وأعرب عن أمله بأن تضيف هذه النَّدوة لأدب الأطفال المحلِّيّ جوانب جديدة تستحق الوقوف عندها، ومناقشتها. ثمَّ افتتح النَّدوة رئيس المجمع، البروفسور محمود غنايم، معربًا عن حزنه لوفاة عضو المجمع البروفسور قيس فرُّو، مقدِّمًا تعازي أعضاء المجمع القلبيَّة لذوي الفقيد وأصدقائه ومعارفه، طالبًا من الحضور الوقوف دقيقة صمت ترحُّمًا على روحه الخالدة، ثمَّ تحدَّث عن مكانته الأكاديميّة المرموقة، وعن بعض مؤلَّفاته البحثيَّة القيِّمة، وبخصوص أدب الأطفال قال: هناك من الأدباء من يتعالى على الكتابة للأطفال، مع العلم أنَّ الكتابة للطِّفل تحتاج من الكاتب إلى معرفة أدبيَّة، وعلميَّة واسعه، وإلى أسلوب سهل وسلس يمتاز بفنيَّة عالية، تقرِّب أدبه من الطِّفل، وتصقل شخصيَّته ومواهبه.بعد ذلك قدَّم الدُّكتور محمود أبو فنِّة دراسة شاملة عن حركة أدب الأطفال المحليّ، بعنوان: “ملامح وخصائص عامَّة في أدبنا المحلّيّ للأطفال”، استهلها بأنَّ “أدب الأطفال هو أدب أوّلا وقبل كلّ شيء، وعليه أن يحرص على توفير المعايير الأدبيَّة الفنيَّة الجماليَّة مع مراعاة عناصر ومقوِّمات الألوان الأدبيَّة المتنوَّعة. وأدبُ الأطفال يراعي حاجاتِ المتلقِّين الأطفال والفتيان (من سنّ 2 – 15 سنة) وقدراتِهم العقليَّةَ والعاطفيَّة واللغويَّة ويُسهم في عمليَّة التَّنشئة، ويكسب المعارف والقيم، ويشبع الحاجات النفسيَّة المتنوِّعة للمتلقِّين”.
وقال: (هرم الاحتياجات بحسب ماسلو: الاحتياجات الفسيولوجيَّة/الجسديَّة، احتياجات الأمان، الاحتياجات الاجتماعيَّة، الحاجة للتَّقدير، الحاجة لتحقيق الذَّات). ثمَّ بيَّن أنَّ “تأخُّر ظهور أدب الأطفال المحليّ مقارنة مع أدب الأطفال في العالم العربيّ”، يرجع إلى أسباب مختلفة، “من أبرزها الأوضاع الاجتماعيَّة والثقافيَّة والسياسيَّة التي سادت البلاد؛” خاصة بعد عام 1948، “وبسبب الأحداث التي جرت”، فقد كان “حظّ أدب الأطفال والمؤلّفات الموجَّهة لهم ضئيلًا”، وأضح أنَّ عدد الأعمال الأدبيَّة للأطفال التي صدرت باللغة العربيَّة حتّى عام 1987 لم يتجاوز ثمانين كتابًا. ثمَّ تحدَّث عن ثلاث مراحل رئيسيَّة في مسيرة أدب الأطفال المحليّ. المرحلة الأولى: تمتدّ حتى منتصف الستينيَّات تقريبًا، وتمتاز بقلّة المؤلَّفات للأطفال. المرحلة الثَّانية: تبدأ من النِّصف الثَّاني من الستينيَّات، وبصورة خاصَّة بعد حرب عام 1967، وتمتدّ حتَّى نهاية الثمانينيَّات. المرحلة الثَّالثة: تبدأ مع بداية التسعينيَّات وتستمرّ حتّى يومنا. ما يميِّز هذه المرحلة صدور الكثير من كتب الأطفال المحليَّة الموضوعة/الأصليَّة والمترجمة. شارحًا أهم ما يميِّز تلك المراحل في أدب الأطفال المحليّ من النَّواحي الفنيَّة، الفكريَّة، واللغويَّة، وأثر ذلك على الأطفال، ومستعرضًا أيضًا العديد من الأسماء الأدبيَّة التي كتبت في تلك المراحل للأطفال، نذكر منهم: محمود عبَّاسي، جمال قعوار، ميشيل حدَّاد، وغيرهم. كما خصًّص حيِّزًا واسعًا من دراسته لرصد ومعالجة العديد من الأمور ذات العلاقة بموضوع النَّدوة، ذاكرًا المجلَّات المحليَّة المخصَّصة للأطفال، وبعض كتب الأطفال المترجمة من اللغة العبريَّة للعربيَّة، مبيِّنًا الهفوات الكثيرة التي احتوتها هذه الكتب المترجمة، سواء في السَّرد، أو في الرُّسامات التي لا تعبِّر بأيِّ حالٍ من الأحوال عن واقع الطِّفل العربيّ، ولا تعكس بيئته بأيّ شكل، وأضاف: لاحظت من خلال اطِّلاعي على أدب الأطفال المحليّ، أن هناك مجموعة من الإصدارات صاغها كتَّابها بطريقة لا تتماشى مع نفسيَّة الطِّفل، وأعرب عن خشيته من انتشار هذه الظَّاهرة، خاصة في غياب النَّقد الموضوعيّ الذي نحتاجه لمعالجة هذا الأدب.
أنوِّه بأنَّني سأعود إلى تعميم ونشر دراسة الدّكتور أبو فنِّة لاحقًا، وذلك لما تضمَّنه هذه الدِّراسة من أهميَّة وفائدة للدَّارسين والمهتمّين. بالعودة إلى النَّدوة: فإنَّ الكاتبة حياة بلحة أبو شميس تمحورت مداخلتها حول كتابتها القصصيَّة للأطفال التي استلهمتها، كما قالت، من خلال عملها كمعلمة للأطفال، ثمَّ كمديرة مدرسة، موضِّحة أنَّ هذا العمل مكَّنها من الاطّلاع على عالم الأطفال من جوانبهالمختلفة، خاصَّة ما يتعرَّضون له من إساءة، أو قسوة، أو تحرَّش جنسيّ، دفعها دفعًا للكتابة عنهم، ولهم، وقالت: إنَّ سبب قلَّة نتاجها يعود بالأساس إلى أنَّ كتابتها تمتاز بالكتابة القصصيَّة العلاجيَّة التي تحتاج إلى تدقيق خبراء في المجالات النَّفسيَّة، التَّربويَّة، التَّنمية البشريَّة، وغيرها، وأشارت إلى أنَّ بعض إصداراتها تناسب الصغار والكبار، لما تحتويه من مضامين اجتماعيَّة شائكة، يتجاوب معها القارئ، ويستقبلها باستحسان. وقالت: إنها تشجِّع طلابها الأطفال على الكتابة، وتعمل على نشر نتاجهم في نشرات خاصَّة، تُوزَّع على مختلف الأوساط المجتمعيَّة في مدينتها، “عروس البحر”، يافا. أمَّا الشَّاعر فاضل جمال علي فقد تحدَّث عن تجربته الشِّعريَّة والأدبيَّة في أدب الأطفال، مشيرًا إلى أنَّه يعنى بالمضامين الإنسانيَّة التي يراعي فيها اهتمامات الطِّفل، يسكبها بقوالب فنيّة تعتمد على الأوزان الشِّعريَّة السَّريعة، وأنه من خلال محاضراته في المدارس، والمكتبات العَّامة، وجد أنَّ الأطفال يتفاعلون مع القصائد الموزونة، أكثر من تفاعلهم مع الشِّعر الحُر، أو مع قصائد النَّثر، مع الاعتراف بأنَّ هناك العديد من النُّقاد العرب، يعتبرون أنَّ مستقبل الشِّعر العربيَّ هو لقصيدة النَّثر. ثمَّ قرأ نماذج من شعره، نالت استحسان الحضور.في نهاية اللقاء دار نقاش بين الحضور والمحاضرين، أغنى النَّدوة، وأضاف لها الكثير من الأفكار النيِّرة.