وحي الصدور
تاريخ النشر: 30/09/19 | 6:13وأنا أسمع لعملاق السّماء المقرئ محمّد الصّديق المنشاوي رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه بصوته المذيب للحديد يقرأ قوله تعالى: “إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” التوبة40، فكانت هذه القراءة:
1. وصف الله تعالى سيّدنا الصديق رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه بـ “صَاحِبِهِ” وهي مرتبة عظيمة شريفة كون سيّدنا الصديق صاحب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يوصف بالمعصوم إلاّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. إذن عظمة سيّدنا الصّديق في كونه نال لقب الصاحب من ربّ العالمين وما أعظمها من هدية وما أعظمه من لقب. و الصاحب وإن كان صادقا يأخذ منه ويرد ولا يمسّ ذلك من منزلة الصديق الصاحب. و أفضل الأصحاب من كان صديقا وخير الأصحاب من كان صديقا واختار صديقا.
2. قال تعالى: “وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا“. قرأت لأحد الزملاء فيما ينقله عن الألباني رحمة الله عليه قوله: قصّة العنكبوت لا أصل لها لأنّها مرئية والله تعالى يقول: “وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا“. وعليه أقول: سأدع قصّة العنكبوت جانبا وأتعمّد عدم الخوض فيها بغضّ النظر عن ما قيل حولها وأتطرق لمعنى جند الله تعالى. ينقسم جند الله تعالى إلى التي نعلمها والتي لا نعلمها والتي نراها والتي لا نراها والتي نشعر بها والتي لا نشعر بها والتي استطاع أن يصل إليها المرء والتي لم يصل إليها المرء عن جهل أو نكران. وجنود الله تعالى لا تنقطع أبدا ولا يعلم عددها إلاّ الله تعالى ولا يعلم زمانها ومكانها إلاّ الله تعالى. والله تعالى خاطب الإنسان بأنّه نصر نبيّه صلى الله عليه وسلّم بقوله “وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا” وهذا لا يعني أنّ الله تعالى لم ينصر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بجنود رآها من كان شاهدا عليها ونقلها لغيره عبر أجيال وأمست من المتواتر. والدارس للسيرة النبوية ومنها الهجرة النبوية يلاحظ أنّها من بدايتها إلى نهايتها نصر من جنود ” لَّمْ تَرَوْهَا” ومن جنود رآها الكثير والكثير ومن الأمثلة على ذلك: الإعداد للهجرة من طرف أسيادنا الصديق وابنه عبد الله وابنته أسماء، ونوم سيّدنا علي بن أبي طالب رحمة الله عليهم جميعا ورضوان الله عليهم جميعا في فراش سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والكافر أريقط الذي وظّف كدليل بارع محترف عبر الصحراء، وسقوط حصان سراقة، وهذه كلّها من جند الله تعالى وكلّها مرئية شهدها من رآها وأقرّ بها وتطبّق هذه القاعدة على حياة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعبر كافّة حياته الكريمة كالغزوات والمعاهدات وغيرها.
3. إذن قوله تعالى “وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا” تعني أيضا وأيّده بجنود ترونها سواء أدركتم ذلك أم لم تدركوه.
4. قرأت في شبابي كتاب “فقه السيرة” لمحمّد الغزالي رحمة الله عليه وممّا أتذكره قوله فيما يخصّ قصّة العنكبوت: إنّ الله تعالى أعزّ من أن ينصر نبيّه بعنكبوت ونفى القصّة، وعليه أقول: سأدع قصّة العنبكوت جانبا كما تركتها من قبل جانبا وأضيف: إنّ الله تعالى ينصر نبيّه صلى الله عليه وسلّم ودينه بأقلّ من العنكبوت وينصره بالكافر والمحارب والعدو ناهيك عن غيره، وهؤلاء من جنود الله سواء رآهم المرء أم لم يرهم وسواء استطاع أن يصل إليهم ويدركهم أو لم يستطع أن يصل إليهم ويدركهم وسواء كانوا أصغر حيث لم يستطع أن يراهم أو أكبر وأخطأ محمّد الغزالي في هذه النقطة أي التبرير الذي قدّمه وليس القصّة بحدّ ذاتها فهذا شأنه لا نتدخل فيه ولا نناقشه. ورحم اللّه من اجتهد وأصاب أو أخطأ في تقدير جند الله تعالى التي لايعلم عددها وقوتها و وصفها وزمانها ومكانها وتقديرها إلاّ الله سبحانه وتعالى.
معمر حبار