هل حانَ الوقت لِإعلان العُنف والجريمة وباءً اجتِماعيًا؟،
تاريخ النشر: 03/10/19 | 18:58شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا خطيرًا وغير مسبوق في ظاهرة العُنف، فبعد أن قُتِلَ بريئان رَجُل وامرأة مِن بلدة بسمة طبعون، ها نحنُ نشهد ونسمع عن مصرع شابان مِن بلدة مجد الكروم، هاتان البلدتان انضمتا بِهذِهِ الجريمة إلى بلدات أُخرى منكوبة بِالعُنف تنتشر في مُختلف رُبوع بلادنا، قليلة هي البلدات التي لم يزرها شبح الجريمة والقتل في وسط الليل أو حتى في وضح النهار، القتل في بِلادنا بِواسطة إطلاق النار باتَ ظاهرة عادية حتى أن الواحد مِنا باتَ يخشى مِن السير في الشارع وَيَلتَفِت يُمنه ويُسره، فَمَن يعلم فقد تُطاله رصاصة طائشة كما سبق وحصل في العديد مِن المدن والبلدات، مثل الطيبة، الناصرة، وبسمة طبعون، باتَ مِن المُتوقع أن تُطال رصاصة طائشة طالبًا في طريقه إلى مدرسته أو شيخًا مُسنًا عاف الجلوس في بيته فخرج ليرى الدنيا ويشم هواءها.
عدد القتلى مِن أبناء مُجتمعنا العربي في البِلاد مُنذُ بداية السنة الجارية قارب السبعين قتيلا، هؤلاء قُتِلوا بِأيدي أُناس مِن أبناء جِلدتهم، رُبما يُقيمون بِالقُرب مِن أماكن سكنهم أو في نفس الحي والبلدة، الجريمة الأخيرة في مجد الكروم ليتها تكون الأخيرة، ذهب ضحيتها شابان مِن بيت واحد، أو عائلة واحدة، الأمر الذي جعل الكثيرين يخرجون عن طَورِهِم وَدفعِهِم لِرفع راية الاستنكار وَمُطالَبة مَن يُمكنه وَمَن لا يُمكنه المُساهمة في الحد مِن ظاهرة الجريمة بِالمُساهمة في وضع حد لها وعدم انتشار لهيبها إلى المزيد مِن المُدن والبلدات فتتسع رُقعتها أكثر وأكثر.
لجنة المُتابعة العُليا تُعلن الإضراب احتجاجًا على وباء الجريمة في مُجتمعنا (هل هذا حل لا سيما في المدارس؟!)، وسائل الاتصال الاجتِماعي تهتز غضبًا وكل مِن أعضائها وروادها تقريبًا يُدلي بِدلوه وَيَتَقَدم بِاقتراحه، ينقسم المُجتمع على ذاته بعضه مع الأضراب، بعضه الآخر ليس معه، كُل مِن هذين الطرفين له اجتهاده وله وجهة نظره، مِن حق كُل مجموعة بِالطبع وَمِن حق كُل فرد أيضًا أن يُعبِر عن نفسه كما يُريد ويرى، غير أنه مِن واجبه أن يتركز في المشكلة / الآفة هنا ذاتها، فماذا علينا أن نفعل حقًا لِلِحد مِن انتشار الجريمة في مُجتمعنا وتقليص عدد القتلى إلى أقصى حد مُمكِن أو إلى الصفر؟، هنا تكثُر الآراء وَوِجهات النظر، تختلف وتتفق، وترتفع أصوات مُطالِبة الشُرطة بِجمع السِلاح المُرخص وغير المُرخص أيضًا ومِنها مَن يُطالِب بِتشكيل حِراسة محلية في كُل حي وبلد، بل مِنها مَن يُطالِب بِالعودة إلى إتباع قانون العشائِر البدوية الذي يضرِب المُعتدي بيد مِن حديد، وينسى أولئك وهؤلاء أن المُشكلة ليست بِانتشار السِلاح وإنما في اليد التي تحمله!!، أما مَن يدعون لِلِعودة إلى النِظام العشائري فإنهم يتجاهلون أننا لسنا مُجتمعًا عشائريًا، وإما أولئك الذين يدعون إلى تشكيل مجموعات محلية للحفاظ على الأمن في البلدة، أية بلدة وأحيائها، فإنهم يتجاهلون أن الخِدمة الشعبية أثبتت في كُل مكان أنها يُمكن أن تَتِم مُدة قصيرة مِن الزمن وأنَّ عُمرها قصير، وَبَدَلًا مِن أن يُطالبوا الشُرطة القِيام بِدورها في الحِراسة يَحملهم غضبهم عليها لأن يدعوا إخوانًا لهم لِلِقِيام بهذه المُهمة!!
تكثُر الحلول، كُل يتحدث وِفق رأيه وَرُؤيته لِلِأمور، وما يُثير في هذه الآراء أمران بارزان، أحدهما يكتفي بِاستعمال مُصطلحات حافلة بِالعُنف مِثل مُحاربة العُنف أو مُقاومة الجريمة أو مُكافحة وباء العُنف الآخذ بِالتفشي في مُجتمعنا، والآخر يكتفي بِإلقاء الأوامر وبِالقول: يجب علينا أن نفعل كذا وكيت، ناسيًا أو مُتناسيًا أن السؤال الأجدر بِالطرح هو كيف وَلِماذا نتخلص وَنُخلَّص أبناءنا مِما يُمكن أن يلحَق بِهِم مِن أذى ورصاص مُسدد أو طائِش بِقصد أو غير قصد.
مُنذُ بدء تصاعُد ظاهرة الجريمة في مُجتمعنا بِشكل خطير وغير مسبوق، خطر لي أن أتوجه إلى الجِهات المَعنِية وَتِلكَ التي يهمها الأمر مُطالِبًا إياها بأن تُعلن آفة القتل والجريمة في مُجتمعنا آفة أو وباءً اجتِماعيًا، بِمعنى أن يوضع مُجتمعنا في حالة طوارئ كما دعت بعض الأصوات العقلانية وأن يأخذ كُل مِنا سواء كنا أفرادًا أو مُؤسسات دوره في التعامُل مع هذا الوباء الزاحِف وَذلِك بِوضع خِطط وبرامج قريبة المدى وبعيدته، فنبدأ برنامِجنا هذا بِالنقاشات في المُؤسسات التعليمية وَالتربَوية وأن تُشكل الطواقم المُتخصصة لِنشر الوعي بِأنَّ العُنف لا يُوَلد إلا عُنفًا وأنَّ دائِرة القتل والجريمة ما هي إلا دائِرة مُفرغة وليس لها أي معنى، ناهيك عن أننا إنما نعيش في مُجتمع ديمُقراطي يسود فيه القانون ولا يمكن لأي مِنا أن يأخذ القانون ليده.
إنَّ إعلان العُنف والجريمة وباءً اجتِماعيًا كفيل بِأن يُشكل البداية المُضيئة وأن يبدأ بِوضع الأُسس المتينة للأمن والخلاص، وهذا البرنامِج يحتاج بِالطبع إلى طول نفس، إصرار وَمُتابعة، وَهُنا قد يَحِق لِلِإخوة الغاضبين الانفعاليين مِمَّن رفعوا أصواتهم مُطالِبين المسؤولين العرب في البِلاد بِأخذ دورهم أن يتوجهوا إليهم مُستنفِرينَ إياهُم لأن يأخُذوا إجراءاتهم الكفيلة بِالمُساهمة في التخلص مِن وباء العُنف والجريمة، طبيعي أنَّ مِثل هكذا برنامِج طويل المدى يحتاج إلى وقت وَجُهد كبيرين مِن أجل أن يعود علينا بِاليُمن والبركة، الاستقرار، الطمأنينة والسكينة، وهنا قد يَحتجّ قائل بِأننا نحتاج إلى برنامِج سريع فنقول له نحتاج إلى برنامِج جدِّي وَمدروس ولا يَهُم عندها أن يكون طويل المدى أو قصيره، وإلا فإننا قد نبقى ندور في الدائِرة المُفرغة ذاتها، دائِرة الهاوية، المتاهة والندم.
بِقلم: فؤاد أبو سرية – يافة الناصرة