وجه في الذاكرة : المناضل والشاعر والكاتب الصحفي علي عاشور
تاريخ النشر: 12/10/19 | 8:08بقلم : شاكر فريد حسن
رحل الكثيرون من المناضلين الوطنيين الأشاوس والمبدعين الملتزمين بقضايا الوطن وهموم الجماهير المسحوقة الكادحة، تاركين بصمات مضيئة من العطاء والتضحيات الجسام في صفحات الحركتين الوطنية والشيوعية والحركة الثقافية والأدبية، من هؤلاء الراحلين ، المناضل الشيوعي والشاعر والكاتب الصحفي الغزي ، الانسان الطيب، المتواضع، الشهم، الأصيل، المبدئي، ناكر الذات، طيب الذكر علي عاشور، الذي كرس حياته وقلمه في خدمة قضايا شعبه، ونشر الكلمة الهادفة الجادة الملتزمة بالقضايا الوطنية والطبقية والهموم الإنسانية، والذود عن القيم الثورية والشيوعية، وبقي قابضًا على جمرة الفكر الماركسي اللينيني حتى أخر أيام حياته، وارتحل حاملًا بين جنبيه أفكار ومبادئ حزبه الوطنية والتحررية والطبقية.
عرفت أبي ابراهيم علي عاشور خلال زياراتي المتكررة لمكاتب صحيفة ” الاتحاد ” في وادي النسناس بحيفا في الثمانينات من القرن الماضي، حيث كان يعمل في قسم التحرير، وقد وجدت ولمست فيه انسانًا يتمتع بالطيبة والتواضع والخلق والالتزام الحقيقي، يفرض الاحترام على الآخرين، وليس اغتصابًا.
علي ابراهيم عاشور غزاوي الأصل، من حي الزيتون، ولد في العام 1925، والده كان شيخًا أزهريًا جليلًا، حظي ببالغ التقدير والاحترام في فلسطين، هو الشيخ ابراهيم عاشور، تلقى علومه في غزة، ثم في المدرسة الرشيدية في القدس، وتخرج مع زملائه ورفاق دربه فيما بعد المرحومين زاهي كركبي وفائق وراد سكرتير الحزب الشيوعي الاردني، وعين مدرسًا في خان يونس، ثم في غزة.
خلال دراسته تعرف على الشيوعية، وسحر بفكرها التقدمي النير، وتمسك بقناعاته الفكرية حتى وفاته، رغم الثمن الباهظ الذي دفعه بسبب ذلك. وعندما كان يعمل معلمًا كان يراسل صحيفة ” الاتحاد ” العريقة، فضبطوه متلبسًا، وكادوا يطردونه من عمله، لكن شفع له كونه ابن الشيخ علي عاشور فبقي في وظيفته.
لكن علي عاشور لم يكف عن نشاطه بل زاده وعززه وانتخب سكرتيرًا لفرع عصبة التحرر الوطني في قطاع غزة، وسجن لأول مرة مع شيوعيين آخرين سنة 1948، بسبب نشاطه السياسي في اطار العصبة التي اتخذت موقفًا مغايرًا لمواقف الحكومات العربية وقياداتها.
بعد خمسة أشهر نقل إلى معتقل ابو عقيلة، وعندما وقعت النكبة، نقل سوية مع شيوعيين فلسطينيين آخرين منهم سليم القاسم وعودة الأشهب وحسن ابو عيشة وصبحي بلال وسواهم، الى معتقل صرفند القريب من الرملة، وبقي مع رفاقه في المعتقل لمدة سنتين، ثم اطلق سراحهم.
حُرِمَ علي عاشور من العودة إلى غزة، التي اصبحت بعد الخامس عشر من العام 1948 تحت الحكم المصري، فسكن في الناصرة، ثم تسلل الى حيفا، حيث عمل في عدة أشغال في البناء وكمدير مطعم الجمعيات التعاونية التابعة للحزب الشيوعي، بعد ذلك عمل محترفًا في منطقة تل ابيب- يافا، ثم محررًا في جريدة ” الاتحاد ” في العام 1952، وامضى جُلًّ حياته فيها، محررًا ومدير ادارة ونائب رئيس تحرير والقائم بأعمال رئيس التحرير، ومثل ” الاتحاد ” وغيرها من صحافة الحزب في مجلة قضايا السلم والاشتراكية في براغ.
تولى علي عاشور عدة مناصب ومسؤوليات قيادية في الحزب، إضافة إلى عمله في ” الاتحاد “. وانتخب سكرتيرًا لمنطقة حيفا الحزبية في اواسط الثمانينيات، وعضوًا في اللجنة المركزية للحزب، وعضوًا في مجلس الجبهة العام، وعضوًا في جمعية المبادرة الاسلامية بحيفا، ولجنة الدفاع عن الأرض، فضلًا عن نشاطه في اطر أخرى.
وحين بلغ سن التقاعد، أكثر من سفره إلى مدينة براغ، التي احبها كثيرًا حتى درجة العشق والوله، وبعد وفاة زوجته أمضى وقته في هذه المدينة الجميلة الساحرة.
وفي الثاني عشر من أيلول العام 1997 توفي علي عاشور بعد حياة حافلة بالكفاح والنشاط الحزبي والعمل الصحفي والكتابي.
تمتع علي عاشور بثقافة إنسانية وثورية طبقية وايديولوجية، كتب المقالة السياسية، وكان يميل للأدب وكتابة الشعر منذ ان كان طالبًا على مقاعد الدراسة الثانوية، لكن عمله الحزبي طغى على تفكيره في الأدب، وبقي يكتب من حين لآخر قصائد ينشرها في أدبيات الحزب الشيوعي ” الاتحاد، الجديد، الغد “، وترجمت بعض قصائده للروسية، وكان يوقع قصائده باسم ” أبو الهول دم- دم “. وكما قال ذات مرة لسببين، فأبو الهول هو الاسم الذي كان يطلقه عليه زملاؤه في الدراسة لأنه كان صامتًا طول الوقت، فكانوا يعلقون قائلين : ” أبو الهول صامت يتحدى العصور”، وقد اعجبه الاسم مع لذاعته، أما دم- دم فأخذه من كثير ما ورد من دم في شعر المعاصرين.
ومن قصائد علي عاشور هذه القصيدة تحت عنوان ” الشعب ليس بجاهل “، التي كان نشرها في صحيفة ” الاتحاد ” بعددها الصادر يوم 21 تموز العام 1959، ويقول فيها :
لمن الضحايا تبذل – ألحفنةٍ تتبدلُ
ام للذين تنكروا – لشعوبهم وتبدَّلوا
وعن الكرامة اصبحوا -وغلى الخيانة أقبلوا
وامام اعداء الشعوب – المجرمين تخاذلوا
وتوهموا بضجيجهم – ان يستروا ما يُخجلُ
ألهؤلاء ومثلهم – ضحّى الشباب وقاتلوا؟
كلا، لثورة شعبنا – هدف أجلُّ وانبلُ
هو كل ما ترجو الشعوب – لنفسها وتؤمّل
هدف تهون لأجله – كل الصعاب وتَسْهُل
وطريقنا وعر المسالك -بالدماء يُذَلّلُ
والشعب ليس بجاهلٍ – كلا ولا هو غافلُ
حتى يكون مطيةً – يعلو عليها السافل
قسمًا بتربتنا التي – من اجلها نتحمل
مُرّ العذاب ولا – نلين لغاضبٍ ونناضل
لنطهرنّ صفوفنا – من زمرةٍ تتكتلُ
فهي التي من العدو- لصفّنا يتسللِ
وعدونا حسب المكان – وشكله يتشكل ُ
وكأنه الحرباء -يُخفي لونه ويُبدّلُ
وليعلم الاعداء ان دم- الضحايا مشعل
يَهدي السبيل واننا بدمائنا لا نبخل
فلنا – وان كرهوا – الغدُ الوضّاء والمستقبلُ
علي عاشور عالج في كتاباته الصحفية هموم وطنه وشعبه، وقضايا العمال والكادحين، والتزم الخط الوطني الأممي، معبرًا ومجسدًا مواقفه السياسية والايديولوجية الطبقية، وهي مواقف حزبه، حزب العمال والشغيلة، الذي انتمى إليه، واعتنق مبادئه وأفكاره، والتزم بها، وظل طوال حياته مدافعًا عن الطريق والفكر الشيوعي.
علي عاشور الإنسان الإنسان، انحاز إلى شموخ الشمس والجبال، وانتمى للفكر العمالي التقدمي، وعاش في عالم الحلم، عالم الحق والعدالة الاجتماعية والاشتراكية والكرامة والإباء، فكان أمميًا حتى النخاع، وقائدًا شعبًا أصيلًا، عليًا في تواضعه، متواضعًا في علياء موقعه، عنيدًا شرسًا في رقته، رقيقًا في اجتهاده وكفاحه، ساخرًا في جدته وحدته، جادًا لاذعًا في سخريته. تميز بشخصية ذكية متواضعة عملت كثيرًا واعطت أكثر مما أخذت، بعيدًا عن الأضواء الكاشفة التي تعمي البصر والبصيرة، وكان النقيض المطلق للنرجسية التي تقف على حافة الجنون والهستيريا الذاتية، والتي لم يسلم الكثير من السقوط في شباكها، خصوصًا في هذا الزمان.
عاش علي عاشور متميزًا مختلفًا على طريقته، ومات على طريقته، ويبقى قنديلًا كبقية المناضلين الشيوعيين والاحرار في سماء الوطن، والذاكرة الشعبية، خالدًا في قلوبنا.