إستعراضٌ لقصَّة ( الأسد الذي فارق الحياة مبتسمًا ) – للأطفال
تاريخ النشر: 17/10/19 | 9:01( بقلم : حاتم جوعيه – المغار – الجليل )
مقدمة : تقعُ هذه القصَّةُ ( الاسد الذي فارق الجياة مبتسما ) في 38 صفحة من الحجم الكبير،من تأليف الأستاذ سهيل عيساوي،رسومات وتنسق جرافيك : الفنانة التشكيليَّة ( رنا عتاملة ) – الأردن . إصدرار: ( أ. دار الهدى ع . زحالقة ) .
مدخل : تدورُ أحداثُ القصَّةِ في غابة مترامية الأطراف يجتازها نهرٌ كبير غزير المياة ، وهذه الغابة كثيفة الأشجار وباسقة ومليئة بالحيوانات على مختلف أنواعها وفيها الحياة زاخرة . وكان يحكمُ هذه الغابة أسدٌ شجاع ومهابٌ تخافهُ وتخشى سطوتهُ جميعُ الحيوانات والطيور في الغابة ، وتحترمُهُ في نفس الوقت وتوقّرهُ،وجميعها متقيدة بإدارتهِ وشرعهِ وتعليماته ولا تخالفهُ في أيِّ أمر أو قرار يتخذهُ.
وكان عندما يزأرُ تكادُ جميعُ الحيوانات تموت خوفا ورعبا وتصغي بكلِّ سكينة وخشوع لخطاباته الرنانة التي يشوبُهَا الوعيد والتهديد.
وحدث أن أصيبَ هذا الأسدُ بداء عضال لا شفاء منه ، وقد هزلَ جسمُ الأسدِ كثيرا وأضمرت وتقلصت وتلاشت عضلاتهُ الفتاكة حتى بانت عضامُهُ وأضلاعُهُ عن جسمهِ..وقد غابَ النومُ من عينيه. وكانت الأيامُ تمرُّ عليه ببطىء كبير وكأنها سنين طويلة من هول المرض وشدة الألم . وكانت أشبالهُ الصغار تداعبُهُ،وهو يحاولُ النهوضَ والقيامَ ولكنهُ لا يستطيعُ ويسقط أرضا ويطلقُ صراخا قويًّا من شدَّة الألم..وأما اللبوءةُ زوجته فتهمي الدموع من عيونها تلقائيًّا وتحاولُ إخفاءَها عن الأسد وعن أشبالها . وكان الأسدُ يلمحُ ويرى دموعَها التي تتساقط ويحاولُ قد الإمكان ألا يهتم بيدَ أنهُ سرعان ما يقاسمُهَا ويشاطرُهَا ذرفَ الدموع وبصمت حزين .
وكانت اللبوءةُ في هذه الفترة ( التي مرض فيها الأسد ) هي التي تصطاد وتطعمُ الأسد والأشبال ..فتصطادُ اللبوءةُ للأسد غزالا صغيرا بعد مطاردة طويلة على ضفاف النهر وتضعُ الفريسة ( الصيد ) أمامه، ولكنه لا يقوى على التهام الظبي بسهولة كما كان وضعهُ وحالتهُ قبل المرض ، فتعاونه وتساعدُ اللبوءةُ فيأكل منه القليل ويغطُّ بعدها في سبات عميق.
سمعَ الثعلبُ وهو الطبيبُ الخاص للأسد بما جرى لملك الغابة ، فأحسَّ يكبر الفادحةِ وثقل المسؤوليَّة وأصبحت تراودُهُ أفكارٌ عديدة ووقع في دوَّامة من الحيرة .. إنهُ الاسد السيد والملك على جميع حيوانات الغابة وكيف يستطيعُ أن يعالجهُ ويخرجُهُ من هذه المحنة والهمِّ العظيم . فحملَ الثعلبُ حقيبتهُ الطبيَّة وذهب مباشرة إلى عرين ( بيت الأسد)بخطوات متثاقلة (دليل على الحيرة والإرتباك والحزن ) ووقفَ فترة طويلة أمام مدخل عرين الأسد قبل أن يطرق الباب، فأطلت عليه اللبوءةُ بوجه شاحب حزين ويبدو عليها الإرهاق بوضوح ، ودعتهُ للدخول .. وسألها الثعلبُ عن حال الأسد ملك الغابة، فقالت له اللبوءةُ : إن حالته الصحيَّة تزدادُ سوء يوما بعدَ يوم .
دخلَ الثعلب ببطىء وهدوء كي لا يزعجَ الأسد وجلس أمامه باحترام وخشوع وهو يرتعد ، وأطرق برأسه متأملا ومفكرا. وأفاق الاسدُ على صوتِ لهو ولعب الأشبال وتفاجأ بحضور صديقه الخاص الثعلب لأنه لم يستدعه ، ولم يكن يرغب ويحب أن يعلمَ أهلُ الغابة بمرضه فيفزعوا .
رحَّبَ الاسدُ ، بدورهِ ، بالثعلب بكلمات كلها مديح لمهارته وبراعتِهِ في الطب وشفاء المرضى . فقالَ لهُ الثعلبُ : سلامتكَ يا مليكنا… بالتأكيد هذا مرض بسيط وعابر الذي أصابكَ وسرعان ما تخرجُ منه وتتعافى وترجع لكامل قوتكَ ونشاطكَ كما كنتَ. وأخرجَ الثعلبُ أدواته الطبيَّة التي يستعملها دائما وبدأ بفحص الأسد برفق واهتمام .. وخرجَ الثعلبُ بعد ذلك مسرعا من دون أن ينطق بحرف…وبدأ يبحثُ عن أعشاب نادرة في أعالي التلال فربَّما ينقذ الأسدَ من خظر الموت المُحدق .
إنتشرَ خبرُ مرضِ الأسد بين جميع الحيوانات والطيور في الغابة بسرعة مذهلة ، وحيكت ورويت القصصُ والأساطيرُ الكثيرة في هذا الصدد. والبعضُ قال :إنَّ البوءةَ تآمرت عليه ،كي يغيبَ عن مسرح الحياة ويتولّى بكرُها الشبل حكمَ الغابة مبكرا.والبعضُ الآخر قال:إنَّ الضباعَ منحتهُ لحوما فاسدة كي تتخلّص من بطشهِ . والأفاعي أطلقت عليه إشاعة مفادها انَّ لعنة اصابتهُ بسبب غطرسته وجبروته وظلمه للحيوانات . وأما الدببةُ فقالت : إنَّ هذا الأسد يتمارضُ ( يدّعي المرضَ والضعف ) لكي يختبرَ ولاءَ وإخلاصَ الحيوانات له، وأنهُ ينشرُ العيون والجواسيسَ والأتباعَ في كل جهة وصوب لرصد مجالس الحيوانات وتحركاتها وماذا يخططون ويفكرون تجاهه .
وبعد أيام حلَّقت البومةُ ( رمز الشؤم والشر ) عاليا في الغابة وبدأت تنعقُ لتعلنَ عن عقد اجتماع هام جدا وطارىء لجميع الحيوانات والطيور عند التلة الكبرى التي تطلُّ وتشرفُ على ضفة النهر .. فأقبلت الحيواناتُ مجموعات مجموعات( زرافات ) هائمة على وجهها ( دليل على الإرتباك والحزن والتَّأثّر من مصيبة كبيرة ) تتلهف لسماع الأخبار عن الاسد .
وعقدَ هذا الإجتماع الهام الذي افتتحهُ الفيل ( صديق الاسد) وقال للجميع : يا معشرَ الحيوانات، بالتاكيد لقد علمتم بخبر مرض الاسد ملك الغابة العادل ونحبُّ وتودُّ أن نسمعَ أراءَكم واقتراحاتكم في هذا الموضوع . فقال الأرنبُ: نحنُ نخشى أن يكون الأسدُ قد تمارضَ ويدَّعي المرض والضعف وهو ليس بمريض . وقال التمساحُ :من رأيي أن تختاروا منذ الآن خليفة للأسد في الحكم ولكي نمنعَ حدوثَ فراغ دستوري في غابتنا فتعمُّ البلبلةُ والفوضى والخلافات بين الجميع وتطمعُ بنا الممالكُ الأخرى . وقالت السلحفاةُ : أنا أقترح أن نختبر نبأ مرض الأسد ملكنا حتى نتأكدَ ونتيقن من هذا الامر.وقال الغزال : أنا اقترحُ أن نقوم بتنظيم زيارة جماعيَّة للأسد للإطمئنان على صحته . وفي هذه الفترة وعندما كان الجدالُ محتدما ومحتدًّا بين الحيوانات والطيور في صددِ موضوع مرض الأسد وصل الثعلبُ ( الطبيب الخاص ) يلهثُ وفي يده حزمة من الأعشاب الغريبة والملوَّنة ، تفوحُ منها رائحة عطرة تزكم الأنوف، فقال الثعلبُ: أؤكد وأقسمُ ان الأسدَ يُعاني من سكرات الموت، وكل ما يقالُ ويشاعُ غير ذلك هو كذب وبهتان .
وبعد هذا الإجتماع وحديث الثعلب الذي أكد للجميع على مرض الأسد ووضعه الصحي الصعب والمستعصي بدأت الحيوانات تذهبُ وتتوافد على عرين ( بيت ) الأسد ، وكان مشرع الأبواب لتدخلَ بلا عقبات أو حراسة مشدَّدة . فوقف الشحروُر والقى على مسامع الأسد قصيدة رائعة عصماء يمدحه ويمجدُهُ ويرثيه ،فابتسمَ الأسدُ ابتسامة صفراء يائسة . وتحدَّث بعدهُ الضبعُ وتمنّى للأسد الشفاء العاجل وأقسمَ أمام الجميع وبأغلظِ الإيمان انَّ الضباع تقدِّمُ للأسد دائما أجود وأفخر أنواع اللحوم،ولم تقدم له لحوما فاسدة كما أشيع عنها . ووقف بعده النمر من بين الجموع وقال : أيها الأسد العظيم ملك غابتنا ، كنت لنا الابَ والقائدَ والمعلم والسند والصديق.. سوف تفتقدكَ الغابةُ لأجيال قادمة لأنَّ بصماتك راسخة. وقد خطبت الزرافةُ من بعد النمر وقالت : كنتَ الصديقَ والخصمَ والحكمَ والملكَ .. وآمل أن تشير إلى أحقنا وأفضلنا في اعتلاء عرش المملكة بعدك ، قبل ان تلفظ أنفاسكَ الأخيرة وتنفارقنا .
وبعد هذه الكلمات والخطب الرنانة اتكأ الأسدُ على كتف اللبوؤة ونهض من فراشهِ ، وزأر بصوت مرتجفُ مسكون بالحزن والحنين وشكرَ الجميعَ ونعتهم بالأصدقاء الأوفياء..وأنهُ ليس سرا على أحد ولا أحدٌ يشكُّ على أنه سيفارقُ الحياة قريبا وسيتركُ لهم غابة واسعة وجميلة جدا وغنيَّة بالموارد الطبيعيَّة ومملكة كبيرة وكيانا قويًّا ونسيجا اجتماعيا متينا فيجب ألا يفرِّطوا بهذا الميراث العظيم . وطلبَ من الجميع أن يسامحوهُ إذا كان قد أخطأ يوما بحقِّ واحد منهم ، وقال جملته المشهورة 🙁 أحبُّكم لو تعرفون كم ) .. هذه الجملة التي يستعملها يستشهدُ بها الكثيرُ من الأساتذة اليوم ، وهنالك أكثر من شاعر وضعها عنوانا ومقدمة لديوانه . وأشار الأسدُ في جملته الأخيرة إلى أشباله التي أحاطتهُ بعطف وحنان ، وغط بعد ذلك في سبات عميق حتى غاب عن الوعي .
خرجت الحيواناتُ من عرين الاسد بعد موته بخطوات سريعة ومحدثة ضجة وجلبة كبيرة وهي غازقة في التفكير ويعتريها الخوفُ والرهبة وتفرقت إلى بيوتها . وبعد غياب الشمس وحلول الظلام لم يرُق للبعض من حيوانات الغابة زيارة عرين الأسد فتهامست سرًّا فيما بينها ودعت إلى عقد اجتماع طارىء وعاجل ودعي إليه كل من الفيل والنمر والطاووس لإختيار خليفة للأسد وملكا مكانه … هذا وتجمَّعت الحيواناتُ والطيور عند التلة الكبيرة المطلة على النهر.. وكان الفيلُ هو الذي بدأ الكلام وافتتحَ النقاش قائلا: إنهُ أضخمُ الحيواناتِ وأقواها وأعظمها هيبة ووقارا ..وهو أيضا في نفس الوقت صديقٌ حميمٌ للأسد وكانت ثقةُ الأسد به عظمة جدا ، وسيعملُ مثلَ الأسد بالضبط على حماية الغابة وتحقيق الأمان والسكينة والهدوء والأستقرار ونشر المحبة والسلام .. وهو يأمل أن يحظى بدعم الجميع وتأييدهم له في الحكم وتزعم وقيادة جميع الحيوانات في الغابة .
ومشى الطاووس بكبرياء مستعرضا جماله ومفاتن ريشه المزكرش ، وقال : أنه أجمل وأحلى الطيور والحيوانات ،وأنه سيجلبُ الحظ والسعادة للجميع وأنه أحق شخص في أن يتولى منصبَ ملك الغابة بعد الأسد.. وبعد أن أنهى كلامه تعالت الأصواتُ والصياح من كل جانب ولم تتفق الحيواناتُ والطيور على زعيم يخلف الأسد فتفرَّقوا في كلِّ جهة وصوب . ومع شروق الشمس معلنة يوما جديدا انتشر الخبرُ وعلم الجميعُ انَّ الأسدَ قد فارقَ الحياة وهو مبتسما ..وتنتهي القصّةُ هنا نهاية شبه مفتوحة.
تحليلُ القصَّة : هذه القصَّة جميلة وناجحة من جميع النواحي والمقايس الأدبية والفنيَّة والذوقيَّة ، وتكتملُ فيها كلُّ عناصر الإبداع ، وهي مترعة ومضمَّخة بالتوظيفات وبالأهداف والرموز الهامَّة والجليلة والأبعاد المثلى والواسعة ، مثل:
1 ) البعد الأدبي والثقافي . 2 ) البعد والجانب الإجتماعي والإنساني . 3 ) البعد الفلسفي . 4 ) البعد السياسي . 5 ) الجانب والبعد الخيالي الفانتازي . 6 ) الجانب اللغوي والبلاغي . 7 ) البعد الفني .
8) الجانب التعليمي والتقيفي . ) 9) الحكم والمواعظ …بالإضافة عنصر التشويق والجانب الترفيهي.
لقد اختارَ الكاتبُ مكانَ ومسرحَ القصة الغابة المترامية الأطراف .. والغابة ترمز إلى العديد من الأمور والأشياء..والغابة ،مثلا: هي رمزٌ للحياة الوادعة والهادئة والساذجة البعيدة عن الضوضاء والمتاعب وصخب الحياة ووجع الرأس . وكان شعراءُ وأدباءُ المهجر والشعراء الرومانسيون والرومنطيقيون في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يوظفون الغابة دائما في كتاباتهم وأشعارهم ، وهي رمز وشعارٌ لهم للعالم المثالي الرائع الذي ليس فيه ظلم واضطهاد واعتداء على حقوق الغير ..وأكبر مثال على ذلك جبران خليل جبران . والغابة ترمزُ أيضا إلى الحياة المليئة بالمتناقضات ( السلبيَّة والإيجابية ) . إنَّ حياة البشر على الأرض هي غابة بكل معنى الكلمة مهما وصلَ الإنسانُ من تقدم ورقي وتطور علمي وتيكنيلوجي … فالقويُّ دائما هو الذي يفرضُ سيطرته وهيمنته على الآخر الأضعف والأقل منه قدرات وإمكانيات علمية وعسكرية واقتصاديَّة .. فالغابةُ التي يتحدثُ عنها الكاتبُ في هذه القصة هي حياتنا الأرضية في كل مكان وبقعة على هذا الأرض…. ولقد اختارَ أبطالَ القصة جميعهم من الحيوانات، والحوار(ديالوج) جميعه على ألسنة الحيوانات لأن القصَّة كتبت لأجل الاطفال، والطفل بحدِّ ذاته وكل طفل في العالم يُحبُّ الحيوانات كثيرا ويعشقُ قصصَ الحيوانات وكلَّ خبر أو حديث يُروَى عن الحيوانات ، وخاصة الأليفة منها. وهذه القصَّةُ تذكرنا بكتاب ( كليلة ودمنى ) – من تأليف عبد الله بن المقفع الذي ألفهُ على أسنة الحيوانات ، وكان الهدفُ الرئيسي من ورائه هو إنتقاد السلطة آنذاك …أي إنتقاد الخليفة العباسي والمسؤولين الكبار وكشف الأخطاء والفساد المتفشي في الحكم . وهذه القصَّة ( الأسد يموت مبتسما ) لها أيضا أبعادٌ سياسيَّة مبطنة ..إنَّ الكاتبَ يتحدثُ عن مملكة ونظام حكم وطريقةِ وأسلوب حياة موجود ومتبع في هذه الغابة الكبيرة .وطبعا كل دولة وكل مملكة في العالم لها طابعها ونمط وشكل الحياة والعيش فيها .. حياة سكانها وتقاليدهم وعاداتهم ودستورها ونوعية وطرقية الحكم فيها ..إلخ . والأسد في هذه الغابة هو الحاكم وصاحب القرار في كل شيىء..وأختار الكاتبُ الأسدَ ملكا للغابة وحاكما عليها في القصَّة لأن الأسدَ كما هو معروف يعتبرُ أقوى حيوان برٍّيٍّ على الأرض . واختار الكاتبُ الفيلَ نائبا له لأن الفيل يأتي بعده منزلة من ناحية القوة الجسدية من بين الحيوانات . وقد تحدثَ الكاتبُ عن العديد من الحيواناتِ بعد مرض الأسد ، وأعطى لكلِّ حيوان الصفات والميزات التي يتمتعُ بها والتي منحهُ إياها الخالق. ومثلا حيوان الضبع ذكرهُ الكاتبُ بشكل غير مباشر أنه يتناول الجيف، حيث كان هنالك شك عند بعض الحيوانات بعد مرض الأسد أن تكون الضباع قد قدمت له لحوما فاسدة ونتنة تسببت بمرضه.. .وذكر الطاووس بالإعجاب النفس والإختيال وأنه ينفش ريشه مختالا ومعحبا بنفسه . وذكر الشحرور أنه ألقى قصيدة عصماء ، لأن طائر الشحرور معروف عنه أن صوته ( زقزقته ) جميل وعذب .
إنَّ المحور والمركز الرئيسي في هذه القصَّة هو الأسد ، ويتحدثُ عنه الُكاتبُ بلغة وبأسلوب دراميِّ تراجيديٍّ مؤثر جدا يذكي ويؤجِّجُ الحنان والشفقة والالم ويجعل كلَّ قارىء لهذه القصَّة – كبيرا او صغيرا – مهما كانت نوعيته ومستواه الثقافي يتعاطف مع هذا الأسد المريض ويشفق عليه ويرثي لحاله ولوضعه المأساوي ولوضع وحال إسرته ( زوجته وأشباله الصغار)….وكيف كان بالأمس في أوج وقمة القوة والبأس والعنفوان ويفرضُ هيمنته وسيطرته على كلَّ الذين في الغابة من حيوانات وطيور ..والآن أصبح مريضا عاجزا يعاني من سكرات الموت ولا يقوى على النهوض والوقوف على رجليه ..ولا يستطيعُ أن يلاعبَ ويلاطف أشباله الصغار الذين بحاجة لحنانه ورعايته .
والأسدُ دائما – وفي هذه القصَّة بالذات- يرمزُ لعدة أمور وأشياء . 1 ) هو يرمزُ للحاكم القوي والشجاع الذي يفرضُ هيمنته وسلطانه على جميع الذين في المملكة أو الدولة ، ويهابهُ ويخشاهُ الجميع . وتعملُ باقي الممالك والدول الأخرى ألفَ حساب له ولمملكته ودولته لأنه حاكم قوي ومملكته قويَّة وتتمتعُ بالقوة والمجد في عهده وفترة حكمه المزدهرة .. والكاتب هنا ينعتُ الأسدَ ملك الغابة بالصفات الإيجابية وأنه حاكم عادل ويحبُّ رعيَّتهُ .. والجميعُ يحبونه.. ولكن هذا الحاكم والملك ومثل كل حاكم وملك على وجه الأرض لن يعيشَ ويخلد للأبد ، وسيأتي يوم يمرض ويضعف وتتراجعُ قواه ويموت مثل جميع المخلوقات والكائنات على وجه هذه الأرض التي يتصارع الجميع فوقها من أجل البقاء .. وعليها يستحق الحياة .. ولا شيىء يبق ويدوم ويخلد للابد إلا الله جلَّ جلالهُ . 2 ) الأسدُ أيضا يشيرُ ويرمزُ إلى الرجل الأب وربِّ الأسرةِ القوي الشجاع والشهم والشريف الأبي الذي يحبُّ عائلته ( بيته وزوجته وأولاده ) ويوفر ويؤمنُ لهم دائما العيشَ الجميلَ الرغد والحياة الهانئة … ويحدث أن هذا الرجل القوي والمثالي في الرجولة والشجاعة والإستقامة يمرض ويضعف وتنهار قوته ويصبح في وضع وحالة يرثى لها ويعاني من سكرات الموت، ويهتز وضعُ وجوُّ العائلة ويتغير رأسا على عقب ( الأولاد والزوجة ) ويتصدعُ النسيجُ الإجتماعي للأسرة ثمَّ يموت الرجل ،وتكون كارثة كبيرة لعائلته وإسرته . إنَّ قصة مرض الأسد ذكرتي بوضعي الصحي عندما دخلتُ أنا المستشفى وأجروا لي عمليتين جراحيتين متتاليتين معقدتين خلال أسبوع وكنت ملقى على السرير لا أستطيع الحراك أو النهوض ، وقبل أسابيع من المرض وإجراء العملية الجراحيَّة كنت في قمة النشاط والقوة والحركة والعنفوان ، وكنت أمارس الرياضة يوميا وأقفز في الهواء بكل رشاقة وخفة وأركض عدة كيلومترات كل يوم ..وبإختصار إن قصّة الاسد ومرضه والذي فارق الحياة مبتسما .. تجعلُ كلَّ ذي ضمير حي يقرأ هذه القصة يتعاطف ويتفاعل مع أجوائها الدراميَّة ويشعر بالحزن والالم واللوعة والمرارة والأسى بشكل تلقائي للوضع الذي آلَ ووصلَ إليه بطلُ القصَّة ( الأسد ) ولمصيره ونهايته المأساويَّة.
هذه القصَّة فانتازيّة كتبت ونسجت فصولها وأحداثها على ألسنة الحيوانات ..والجانب الفانتازي (الخيالي) هو من أهم الجوانب والعناصر في قصص الاطفال ،ويضيف للقصَّةِ جمالا ورونقا وسحرا خاصا.. والطفلُ بحدِّ ذاته يحب الفانتازيا والخيال ،وخاصَّة إذا كانت القصَّة على ألسنة الحيوانات . وهذه القصَّة كُتِبَتْ ونُسِجَتْ بلغة أدبية جميلة منمقة متينة ومتناسقة وجزلى وباسلوب رشيق شائق. …وفيها الكثير من الكلمات الفصحى والتعابير البلاغية الجميلة والعميقة في معانيها وأبعادها ،ولكنها مفهومة للجميع ولا يوجد فيها تعقيدات . إنَّ العديد من الكلمات العربية الفصحى التي تبدو ظاهريًّا أنها صعبة على الفهم ، وأيضا التشبيهات والتعابير والمصطلحات البلاغيّة والاستعارات الجميلة والساحرة في القصَّة…هذه الكلمات والتعابير قد تفهم وتفسر تلقائيًّا ويفهمها الطفلُ الصغير والقارىء البسيط حسب وضعها وإدرجها في الجمل ، ومن خلال انسياب الجمل وتسلسلها ، ومن خلال مجرى أحداث القصَّة . وأمثلة على ذلك ، مثل كلمات : ( العرين : بيت الأسد- صفحة 4 ) وكلمة : ( باسقة – صفحة 4 ) . وكلمة : ( براثن – صفحة 15) . وكلمة الوعيد – صفحة 5 ) . وكلمة ( القنوط صفحة 10 ).. وكلمة ( اللبوءة – زوجة الأسد صفحة 2 ) ..إلخ …
ومن التعابير والجمل والإستعارات البلاغية الجميلة، مثل : ( تعجُّ بالحياة
صفحة 4 ) . ( ترتعد فرائصها صفحة 4 ) . ( تلاشت عضلاته -صفحة ) . ( أصابه الإحباط والقنوط – صفحة 10 ) . ( يلوذ بالصمت المطبق – صفحة 7 ) . ( ينبس ببنت شفة – صفحة 15 ) . ( براثن الموت المحدق – صفحة 15 ) . ( مسكون بالحزن والحنين – صفحة 31 ) . ( فراغ دستوري – مصطلح قانوني وقضائي – صفحة 21 ) .
ولهذه القصَّةِ أهدافٌ وأبعادٌ عديدة وهامَّة : أبعاد إجتماعية وسياسيَّة وأنسانيَّة وأسريَّة ونفسيَّة ..وغيرها – كما ذكر أعلاه .
وبالنسبةِ للبعدِ السياسي فتتحدثُ القصَّة عن المملكةِ التي في الغابة ويحكمُها الاسدُ القوي ، وتعني وتقصد أن كلَّ مملكة وكل دولة وكل جسم ونسيج إجتماعي يجب أن يكون متماسكا وله قيادة حكيمة وواعية وتوجِّههُ إلى الطريق الصحيح والقويم .. وان أيَّ مجتمع وأية دولة أو مملكة إذا لم تتوفر لها القيادة الصحيحة والحكيمة والتي تحسُّ بالمسؤولية وتكون أهلا لأدارة المملكة أو المجتمع فيسحدث التصدُّعُ والفوضى والبلبلة والإنشقاق ثم الإنهيار الكامل في هذا الجسم والنسيج الإجتماعي- المملكة أو الدولة .
ويظهر هنا بوضوح ،من خلال مجرى أحداث القصَّة، البعدُ الفلسفي وحب الحياة والكفاح من أجل الحياة الأفضل والأجمل ..ثمَّ الدروس والعبر ..وأن لا شيىء يدومُ ويبقى على حاله..ويجب على كلِّ إنسان أن يعمل ألفَ حساب للعواقب وللتغيُّراتِ الحياتيّة المفاجئة في المستقبل على جميع الأصعدة .
وأخيرا : إن هذه القصّة جميلة وناجحة وتتوفرُ فيها جميعُ العناصر والأسس الهامَّة التي يجب أن تكون في كل قصَّةٍ وفي كلِّ عمل كتابي يقدم للأطفال …وهذه القصة ترفيهيَّة وَمُسَليَّة من الدرجة الاولى وفيها عنصر التشويق الهام . وكل شخص يقرأها سيقرأها باستمرار ودونما إنقطاع حتى نهايتها..والطابع الفانتازي فيها يضيفُ لها جمالية خاصة …والجوُّ الدرامي يدخلُ للقصَّة حياة ودينامكيَّة وَيُحَفّزُ التفاعلَ مع المتلقي ويجعلُ للقصَّة جوًّا وسحرا خاصة ويخرجها من الرتابة والجمود. والقصة عبارة عن مزيج من السَّردِ على لسان الكاتب ثم الحوار بين أبطال القصة وهم من الحيوانات .. واللغةُ الأدبية فيها جميلة وعذبة ومنمقة وراقية .. والشيىء الذي يميِّزُ هذه القصَّة عن جميع قصص الاطفال التي كتبها الأستاذ سهيل عيساوي أنها تنتهي نهاية تراجيديّة مأساويّة بموت البطل ( الأسد ملك الغابة ) .. وهذه القصة تشبهُ العديد من القصص والروايات الأجنبيَّة العالمية التي تكتب للأطفال وللكبار أيضا في أسلوبها طابعها وأبعادها الفنية والإجتماعيّة والإنسانية والفلسفيَّة. .ومعظم النقاد والأدباء حسب رأيهم أنه من المحبَّذ والمفضل لكل قصّة تكتبُ للأطفال أن تكون النهايةُ فيها سعيدة ومفرحة وتدخلَ الأملَ والبهجة والسعادة والحبور لقلوب الاطفال،ولا تكون تراجيدية مأساوية تثيرُ القلقَ والإضطرابَ والحزن والخوفَ عند الطفل . فالهدفُ الأساسي أولا وأخيرا يجب أن يكون رفاهة الطفل وإسعاده وليس إقلاق راحته وإذكاء أحزانه .
( بقلم : حاتم جوعيه – المغار – الجليل )