فلسطيني من رام الله مرشح لمنصب عمدة برلين
تاريخ النشر: 15/04/14 | 22:41وصل رائد صالح من رام الله إلى ألمانيا فتى فلسطينيًا يافعًا وسرعان ما امتلك مطعم همبرغر بدأ عاملًا فيه، وهاهو اليوم من بين أبرز المرشحين لتولي منصب عمدة برلين، بعد قيادته كتلة الحزب الديمقراطي الاجتماعي في برلمان مدينة برلين وولايتها.
مع اقتراب ولاية عمدة برلين الحالي كلاوس فوفيرايت من نهايتها تتجه الأنظار نحو رائد صالح، الذي يمكن أن يصبح أول عمدة لمدينة ألمانية كبيرة من أصول مهاجرة. ويرى مراقبون أن تغير التركيبة السكانية للعاصمة الألمانية بتزايد عدد المهاجرين يمكن أن يكون عاملًا مساعدًا له.
يقود صالح (36 عامًا)، الذي وصل إلى برلين فتى فلسطينيًا من الضفة الغربية، كتلة الحزب الديمقراطي الاجتماعي في برلمان برلين المدينة والولاية. وهو يتنافس الآن للفوز بترشيح الحزب على خلافة فوفيرايت في منصب عمدة برلين.
كما يتمتع صالح بشعبية واسعة في أحياء برلين الفقيرة، حيث يعرفه الكثير من لاعبي كرة القدم في أنديتها، التي كان المبادر إلى إقامتها، وكانوا يصافحونه عندما يزورها.
يذكر أن صالح نفسه من عائلة فقيرة، وله ثمانية أخوة وأخوات، ونشأ في ظروف مماثلة لظروف الشبان المهاجرين، الذين يحاول مساعدتهم في هذه المناطق المحرومة بتوفير الملاعب والأندية الاجتماعية، لإبعادهم عن طريق الانحراف والجريمة. ويحضر صالح المباريات التي تُقام في هذه الأحياء، ويلاحظ مبتسمًا “أن لدى الشرطة الآن عملًا أقل من ذي قبل”.
قال صالح في حديث لمجلة شبيغل أونلاين “إن الحزب الديمقراطي الاجتماعي ساعد العمال أولًا ثم النساء، والآن جاء دور المهاجرين”. وهو لا يقصد الشبان المهاجرين وحدهم، بل طموحاته السياسية أيضًا.
وبعد نحو 13 عامًا من إدارة العمدة الحالي فوفيرايت لا أحد يعرف ما هي مشاريعه سوى محاولة البقاء في منصبه. ولا أحد يعرف ما إذا كان يعتزم التنحي قبل الانتخابات المقبلة عام 2016 أو ستتعيّن تنحيته. لكن الشيء الوحيد المؤكد هو أن شعبية حزبه في تراجع، كما تبيّن استطلاعات الرأي، متلكئًا حتى وراء حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي لم تكن برلين من معاقله تاريخيًا، رغم شعبية زعيمة الحزب المستشارة أنغيلا ميركل.
في هذه الظروف أصبح صالح أكثر الديمقراطيين الاجتماعيين شعبية في برلين. ويحتاج دعم كتلة الحزب في برلمان المدينة، وكذلك دعم فرع الحزب في برلين الولاية. لكن لدى قائد الفرع يان شتوس طموحاته الخاصة في تولي منصب عمدة العاصمة الألمانية.
وأهم من الفوز بدعم فرع الحزب الديمقراطي الاجتماعي، سيتعيّن على صالح أن يقنع ناخبي المدينة بأن لديه رؤية لولاية برلين التي ما زالت من أضعف الولايات الألمانية اقتصاديًا، وخاصة حين يتعلق الأمر بسوق العمل والتعليم، رغم أن برلين نفسها مدينة سياحية من الطراز الأول، ولديها اقتصاد يبدو متينًا.
تركزت جهود صالح حتى الآن على شريحة مهملة من حيث الأساس هي الشريحة التي ينتمي إليها هو نفسه من الألمان ذوي الأصول العربية والتركية، ولكنهم نادرًا ما يبالون بالانتخابات والمشاركة فيها.
وذات يوم مرّ صالح بمنطقة شبانداو، حيث نشأ عندما كان والده يعمل في مخبز، ووالدته تتولى تربية الأطفال وشؤون البيت. ويشير صالح إلى الطبقة التاسعة من مجمع سكني، حيث وقفت أمه تلوّح له من الشرفة. وبالصدفة مر أحد أشقائه، فأومأ إليه صالح قائلًا “هذا مالك، نال شهادة الدكتوراه بالكيمياء الحياتية يوم أمس”.
أعرب صالح عن رضاه بصعوده هو أيضًا. إذ بدأ عاملًا يقلِّب أقراص الهمبرغر في مطعم، ثم تدرج، إلى أن أُنيطت به مسؤولية المطبخ. وفي النهاية أصبح مدير الشركة القابضة التي تملك المطعم. وقال صالح إنه فخور بمسيرته هذه.
يجوز القول إن صالح كان موزعًا بين عالمين في بداية حياته السياسية، عالم الصراعات السياسية تحت قبة برلمان برلين، وعالم منطقة شبانداو العمالية، حيث ما زال يحيّي معارفه القدامى بعبارة “السلام عليكم”، ويمازح بائع مقانق هاجر من البلقان.
وفي آذار/مارس، اُعيد انتخاب صالح رئيسًا لكتلة الحزب الديمقراطي الاجتماعي في برلمان برلين. وبفضل صالح، انتهت عبادة الشخصية التي أُحيط بها العمدة الحالي فوفيرايت، وألهت الحزب عن مهامه الأساسية، ليعود إلى التركيز على قضايا حقيقية، مثل دمج المهاجرين بالمجتمع. لكن من أكبر التحديات التي تواجه الحزب كسب أصوات المهاجرين من دون أن يفقد تأييد قواعده التقليدية.
ولم يسبق أن عرفت ألمانيا ترشيحًا مثل ترشيح صالح. فما من مدينة ألمانية كبيرة لديها عمدة ألماني من أصول مهاجرة أو من الجيل الثاني من المهاجرين.
وزار صالح مدينة روتردام الهولندية، حيث يتولى منصب العمدة فيها منذ عام 2009 أحمد أبو طالب المولود في المغرب، وهو أيضًا ديمقراطي اجتماعي. وأراد صالح أن يطَّلع على خبرة أبو طالب في روتردام، التي يشكل المهاجرون نحو 50 في المئة من سكانها.
اكتشف صالح أن المطلوب من الذين يحصلون على إعانات اجتماعية أن يقدموا خدمة للمجتمع مقابلها، مثل كنس الشوارع أو التسوق وإيصال البقاليات وغيرها من الضروريات إلى بيوت جيران مرضى أو كبار لم يعودوا قادرين على النهوض بمثل هذه الأعباء. كما إن العائلات التي لا تتابع تعليم أطفالها، ولا تهتم بمستواهم في المدرسة، يمكن أن تُعاقب بخفض الإعانات التي تُقدم إليها.
وحين عاد صالح من روتردام، بدأ يدرس إمكانية تطبيق مثل هذه الأفكار في برلين. ونقلت مجلة شبيغل أونلاين عن صالح أن برلين لم تعد قادرة على تحمل وضع يُسمح فيه للعائلات التركية بوضع أطفالها ذوي السنتين من العمر ساعات أمام شاشات التلفزيون، وإرسال الأكبر منهم إلى المدرسة، ولكنهم بدلًا من التعلم يتحرّشون بتلاميذ مهاجرين من رومانيا، عبر محاولة إلقائهم في براميل القمامة، وعندما صالح سمع عن مثل هذه الأشكال من التحرش ثار غضبه.
بدأ صالح يمهد الأرض لاتخاذ خطوات تستوحي ما سمعه من عمدة روتردام. واتفق مع حلفائه على تمرير قواعد جديدة في برلمان المدينة، يمكن بموجبها فرض غرامات تصل إلى 2500 يورو على العائلات التي تتخلف عن إخضاع أطفالها لاختبار اللغة الإلزامي في سن الرابعة.
كما تتيح القواعد الجديدة فرض غرامات على الآباء، الذين يتغيب أطفالهم عن المدرسة من دون عذر مشروع. ويجري التحضير لإجراءات صارمة مماثلة. ويقول صالح “إن سياسات الدمج اليوم ستقرر ازدهار مجتمعنا في السنوات العشرين أو الثلاثين المقبلة”.