هل السعادة فى امتلاك ما يرضيك، أم الرضا بما تملك؟

تاريخ النشر: 03/10/11 | 23:58

لم يعد النظر إلى شأن الحصول على السعادة فقط من اختصاص أهل التربية والفلسفة والتوجيه والإرشاد في الجوانب العقائدية والاجتماعية، بل أصبح علم الطب، بشقيه البدني والنفسي، معنِيًّا بهذا الأمر، بدرجة أعمق كثيراً مما يظن الكثيرون.

ولعل التذكير بدراسة الباحثين النفسيين من جامعة إيراسماس، في روتردام في هولندا، يختصر لنا الكثير من الرؤية الطبية في التأثير الإيجابي للسعادة على صحة الإنسان.

فقد قام الباحثون بتحليل نتائج 30 دراسة متابعة حول دور السعادة في حماية صحة الإنسان وحياته، وبالمُحصّلة قال الباحثون كلاماً من (العيار الثقيل)، إذْ وجدوا أن الحجم المُقارن لتأثير تحقيق السعادة، أو عدم تحقيقها، علي الحالة الصحية لإنسان ما ـ وخاصة في جانب مقدار طول عمره ـ يكافئ حجم التأثير الصحي للتدخين أو عدم التدخين، أي بعبارة أخري .. إن أهمية الحرص علي تحقيق السعادة تُشبه أهمية الامتناع عن التدخين.

والكثير من الناس يتعلّق بالمال، ويُفني العمر في البحث الدؤوب عنه، وتحفى قدماه، ويُصيب القحط ماء وجهه في سبيل النجاح في خَزْن المزيد منه في رصيد البنك.

والسبب الرئيسي لهذا الحرص علي امتلاك المال، هو أنه العنصر الذي تتحقق به السعادة، والعامل الذي سيجلب ما فيه الرضا في الحياة.

ولو سيرنا قليلاً مع هؤلاء (الكثرة)، تظهر التساؤلات التالية:

– بعدما تجري كمية من المال، كثيرة أو قليلة، بين أيدي شخص ما، هل تكون سعادته أكبر حينما يشتري لحظات جميلة بهذا المال، أم حينما يشتري به أشياء عينية مادية؟

– وهل سعادة الإنسان تتحقق في سعيه لامتلاك أشياء يطمح إليها؟، وعليه؛ فإنه سيرضى ويسعد حينما تكون بحوزته، أم أن سعادة هذا الشخص مبعثها الرضا بما يمتلكه ويتوفر لديه؟، وعليه؛ فإن سعادته ستتحقق حينما يملأه الشعور بـالتقدير للنعمة التي هو في ظلها.

ولأن للنفس طِبًّا يبحث ـ دونما ملل ـ فيما فيه صحتها ومرضها، دعونا نُراجع ما تقوله نتائج الدراسات النفسية حول هذين السؤالين.

فقد قام الباحثون باختبار تأثير كل من شراء أوقات جميلة، مثل تناول العشاء في مطعم، أو حضور إحدى المسرحيات أو عروض الأوبرا، وذلك بالمقارنة مع شراء أشياء عينية جميلة، كسيارة تأخذ العقل، أو فيلا في الريف، أو حُلي مرصعة بالمجوهرات.

وما توصل إليه الباحثون هو أن سعادة الإنسان، ومنْ يعيشون حوله، ستحقق بشكل أكبر عند استخدام المال في شراء خبرات وذكريات حياتية جميلة.

وهذا الشعور بالسعادة سيرفع من الإحساس بالصحة والعافية، وذلك بمقارنة تأثيره على الشعور بالعافية والصحة عند استخدام المال في سبيل امتلاك أشياء عينية قيّمة.

وعلل الباحثون هذه النتيجة بأن الأولوية في الاحتياجات لدى الإنسان للشعور بأنه كائن حيّ مفعم بالنشاط والصحة، هي في حصوله على حيوية التواصل والترابط الاجتماعي.

وبالمحصّلة، قال الدكتور جيف لارسن، الباحث الرئيسي في الدراسة، والمتخصص في علم النفس: “ببساطة، إن امتلاك مجموعة من الأشياء ليس مفتاح السعادة، فهناك عنصرين ذا أهمية في السعادة: أولاً، تقدير أهمية الرضا بتلك الأشياء التي يمتلكها الشخص بالفعل، وثانياً، الإبقاء على الرغبة والسعي في امتلاك أشياء أخرى جديدة”.

وأضاف الباحثون أن الأشخاص الراضين بما يمتلكونه بالفعل ويطمحون إلي المزيد منه، هم أكثر سعادة من الأشخاص الغير راضين بما يمتلكون، الذين لا يطمحون إلي المزيد من نوعية الأشياء التي يمتلكونها.

 بقلم أسماء منصور

تعليق واحد

  1. الحديث عن السعادة قد يطول، كذلك تختلف الآراء حول مفهوم السعادة!
    وهناك أبحاث ودراسات كثيرة ومستفيضة حول الموضوع.
    وهذا الأديب الشاعر جبران خليل جبران يقول عن السعادة:
    وَما السَّعادَةُ في الدُّنيا سِوى شَبَحٍ
    يُرجى فَإِن صارَ جِسماً ملّهُ البَشَرُ
    كَالنَّهرِ يَركُضُ نَحوَ السَّهل مُكتَدِحاً
    حَتّى إِذا جاءَهُ يبطي وَيَعتَكِرُ
    لَم يَسعَدِ النّاسُ إِلّا في تَشوُّقهم
    إِلى المَنيعِ فَإِن صارُوا بِهِ فَترُوا
    فَإِن لَقيتَ سَعيداً وَهوَ مُنصَرِفٌ
    عَنِ المَنيعِ فَقُل في خُلقه العِبَرُ
    السعادة عند جبران هي في التشوّق إلى المنيع الصعب، وعندما نحقّق ما
    نتشوّق إليه تفتر نفوسُنا!
    وهذا الأديب المتفائل إيليا أبو ماضي يقول:
    أيّها الشاكي الليالي إنَّما الغبطةُ فِكْرَهْ
    ربَّما اسْتوطَنَتِ الكوخَ وما في الكوخِ كِسْرَهْ
    وخَلَتْ منها القصورُ العالياتُ المُشْمَخِرَّهْ
    تلمسُ الغصنَ المُعَرَّى فإذا في الغصنِ نُضْرَهْ
    وإذا رفَّتْ على القَفْرِ استوى ماءً وخُضْرَهْ
    وإذا مَسَّتْ حصاةً صَقَلَتْها فهيَ دُرَّهْ
    لَكَ ، ما دامتْ لكَ ، الأرضُ وما فوق المَجَرَّهْ
    فإذا ضَيَّعْتَها فالكونُ لا يَعْدِلُ ذَرَّهْ
    السعادة عند أبو ماضي هي من صنع تفكيرنا، وقد نجدها لدى ساكن الكوخ،
    بينما يفتقدها ساكن القصر الشامخ!
    وللحديث بقيّة!
    د. محمود أبو فنه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة