من تعدى على الوقف فقد أفسد ويجب وضع حدّ له – معمر حبار
تاريخ النشر: 29/10/19 | 10:08الإثنين 29 صفر 1441 هـ الموافق لـ 28 أكتوبر 2019
أنهيت صباح اليوم قراءة كتاب: “مشروعية درس الجمعة وحمل العصا في الخطبة” للأستاذ موسى إسماعيل، دار الإتقان، البليدة، الجزائر، الطبعة الأولى 1440هـ – 2019 من 81 صفحة فكانت هذه القراءة:
سيركّز القارئ المتتبّع على نقطة واحدة فقط جاءت في آخر صفحة من الكتاب ولا علاقة لها بمضمون الكتاب الذي لم أعلّق عليها عمدا.
جاء في صفحة 68 من الكتاب: “المنبر وقف، والضرب عليه على الدوام مما يضر به”.
وقفت مطوّلا عند عبارة “المنبر وقف” ولا يحقّ للخطيب أن يضرب بعصاه المنبر لأنّه يلحق أذى بالمنبر وهو وقف ويكفي أن يمسك العصا بيمناه وهو يخطب وقد نال بذلك سنّة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم والخلفاء الراشدين والتّابعين وتابع التّالبعين.
وأنا أقرأ عظمة الوقف وحرمته وأنّ التعدي عليه من الفساد والجرائم تذكرت أنّي قرأت في كتاب – لا يحضرني الآن اسمه – أنّ الحجارة التي في المقبرة وقف على سكان المقبرة ولا يحقّ لأحد أن ينقلها لأغراضه الشخصية ويستغلها في بناء بيته أو مؤسّسته أومسجد لأنّه تعدى على حرمة الأموات. والقبر وقف على صاحبه ولا يحقّ لأحد أن يجلس فوقه أو ينبشه لأنّه تعدّي على القبر بل من أشدّ الظلم لأنّ الميت ضعيف لا يردّ عن نفسه.
يتذكرّ صاحب الأسطر منذ 15 سنة كيف أنّ شباب المسجد يومها كانوا يستعملون المنبر كسلم لتصليح السّقف واستبدال المصابيح وحين استنكرت عليهم ذلك ردّوا جميعا وباستهتار: إنّ المنبر لا يعدو كونه خشبة. حاولت يومها عبثا أن أبيّن لهم أنّ من الفقه أن نقول منبر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنّ المنبر للرسل والأنبياء والخلفاء والسّلاطين والأمراء بالإضافة إلى كونه وقف يجب احترامه وعدم التعدي عليه واستغلاله فيما لم يوضع له أصلا.
يذكر الفقهاء أنّ الإمام لا يحقّ له أن يصلي صلاة النافلة في المحراب لأنّه وقف على الإمام حين يصلي بالنّاس صلاة الفريضة ما يعني عظمة الوقف وخطورة المسّ به وبالوظيفة التي من أجلها بني و وضع.
الفساد الذي ينخر الأمّة عبر أفرادها وهيئاتها سببه التعدي على الوقف وانتهاك حرمته بزعم أنّه “بٙايْلٙكْ” بالتّعبير الجزائري العامي فتمّ على إثر ذلك سرقة المساجد والمستشفيات والجامعات والمدارس والملاعب والحدائق والطرقات والوزارات والمطارات والموانئ والملتقيات والمخابر العلمية والمطاعم وباسم الدين والعلم والصداقة والمصلحة والنتيجة أن انهيار كثير من القيم على أيدي “أصحاب القيم؟ !”.
أتذكر أنّي استنكرت على زميل لي في العمل منذ 8 سنوات استعماله لآلة النسخ لنسخ أوراق الحزب الذي ينتمي إليه أثناء إحدى الحملات الانتخابية يومها فردّ مستنكرا: ” فإن كلفتموهم فأعينوهم” وبهذه البساطة يتمّ الاعتداء على الوقف ونهبه باسم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهم منهم براء من سوء فعلهم والتعدي على الوقف.
خلاصة، شغلونا بالجزئيات التي قسّمت الأمّة إلى قبائل متناحرة والفساد ينخر الأمّة عبر السّطو ونهب الوقف والاعتداء عليه. والأمّة مطالبة أن تضرب بقوّة كلّ من يمسّ الوقف وأنّ فقه حرمة الوقف مقدّم على فقه الجزئيات لأنّ الوقف ملك أمّة لا يمكن التنازل عنه تحت أيّ اسم من الأسماء.