بحاجة لثورة في العقل
تاريخ النشر: 10/11/19 | 9:01بقلم : شاكر فريد حسن
تعيش مجتمعاتنا العربية في محن وأزمات ثقافية وسياسية وفكرية وحضارية، وتشهد منذ عقود طويلة الكثير من المشاكل والعوامل التي تهدد وحدتها البنائية ومستقبلها المنظور، وتواجه الغزو الثقافي المتعولم الذي يهدم القيم والعادات والأخلاق والعلاقات والمنظومة الاجتماعية، ويدفع بها نحو الاحتراب الداخلي والفوضى الخلّاقة والتمزق والتفكك الاجتماعي.
يضاف إلى ذلك محنة ومأساة الثقافة العربية وتهميشها، ومعاناة المثقفين العرب وسقوط العديد منهم في براثن التدجين، ناهيك عن تراجع الابداع الثقافي والفكري وفشل المشاريع الثقافية النهضوية والتنموية الإصلاحية، نتيجة النكسات والهزائم والخيبات التي منيت بها أمتنا وشعوبنا العربية.
من جهة أخرى تجتاح هذه المجتمعات ظواهر سلبية مدمرة وادران وأمراض اجتماعية مزمنة، وغارقة في غياهب الجهل والتخلف والأمية، وتتكاثر فيها قوى الظلام والارهاب والتطرف والتكفير والمتاجرة بالدين، والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا تتغير وتزداد سوءًا، وما الانتفاضات والحراك الشعبي والجماهيري الحالي في عدد من الاقطار العربية إلا تعبيرًا عن ذلك، وإن تغير شيئًا فهو القشور ليس إلا. فالأنظمة الحاكمة فاسدة، وهي بنيات مكتملة يستحيل تغييرها، وان تغيرت الشخصيات، ومن أجل التخلص منها نهائيًا فيجب اجتثاث كل رموز النظام وما يتعلق به من الجذور، واستبدال الثقافة والايديولوجيا السائدة.
لا يمكن إحداث التغيير المنشود والمطلوب والمرتجى في المجتمعات العربية بدون ثورة حقيقية في العقل والفكر، ثورة على التقاليد المتوارثة البالية والأفكار الجامدة المتحجرة، ثورة على المتاجرين بالدين والتفسيرات الخاطئة والمنحرفة لجماعات التكفير والارهاب والتطرف الديني، وثورة تنسف الأفكار والمعتقدات السلفية وتطيح بالخرافة والأسطورة، وبناء نسق معرفي مستنير يقوم على أعمال العقل وتنصب العقل امامًا وملكًا واميرًا.
ولكي تتخلص مجتمعاتنا العربية الحديثة من المكابدة ومن ازمتها الحضارية الفكرية، ففقط من خلال الثقافة العلمية والفكرية المستنيرة، التي لا تنعزل عن تراثنا ولا عن عصورنا وشعوبنا، وتعتمد الطابع الفلسفي المعرفي العميق المشبع بقيم الحرية والكرامة الإنسانية والأصالة العربية التاريخية، وقبل أن نبدأ بالثورة الثقافية والعلمية وعمليات الإصلاح الجذرية يتطلب منا أن نتخلص ونحارب الفساد الكامن في ذواتنا ونفوسنا.
…