شاعر من بلادي عبد الرحمن عواودة صوت الوطن والغضب والأمل
تاريخ النشر: 10/11/19 | 9:12بقلم : شاكر فريد حسن
شاعر وطني وطبقي ملتزم منحاز للوطن والجماهير والمستقبل، قادم من كفر كنا، قانا الجليل. ظهر على الساحة الأدبية الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي، ونشر قصائده في صحف ومجلات الحزب الشيوعي، وفي مجلة ” الآداب ” التي كانت تصدر في الناصرة، ومؤسسها الكاتب المرحوم عفيف صلاح سالم.
وبسبب نشاطه السياسي ومواقفه الوطنية والسياسية والفكرية، غمد عواودة في السجن، وخرج منه وقد صهرته المعاناة، التي صورها وجسدها في نصوص شعرية صادقة وعفوية، بعيدة عن التكلف.
صدر ديوانه الأول ” قصائد فلسطينية ” العام 1979، تبعه ديوانه الثاني ” أصحاب الأخدود ” العام 1980 عن دار ” الأسوار ” العكية، فديوانه الثالث ” الدخول في مجال الشمس ” العام 1983، وكنت كتبت عنه مقالة نقدية نشرت في مجلة ” الغد ” المحتجبة، التي كان يصدرها اتحاد الشبيبة الشيوعية، في عددها الصادر في تموز العام 1983، ثم انقطع عن النشر والنشاط السياسي لأسباب صحية.
تنوعت موضوعات عبد الرحمن عواودة وأغراضه الشعرية، وشغلته القضايا الوطنية والطبقية، ومأساة شعبه وهمومه وجراحاته، فغنى للوطن والتراب والأرض والعمال في أول أيار، وصور الآلام الفلسطينية، وكتب لبيروت الصمود، وعن مجزرة صبرا وشاتيلا.
وجاءت قصائده متأججة بالمشاعر الوطنية الصادقة، والتزامها السياسي الوطني الواضح، وزخمها العاطفي والوجداني الإنساني، واتسمت برهافة وصدق الاحساس، ورقة الألفاظ، ودقة الوصف والتعبير والتصوير، وشدة الايحاء، وعمق المعاني، ووضوح الصورة، وجلاء الرؤية والرؤيا، وابراز المكان الفلسطيني، وتوظيفه في خدمة غرض قصيدته.
عبد الرحمن عواودة شاعر مشحون بالغضب، يعانق الجرح، ويسكنه الألم، مكافح بالكلمة والقصيدة، ومبشر بالفجر والأمل وأمواج الحرية، شكلت تجربة الاعتقال مداميك انطلاقته الشعرية من خلف قضبان وأسوار السجن، وحوّل بكلماته ظلام السجن إلى نور ونار، وحازت الأرض والهم الوطني والإنساني والوجع الفلسطيني على فضاءات شعره، فكان دائم التسجيل والتوثيق الدائم، والتصوير الصادق لقضايا الوطن، مستنهضًا الشعب للكفاح والذود عن الهوية والمسائل الوطنية والطبقية، ونجده في قصائده ناطقًا باسم الفقراء والجياع والمسحوقين والشهداء والجرحى والأسرى.
ومن شعره هذه الأبيات التي تظهر هويته الطبقية، حيث يقول :
أنا عامل أنا كادح أنا ثائر- عرقي يسيل لكي يذود سواعدي
أنا ساعد، عرق القيود جميعها- أنا شعلة تزهو بها أعيادي
أنا ثورة جبّارةٌ عملاقةٌ- وانا الحياة وساعةُ الميلادِ
يا ثورة الغضب الجموح تفجّري- في داخلي، في منجلي في زادي
ثم يقول:
أنا قادم يومًا إليكِ محرّرًا- تلك الأسود ذخائري وعنادي
هذا دمي ملًا السماء مزغردًا- فتعسّفي يا طغمة الأسياد ِ
غَنّ رفيقي، إنَّ رايتنا عَلَت- وابشِرُ بفجرٍ دافقِ يا شادِ
وفي قصيدة أخرى يقول عواودة بكل الجرأة والتحدي والوضوح:
وانا حيفا ويافا إني- صاحب الحقل وهذا بيدري
لو ارقتم لي دمي في طلقةٍ- وجعلتم من دِمائي منزري
سوف تبقى ضَفّتي لي والذُرى- والثّرى الحاني وظلّ الشّجرِ
ولقصيدة عبد الرحمن عواودة طعم خاص ولون مميز، يجمع بين الصفاء والالتزام، نحس فيها بكل مرارة الواقع، والجرح الفلسطيني النازف، وبالقيمة الحقيقية للوطن، لا من حيث الكلمات فحسب، بل من حيث فلسطينيتها ومضامينها الوطنية والطبقية ذات الأبعاد والدلالات العميقة.
وتحية حب لعبد الرحمن عواودة شاعرًا جميلًا لم يأخذ حقه من الاهتمام النقدي، وله الحياة.