لماذا يسهل اختراقنا بقلم عفيف شليوط
تاريخ النشر: 17/11/19 | 9:05أحيانًا يؤلمني رد البعض على قضية معينة، ويؤلمني أكثر عندما تكون القضية مرتبطة بذات الشخص الذي يقول لي “ما لي ولهم، في النهاية أريد أن أعمل وأعتاش”. نعم، هذا هو حالنا اليوم، الانسان يبحث عن رزقه وشؤونه الفردية غير مدرك أنه جزء من هذا المجتمع، أبناءه جزء من هذا المجتمع، فمن الممكن أن يتعرض أبناءكم للقهر والاحباط من ممارسات لم تحاربها، ولم تحاول منعها.
من المؤسف أننا في عصر مختلف تمامًا عمّا كان في السابق، فالحق للأقوياء ولا يحق للضعفاء أن يطالبوا بحقوقهم، المنطق أصبح منطق القوة والاحتماء ب”العزوة”. المستقيم أصبح في نظر المجتمع ساذجًا، والمخادع “فهلويًا”، يعرف من أين تؤكل الكتف.
من السهل اختراقنا اليوم، لأننا أصبحنا أفرادًا، وكل فرد له مصالحه وحساباته. لم تعد تجمعنا إلا المصالح، أصبح منطق “ماذا أستفيد” هو الموجه لنا، وأصبحت المصلحة الشخصية فوق كل اعتبار.
يدوس منا البعض على أبناء جلدته من أجل الوصول لغايته، تعبير “ضمير حي” أصبح يحفظ بالمتاحف وتحول إلى جزء من تراثنا، من الماضي. لم تعد قضية تجمعنا، منطق “الأنا” هو المسيطر وهو الأقوى.
بعد هذا الاستعراض السريع نتوصل لنتيجة أن الانسان بشكل عام يسعى من أجل تحقيق مصلحته الشخصية، حتى لو كانت على حساب الآخرين. ولكن دعونا نفكّر سوية، هل يصلح هذا المنطق في المجتمع، حيث نحيا معًا حياة جماعية، ولا يحيا الفرد لوحده منعزلًا عن مجتمعه. ولنبدأ من العائلة، فهل يمكن مثلًا للأب أن يعمل في إطار العائلة على تحقيق مصالحه الشخصية مهملًا مصالح أفراد أسرته، أو مسؤول في مكان عمل يهمل شؤون عماله أو موظفيه، أو رئيس بلدية أو مجلس محلي يعمل فقط من أجل تحقيق مصالحه الشخصية مهملًا شؤون المواطنين.
هذه الفرضيات ممكنة، وتحدث، ولكن ما هي النتائج، ففي حال إهمال الأب لأفراد أسرته، مصير هذه الأسرة التفكك والضياع. ومصير مكان العمل الذي فيه المسؤول لا يعمل لصالح العاملين والموظفين، أن لا يشعر هؤلاء بالانتماء لمكان عملهم، وبالتالي إما يهملون في عملهم، وإما يبحثون عن مكان عمل آخر. أما إذا أهمل رئيس بلدية شؤون المواطنين، فلن يعيدوا انتخابه مجددًا لأنهم فقدوا الثقة به.
في المجتمع السليم الكل يعمل من أجل المجموع، فالأب يعمل لصالح أفراد أسرته عندما يضع مصلحة الأسرة في سلّم أفضلياته، ويضحي بمصالحه الشخصية من أجلهم. والمسؤول يولي إهتمامًا بشؤون العاملين، فإذا لم يشعر العامل بالأمان والطمأنينة، لن يتمكن من العطاء لأنه منهمك بالتفكير في شؤونه وإيجاد الحلول لمشاكله. وإذا شعر المواطن بأن رئيس البلدية أهمل شؤون مواطنيه وانشغل بتحقيق مصالحه الشخصية فلن يعيد الثقة به وسيبحث عن شخص آخر ليمنحه ثقته في الانتخابات القادمة.
هنالك مجموعات تبحث فيما بينها على مصالح مشتركة لتجمعهم، إلا أن هذه المجموعات تبدأ بالبحث عن مصالحها الشخصية كمجموعة، فتفكر كما يفكر الفرد، وتتصرف كما يتصرف الفرد، فيهملون مصالح مجموعات أخرى في المجتمع، مثل الأحزاب والطوائف والعائلات، فنتحول الى مجتمع عشائر وطوائف وهنا يتحول المجتمع الواحد الى فئات منقسمة متشرذمة، لا يوحدها وطن ولا مجتمع ولا بلد.
في المجتمع الاسرائيلي مثلًا ألا توجد أحزاب معينة تسعى لتقسيم موارد الدولة على أنفسهم ضاربين بعرض الحائط مصالح بقية فئات الشعب. وفي بلدياتنا ومجالسنا المحلية ألم يدمر رئيس بلدًا بأكمله لأنه استمر في نهج زعيم العائلة أو الحمولة وليس رئيسًا للبلد بأسره.
تحولت البلديات والمجالس المحلية من مفهوم مركز لخدمة المواطن، الى مصدر مالي لخدمة من يمسك بزمام أمور هذا المركز. وفي ظل وضع كهذا تضيع حقوق فئات معينة من المجتمع، وتضيع حقوق المخدوعين بوعود الرئيس الذي يفقد ذاكرة وعوده في لحظة جلوسه على الكرسي.