أعلام من فلسطين الشاعر والمناضل الأستاذ ” محمد علي” الصالح ( أبو عكرمة )
تاريخ النشر: 03/12/19 | 16:00شاكر فريد حسن
“محمد علي” الصالح هو أحد رموز الحركة الوطنية الفلسطينية، ومنَ المجاهدين الذين تركوا بصمات كبيرة في مقارعتهم الاستعمار البريطاني منذ أن عصف بفلسطين، ومن الرعيل الأول الذي ناضل وكافح الغزو الصهيوني لبلاده إبان الانتداب البريطاني على فلسطين مما جعله عرضة للاعتقال والتعذيب والنفي عدة سنوات .
ولد “محمد علي” الصالح في مدينة طولكرم عام 1907م وتخرج في الكلية الإسلامية في القدس عام 1927 م, و قد ساهم خلال دراسته في الكلية , و بالتحديد في العام 1925 , في تأسيس ” التجمع الطلابي الفلسطيني ” الذي شكّل النواة الأولى لإتحاد الطلبة الفلسطينيين, حيث انتخب رئيساً له. فقد عمل رئيسا لتحرير صحيفة ” صدى العرب ” التي كانت تصدر في شرق الأردن، والتي نبهت إلى الخطر الصهيوني والمشاريع الاستعمارية في فلسطين والمنطقة العربية وتوقفت عن الصدور بأمر من الأمير عبد الله ، في حينه ، عام 1928م .
كما انتخب “محمد علي” الصالح نائباً لرئيس مؤتمر الطلبة العرب الأول الذي عقد في يافا عام 1929, والذين شكلوا النواة الأولى والرئيسية في ثورة عام 1936، عبر المهام الوطنية التي قاموا بها وفي مقدمتها مقاومة الاستعمار البريطاني على فلسطين، ثم أصبح رئيساً للمؤتمر في الاجتماع الثاني الذي عقد في عكا في آب 1930والذي ضم عشرات الطلبة العرب الفلسطينيين من مختلف مناطق فلسطين التاريخية. وقد عمل محررا في صحيفة ” الجامعة الإسلامية ” ، حيث كان يكتب على صدر صفحتها الأولى مقالا يوميا بعنوان : ” حديث إلى الشباب “، والذي كان يدعو من خلاله إلى بث روح العزيمة والنضال في نفوس الشباب العرب، ويدعوهم لمواجهة الهجرة اليهودية إلى فلسطين والوقوف في وجه العصابات الصهيونية التي كانت تلتهم الأرض العربية وترتكب المجازر بحق المواطنين العرب في فلسطين.
لقد أسس “محمد علي” الصالح مدرسة الاستقلال في حيفا في العام 1933 والتي عمل من خلال إدارتها على إعداد الطلبة العرب وتعبئتهم وطنيا وفكريا في مواجهة السياسة الاستعمارية البريطانية في فلسطين مما حذا بسلطات الانتداب إلى إغلاقها واعتقاله ست سنوات في معتقل المزرعة في عكا مع احتدام ثورة 1936 . وبعد خروجه من السجن فرض عليه أمر الإقامة الإجبارية في طولكرم ، ثم قامت السلطات البريطانية بنفيه إلى غزة, و منها إلى النقب ، بعد أن أسس أول جمعية عمال فلسطينية في طولكرم عام 1943 وانتخابه رئيساً لها.
ومن خلال مسيرته النضالية واهتماماته السياسية والوطنية المناهضة للاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية على أرض فلسطين عمل “محمد علي” الصالح عضوا مؤسسا في حزب الاستقلال بزعامة عوني عبد الهادي والذي كان يدعو إلى الوحدة العربية كسبيل لإنقاذ فلسطين من خطر الصهيونية، وكذلك رئيسا للجان القومية في الهيئة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني، حيث قام مع عدد من رفاقه بزيارة معظم المدن والتجمعات الفلسطينية بهدف إعلان العصيان المدني والتحضير للإضراب الكبير الذي عم فلسطين في عام 1936. كما تم انتخابه عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني الأول الذي عقد في غزة عام 1948, والذي دعا إلى تشكيل حكومة عموم فلسطين التي أصبح فيها وزيرا للمعارف برئاسة احمد حلمي باشا .
وبعد حلول النكبة وهزيمة الجيوش العربية في حرب عام 1948 وسقوط البلاد بأيدي العصابات الصهيونية، وتهجير ما يقارب المليون فلسطيني إلى خارج ديارهم، كان “محمد علي” الصالح من أوائل القيادات الفلسطينية التي دعت إلى بحث موضوع التمثيل الفلسطيني، والحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال كيان وطني يمثل تطلعات الشعب العربي الفلسطيني، الأمر الذي أهله لأن يلعب دورا بارزا في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بحكم العلاقة الوطنية والنضالية التي ربطته بالمناضل الكبير احمد الشقيري الذي انتخب أول رئيس للمنظمة بعد انعقاد المؤتمر التأسيسي الأول عام 1964 بحضور المئات من الشخصيات الوطنية والنقابية والحزبية والذي أعلن فيه عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية ليصبح عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني.
وقد واصل “محمد علي” الصالح نضاله الوطني بقوة بعد نكسة حزيران عام 1967 واحتلال إسرائيل للأرض العربية في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، معلنا رفضه المطلق لسياسة الحكم العسكري الإسرائيلي ومطالبا بضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، وكذلك تأييده الواضح لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ليساهم بعدها في تشكيل قوائم الجبهة الوطنية لانتخابات المجالس البلدية والقروية في الضفة والقطاع في إطار منظمة التحرير الفلسطينية والتي جرت في عام 1975، والتي حققت فوزا كاسحا أمام تلك المدعومة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي والذي بدوره أخضعه للإقامة الجبرية مدة ستة أشهر.
ومع بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 أعلن “محمد علي” الصالح دعمه الكامل لهذه الهبة الجماهيرية والشعبية باعتبارها إحدى الوسائل الكفاحية للتخلص من الاحتلال البغيض، فكان أن زج أبناؤه في السجون الإسرائيلية لفترات طويلة وخضعوا للاعتقال الإداري لسنوات إلى جانب الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني البطل.
لقد كتب “محمد علي” الصالح الشعر الوطني المناهض للاستعمار البريطاني والداعي لتصعيد الثورة واستمرار النضال لطرد المستعمرين ، ولكنه لم يصدر مجموعة شعرية، وكتب عدة مقالات فكرية و ثقافية في الصحف والمجلات العربية آنذاك، طالب فيها بتوحيد العرب ورص صفوفهم لمجابهة أعدائهم ، وقد ذيّل بعض هذه المقالات بتوقيع : بدوي الوادي، وكان على صلة وثيقة بأقطاب السياسة والشعر والأدب في فلسطين أمثال : إبراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي ( أبو سلمى ) وعبد الرحيم محمود وحمدي الحسيني وأكرم زعيتر و سعيد بك العاص وسامي طه و أحمد الشقيري و محمد عزة دروزة و عوني عبد الهادي و محمد أديب العامري و فؤاد نصار و يعقوب الغصين و يعقوب العودات و بهجت أبو غربية و رشيد الحاج إبراهيم و عبد الرحيم الحاج محمد و الشيخ فرحان السعدي والشيخ عز الدين القسام وغيرهم من قادة العمل الوطني و النقابي و الثقافي في فلسطين قبل عام 1948م.
عيّن مديرا لمدرسة نور الدين زنكي في طولكرم حتى أحالته على التقاعد في العام 1971م . وقد انتخب منذ سنوات الخمسينات عضوا في المجلس البلدي في مدينة طولكرم أكثر من مرة . وهو والد الشاعر المناضل عبد الناصر صالح .
وقد وافته المنية يوم 10/3/1989 م .
من شعره :
الفلاّح للتاجر:
أُخَيَّ تعال نندبُ ذي البـلادِ ونبكي جُرحَها ملءَ الفؤادِ
فلا مالٌ لدى الفلاحِ فيــهِ يُطَوّرُ آلةً من عهدِ عـادِ
ولا خلٌّ يـؤازرنا بـرأي ويَنصرنا على بَطْشِ الأَعادي
التاجر للفلاح :
أُخَيَّ مُصابُنا قدْ حَلَّ حَقـاً وفينا قدْ سرى سُمُّ الفَسادِ
غَرقْنا في الكرى قَومي، فَهُبّوا جميعاً واسْتفيقوا منْ رُقادِ
إلى التُّجارِ ارفعُ جُلَّ قَـوْلي وأُعلي الصَّوتَ في كلِّ البوادي
الصانع : للفلاحِ والتاجِر:
ألا أخَويَّ ما خَطبُ البِلادِ وماذا قد جَرى من ذا السُّهاد
نَبَذْنا صُنْعَ أيدينا مَكانــاً قَصِيّـا وازْدَرَيْنا كلَّ هادي
تخَذْنا صُنع أعدانـا لباسـاً وصُنْعُ رجالِنا عَنّا بِـوادي
الوطن للجميع :
ألا صَحْبي أراكُمْ في حَديثٍ تَنالُ نِبالُهُ أهلَ الفَسادِ
بَنو الأبطالِ إنّا إنْ غَضِبْنـا نُقَتِِّلُهُمْ.. بأسيـافٍ عِنـادِ
فَتحنا المشْرِقَيْنِ بِحَدِّ عَضْبٍ فجاءَ الكَوْنُ طُرّا بانْـقِيادِ