الشاعر الغنائي اليافي جميل دحلان
تاريخ النشر: 08/12/19 | 11:04بقلم : شاكر فريد حسن
هو جميل جورج دحلان ابن عروس البحر يافا، الصوت الشعري الرقيق الرهيف، والفنان عازف العود القدير، وكاتب الأغاني وملحنها، الذي جمعتني به علاقة طيبة ووطيدة في سبعينات القرن الماضي، وكنا تبادلنا الزيارات، وكم جلسنا معًا في شرفة بيته المطل على بحر يافا الساحر، نتبادل الأحاديث عن الأدب والفن وشؤون الثقافة والهموم الأدبية. وقد ترك جميل البلاد وهاجر الى بلاد العم سام أميركا، ومنذ ذلك اليوم انقطعت أخباره عنا، وحاولت السؤال عنه الاصدقاء ولكن دون جدوى.
ولد جميل دحلان في القدس عام 1930، وأتم دراسته في الكلية الانجليزية بالقدس، عاش حياته في يافا، مارس مهنة التعليم في باقة الغربية ويافا والرملة، وأسس فيها فرقة ” العنادل ” للموسيقى الشرقية. واشغل سكرتير تحرير لمجلات دار النشر العربي ” لأولادنا ” و” زهرة الشباب” ثم ” مجلتي “.
نشر دحلان قصائده وأشعاره وخواطره ومقالاته في الصحف والمجلات المحلية، منها : ” الجديد، اليوم، الانباء، الشرق، والسلام والخير ” وغيرها.
صدر ديوانه الأول ” الطريق إلى القلوب ” سنة 1965، ثم صدر له كتاب ” من عندي ” وهو خواطر في الأدب والنقد، و ديوان شعر بعنوان ” مغاني الربيع “.
يمتاز شعر جميل دحلان بالروح الانسانية الحميمة الدافئة، والرومانسية الجميلة، وبرقة الألفاظ، ووضوح المعاني، وصدق الاحساس، وعذوبة الموسيقى الغنائية. ويتمحور حول مواضيع انسانية ووطنية وعاطفية ووجدانية واجتماعية وغزلية ناعمة وشفافة. كتب عن الحب والوطن والأرض والعمال والكادحين والفتاة العاملة، وعن اللاجئين وحنينهم إلى الديار، وحاكى الطبيعة وموج البحر، ووصف الربيع، وأنشد كثيرًا للأم الحبيبة، ونادى بالتسامح والخير والسلام والتمسك بالقيم الجميلة. وتغنى بمجد يافا التي تبكي الزمان المتقلب، فيقول في قصيدته ” يافا ومهازل الزمان ” :
يافا على شط الجمال مقيمة– تبكي زمان المجد حين تبددا
كانت على شط الطبيعة ويحها– ملكا تهادى بالجمال فاسعدا
يافا الجميلة أي أرض مثلها– كانت وما زالت وربك معبدا
وهو يخلد يافا في قلبه ويردد اسمها الحلو مدى حياته، كيف لا وهي أصله ومنارته :
يافا أحبك ما حييت فأنني– أبدا أردد اسمك المتمجدا
يافا خلودك في الفؤاد مكانه– وجلال مجدك بابه لن يوصدا
ومن قصائده عن اللاجئين الفلسطينيين الذين تركوا ديارهم بفعل النكبة التي ما زالت متواصلة، قصيدة ” لاجئ ” حيث يقول بكل أسى وشجن :
أنا لاجئ في الخيمة السوداء– قلبي يئن لقسوة الأنواء
أنا مثقل صدري يضيق بحرقة– ويعجّ في قلبي أسى البلواء
يرنو إلى الوطن المحبب ناظري– أصبو إلى داري بكلّ رجاء
سأظل أنشد في المضارب غنوة– وأذيب صرح الكون عند غنائي
وأسير في أملٍ وقلبي حالمٌ–بالعيش في البيت الجميل النائي
وتطغى الرومنطيقية على أشعار جميل دحلان، ويبدو ذلك جليًا في قصيدته ” عند الغروب ” التي يصف فيها منظر غروب الشمس، الذي هز شعوره وجعله يكتب قصيدته:
الشمس تزحف للغروب بثوبها الزاهي الحنون
والكون يلتحف الضياء به المفاتن والفنون
سأظل أنشد للغروب وأردد اللحن الطروب
ويشدو جميل دحلان للحب، وغزله ناعم شفاف إلى أبعد الحدود، يدغدغ العواطف ويلامس الشعور والوجدان، ولنسمعه في هذا البوح الجميل :
ليلاي في قلبي جمال المآرب– حب وأنغام تعالي واسمعي
تيهي على لهف ولكن ارجعي–للقلب يا ليلى هدوء المضجع
تيهي دلالًا يا أماني واملئي–صدري غرامًا ثم لا تترفعي
يا كل آمالي وكل بشاشتي–ونداء قلبي في الوجود الأرفع
وأكثر شيء تغنى به دحلان هو شرف الأمومة وقدسيتها، فقد كرس لها الكثير من القصائد والأشعار، وكان يهديها كل عام قصيدة في عيد الأم، ومن جميل ما قاله في ست الحبايب الغالية :
أمي التي في خاطري وفي فمي– أحبها والحب يجري في دمي
ويضيء فيها ما يضيئ بناظري– ويبين فيها كل نور ملهم
ست الحبايب بات في أعماقها– طيب يجّلل قلبها المتكرّم
ست الحبايب قد ضممني صدرها– فلقيت خلف الصدر أحلى مغنم
ست الحبايب رحت أسأل قلبها–فأجاب : إني في حماها أحتمي
ست الحبايب مبعث لبشاشتي– ومعينها في قلبي المتحطّم
ويهزج جميل دحلان لوطنه ويحدو لعروس الشرق وزهرة المدائن وقبلة الدنيا ” القدس “، بأرق ما يجيش به صدره من اعتزاز ووطنية وانسانية وعروبية، فيقول:
وطني والقدس نداء فمي–معطار يموج به نغمي
سطرت فخارك بالقلم– وجلالك مكتوب بدمي
وطني يا موطن أجدادي– يا قبلة روحي وفؤادي
وكانت مجلة ” السلام والخير ” قالت عن قصيدته ” طريقنا الجديد ” المنشورة على صفحاتها في عددها الصادر في تشرين الاول عام 1975 : ” واليوم يطل علينا الشاعر جميل دحلان من جديد، بقصيدة حريرية الجرس، هفهافة الوزن، موسيقية الالفاظ كأنها قلبه ينتفض حياة وراء التعابير. واي انتفاضة ! انتفاضة ناعمة، رقيقة، حالمة، انتفاضة النشوان المتيم طربًا وهيامًا، ولكن على خفر وبراءة، شأن الحسناء الفتية وقد أهوت بيديها على وجهها استحياءً، فزادها الخفر ملاحة فوق ملاحة ! “.
وفي الاجمال، جميل دحلان شاعر وجداني وإنساني أنيق، جميل الصور، شفاف، يتسم بطاقة شعرية ومقدرة لغوية، غنائيته وموسيقيته من السهل السلسال الذي يداعب المشاعر ويدخل القلب دون جواز مرور، ومن خصائص شعره الطابع العاطفي والتأملي الوصفي، الذي يتجلى في رقة في العاطفة والحس الشاعري والتأمل الخيالي العميق، ما بعدها رقة ، حيث الشعور الوجداني، وجمال الحرف والتعبير، والشوق والحنين العشقي، وكل ذلك في نغمات عذبة وألحان شجية.