“دور الإعلام وتأثيره في دعم قضية الاسرى” “الإعلام الجزائري نموذجاً”
تاريخ النشر: 10/12/19 | 11:37د. خالد أبو قوطة: أستاذ ورئيس قسم الإعلام بكلية فلسطين التقنية
مقدمة:
فرضت قضايا الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال على وسائل الإعلام العربية والأجنبية المختلفة ضرورة الاهتمام بها؛ لما تبعها من فعاليات يقودها الأسرى أنفسهم في سجون الاحتلال من جهة، وفعاليات جماهيرية في جميع المحافظات الفلسطينية تأييداً ودعماً لصمودهم من جهة أخرى، حيث تُشَكِّل قضايا الأسرى الفلسطينيين مواد إخبارية هامة تقدمها وسائل الإعلام العربية والأجنبية للعرض والتحليل والمناقشة، لذا سعت هذه الدراسة إلى رصد وتحليل خصائص وسمات المعالجة الإعلامية لقضايا الأسرى في الإعلام الفلسطيني والعربي والأجنبي، وتحديد الدور الذي تؤديه في إمداد الجمهور الفلسطيني بالمعرفة نحو هذه القضايا.
وقد اعتمدت الدراسة على النشرات الإخبارية في “قناة فلسطين الفضائية وقناة الجزيرة وقناة BBC العربية” لتحليل معالجة قضايا الأسرى الواردة فيها لمدة خمسة شهور عام 2015م وتم تطبيقها مرة أخرى عام 2018م أثناء فترة إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام على عينة مختلفة من وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والأجنبية، وتوصلت إلى مجموعة من النتائج على النحو التالي:
1- حجم الاهتمام بتناول وتقديم قضايا الأسرى في الإعلام الفلسطيني والعربي والأجنبي.
اتضح من خلال الدراسة أن وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والأجنبية لم تعطِ اهتماماً كبيراً لأخبار الأسرى الفلسطينيين وقضاياهم، مع تفاوت نسب الاهتمام بينها، فيتضح تركيز الإعلام الفلسطيني والعربي إلى حد ما بتقديم قضايا الأسرى الفلسطينيين خلال الفترات التي خاض فيها الأسرى إضراباً مفتوحاً عن الطعام اعتراضاً على سياسة الاعتقال الإداري والمطالبة بتحسين ظروفهم الحياتية داخل السجون. في حين انخفضت أخبار الأسرى بشكل كبير في الإعلام الفلسطيني والعربي بعد انتهاء الإضراب.
فالاهتمام موسمي وروتيني في معظم الحالات، أو في حالة الإعلان عن أنشطة أحد المؤسسات والمراكز المهتمة بقضايا الأسرى، لتصبح أخبار الأسرى في مجملها أخبار علاقات عامة بالدرجة الأولى، لأن قضايا الأسرى وما صاحبها من نشاطات شعبية فرضت نفسها على الإعلام الفلسطيني والعربي فقط دون الإعلام الأجنبي؛ وكان هذا الاهتمام نابعاً من حجم المشكلة وليس من اهتمام الإعلام بمعالجة قضايا الأسرى وفق خطة إعلامية مدروسة واستراتيجية محددة وأهميه توليها لمعالجة هذه القضايا.
فلا يوجد حضور فِعلي لقضايا الأسرى الفلسطينيين على المستوى المحلي والعربي والدولي وفق سياسة إعلامية محددة، وهناك ضعفٌ كبير في تناول وعرض تلك القضايا، إضافة إلى وجود تباين في معالجتها لقضايا الأسرى سواءً في عدد الأخبار أو المساحة الزمنية المُفردَة لها أو تقديمها في مقدمة النشرة أو ذكرها في موجز النشرة على سبيل المثال.
وإنصافاً للحق دعوني أستثني إعلام دولة الجزائر الشقيقة الذي تميز وانفرد دون سواه على المستوى العربي والدولي في تناول قضايا الأسرى وفق خطة وسياسة إعلامية من حيث الحجم والمحتوى والاستمرارية، فأخذت الصحف ووسائل الإعلام المختلفة تُعِد التقارير المختلفة التي تفضح جرائم المحتل بحق الأسرى الفلسطينيين، حيث انها تمنح هذه القضايا 16 صفحة في الجرائد والصحف اليومية إضافة إلى الملاحق الخاصة الصادرة عن هذه الصحف ومنها صحيفة ” الحوار والوسط والمواطن والبلاد والسلام اليوم والعالم” وأهمها “صحيفة الشروق الجزائرية وصحيفة التحرير وصوت الاحرار والمغرب الاوسط واخبار اليوم والمشوار السياسي وصحيفة الإخبارية”، وهى صحف يومية تفسح مساحات مهمة يومياً لمتابعة الاخبار والتقارير والمقالات والدراسات والملاحق الشهرية التي تتعلق بالأسرى الفلسطينيين إلى جانب القنوات الجزائرية الحكومية والإذاعات المحلية التي تفرد مساحات زمنية واسعة لتناول وعرض هذه القضايا المختلفة، ويتم ذلك بالتنسيق مع الأخ “خالد صالح” مسؤول ملف الأسرى في سفارة فلسطين بالجزائر.
2- أنواع قضايا الأسرى التي قدمها الإعلام الفلسطيني والعربي والأجنبي:
·أوضحت نتائج الدراسة وجود فروق واضحة بين الإعلام الفلسطيني والعربي والأجنبي في اختياره لنوعية قضايا الأسرى التي يهتم بتقديمها، فجاءت الأحداث والقضايا الاجتماعية والنفسية في مقدمة تلك القضايا، يليها القضايا الأمنية، ثم القضايا السياسية، ثم القضايا العسكرية، وأخيراً القضايا الاقتصادية.
·فقد تناول الإعلام الفلسطيني والإعلام العربي جميع هذه القضايا، أما الإعلام الأجنبي فلم يتناول قضايا الأسرى الإنسانية والأمنية والسياسية والاقتصادية مطلقاً، وإنما ركَّز على القضايا العسكرية وكأنها تعمل على إقصاء الانتباه عن جوهر هذه القضايا، فلم يقدم معاناة الأسرى من داخل السجون أو معاناة ذويهم والذي يمكنه إضفاء معانٍ وبعد إنساني لقضاياهم.
ومن الملاحظ أن قضايا الأسرى وموضوعاتهم كانت تبرز في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية وتنتهي بانتهاء الحدث، فقضية إضراب الأسرى عن الطعام واستمرارها لمدة طويلة وازدياد الاهتمام الإعلامي بها من قبل الإعلام العربي إلا أنه لم يتم التطرق لها مرة أخرى بعد تعليق الأسرى لإضرابهم. فالإعلام الفلسطيني والعربي يعاني من ضعف حقيقي في تناول قضايا الأسرى الفلسطينيين تمثل في غياب خطة إعلامية نحوها، وتركيزها على قضايا محددة على حساب قضايا أخرى؛ لذا فهي لا ترتقي إلى مستوى تضحيات الأسرى أنفسهم، كما أن هناك غياب للحملات الإعلامية التي من شأنها أن تنقل معاناة الأسرى كقضايا إنسانية بالدرجة الأولى.
3- تنوعت المعالجة الاعلامية لقضايا الأسرى بشكل واضح بين الإعلام الفلسطيني والعربي والأجنبي من حيث:
·قدم الإعلام الفلسطيني والعربي أكبر عدد من أخبار الأسرى التي تعرض القضية من جانب واحد تمثل في الجانب الفلسطيني. في حين ركز الإعلام الأجنبي على أكبر عدد من الأخبار التي تعرض القضية من جانبين تمثلت في وجهة النظر “الفلسطينية / الدولية” ووجهة النظر “الفلسطينية / الإسرائيلية”. فيوجد تقارب بين الإعلام الفلسطيني والإعلام العربي في عرض قضايا الأسرى من وجهة النظر الفلسطينية رغم الاختلاف الواضح بينهما في طرح القضية فكل وسيلة إعلامية تركز على عرض القضية من وجهة نظر السلطة أو التنظيم أو الحزب الذي تنتمي إليه أو تؤيده.
· قدم الاعلام العربي والأجنبي أكبر عدد من أخبار الأسرى التي تعرض المشكلة وأسبابها فقط، في حين قدم الإعلام الفلسطيني أكبر عدد من الأخبار التي تعرض لإحصائيات ذات علاقة بقضايا الأسرى بهدف إظهار حجم معاناتهم، ولكن ينتج عنها سلبيات تتمثل في التعود عليها وإحداث تأثيرات عكسية غير مرغوبة لدى الجمهور الفلسطيني، فيصبح لديهم لامبالاة وشعور باليأس من حل قضية الأسرى أو التخفيف من معاناتهم، كما أنها تجسد قضيتهم في أرقام يتم تناولها عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ مما يفقدهم آدميتهم ويتساوق ذلك دون قصد مع أهداف سلطات الاحتلال في تحويل قضيتهم إلى مجرد أرقام، فمن المفترض عرض قضايا الأسرى بالأسباب وحلولها معاً لزيادة قدرة الجمهور الفلسطيني على فهم الموضوع وإدراك حجم المعاناة التي يعيشها الأسرى داخل سجون الاحتلال، فكل فلسطيني معرض للأسر ويجب أن يكون على معرفة كاملة بما يدور داخل السجون الإسرائيلية.
4- قدم الإعلام العربي والأجنبي أكبر عدد من الأخبار التي لم تحدد الدور المطلوب لخدمة قضية الأسرى، في حين قدم الإعلام الفلسطيني وعلى رأسه قناة فلسطين الفضائية أكبر عدد من الأخبار التي تحدد الدور المطلوب من المجتمع الدولي لخدمة قضية الأسرى وتجاوز سلبيتهم اتجاهها، والضغط على إسرائيل للإفراج عنهم، وتمثل ذلك في مجموعة من المناشدات للمؤسسات والهيئات الدولية بالضغط على الحكومة الإسرائيلية للتخفيف من معاناة الأسرى وذويهم والمطالبة بالإفراج عنهم.
5- اشتملت التغطية الإخبارية في الإعلام الفلسطيني والعربي على شخصيات محورية، وكانت الشخصيات الفلسطينية في مقدمتها وتمثلت في المواطنين والمسؤولين الرسميين والمختصين والباحثين بشؤون الأسرى وزعماء الفصائل والأحزاب والأسرى المحررين والمسؤولين غير الرسميين، واحتلت الشخصيات الأجنبية الترتيب الثاني ثم الشخصيات الإسرائيلية وأخيراً الشخصيات العربية الرسمية وغير الرسمية، في حين أنَّ الإعلام الأجنبي اعتمد بشكل كامل على المواطنين الفلسطينيين كشخصيات محورية.
6- اعتمد الإعلام الفلسطيني والعربي والأجنبي بشكل كبير على المصادر الإعلامية الإسرائيلية في تناولها لقضايا الأسرى، حيث نقلت عن صحيفتي هآرتس ويدعوت أحرنوت، والقناتين السابعة والثانية، والإذاعات الإسرائيلية، فنقلت عنها قرارات الكنيست الإسرائيلي، وتصريحات القيادات الإسرائيلية، وبيان نقابة الأطباء الإسرائيلية بخصوص الأسرى الفلسطينيين، وقدمت صور الأسرى المضربين عن الطعام المتواجدين في المستشفيات الإسرائيلية؛ ويدلل ذلك على عدم تغطية وكالات الأنباء الأجنبية العالمية لهذه القضايا الناتج عن عدم اهتمامها بها.
المقترحات والتوصيات.
·على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والرقمية الفلسطينية والعربية تخصيص نشرات إخبارية يومية ثابتة وكذلك إفراد صفحات في الصحف المحلية لمختلف قضايا الأسرى الفلسطينيين وذويهم مثلما فعلت وسائل الإعلام الجزائرية، بحيث تتناول قضاياهم من منظور إنساني دون مبالغة، فالإعلام الفلسطيني أحوج ما يكون لأن يؤدي دوره بمهنية وشفافية ومسؤولية، إدراكاً منه واستحقاقاً لحساسية المرحلة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة.
·على السلطة الوطنية والحركات والأحزاب والفصائل الفلسطينية العمل على تدشين وسائل إعلامية متنوعة تختص بشؤون الأسرى الفلسطينيين وقضاياهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي على كافة المستويات الحكومية والحزبية والخاصة، بهدف تسليط الضوء عليها لتبقى على سلم أولويات الجمهور الفلسطيني والعربي والأجنبي إن أمكن، بحيث تضع الجميع أمام مسؤولياته وواجباته تجاهها بما يوازي حجم الانتهاكات والجرائم التي يتعرض لها الأسرى في سجون الاحتلال.
·حث الكادر الإعلامي الفلسطيني والعربي والأجنبي على الاهتمام بقضايا الأسرى والعمل على تفعيلها وتطوير تغطيتهم الإعلامية لها، فمن المفترض على الجانب الإعلامي الذي يتناول قضايا الأسرى أن يكون على قدر من المهنية والكفاءة العالية، وتتوافر لديه الخبرة والمهارة المتخصصة في إيصال صوت الأسرى الفلسطينيين للمجتمع العربي والدولي وجذب الأنظار إلى قضاياهم العادلة.
·إيجاد استراتيجية إعلامية فلسطينية وعربية تهدف بشكل أساسي إلى تدويل قضايا الأسرى الفلسطينيين، واستنهاض همم المجتمع العربي والدولي، لإنجاز قرار دولي يقضي بإجبار مصلحة السجون الإسرائيلية على تطبيق بنود اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة على الأسرى الفلسطينيين.
·على السلطة الوطنية والحركات والأحزاب والفصائل الفلسطينية إيجاد استراتيجية إعلامية فلسطينية موحدة تهدف بشكل أساسي إلى كشف حقيقة الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى الظهور في دور الضحية ويتغنى بالإنسانية من خلال خطابه الدعائي باللغة العربية والأجنبية، والعمل المتواصل لفضح الممارسات الإسرائيلية ضد الأسرى في المحافل الدولية، وتطوير آليات الوصول والانتشار والاستفادة من أدوات الإعلام الجديد لإبراز قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
·على وسائل الإعلام الفلسطينية بالتعاون مع وزارة الثقافة ووزارة الخارجية الفلسطينية والنقابات والجهات ذات العلاقة بقضايا الأسرى إنشاء مرصد إعلامي فلسطيني بجميع اللغات تتوحد فيه إحصائيات ذات علاقة بالأسرى الفلسطينيين تتضمن كافة المعلومات التفصيلية عنهم وعن السجون الإسرائيلية، والعمل على توحيد جميع المؤسسات والجمعيات الفلسطينية والعربية والأجنبية المهتمة بقضاياهم في جسم واحد، ومحاولة الاستفادة من أدوات الإعلام الجديد لإبراز قضاياهم.