نادرة شحادة على ضفاف الإبداع
تاريخ النشر: 11/12/19 | 13:47بقلم : شاكر فريد حسن
نادرة الياس شحادة شاعرة مسكونة بحب الحياة والإنسان، لها بصمتها المميزة وهويتها الإبداعية الخاصة، التي تجعلها تتفاعل مع الوجود برؤية شاملة، ومنظور متجدد، وتمد تجربتها بنسغ إيحائي خصب لا يضمحل، ومعين رؤيوي متجدد.
نادرة شحادة من بلدة كفر ياسيف في الجليل، خريجة مدرسة يني يني الثانوية، وكلية الهندسيين – التخنيون في حيفا، عملت في مجال الهندسة فمجال الغرافيكا المحوسبة، ثم سكرتيرة جمعية ” ابداع ” رابطة الفنانين التشكيليين لرعاية وتطوير الفن في الوسط العربي.
بدأت كتابة الشعر وهي على مقاعد الدراسة الابتدائية، واغنت موهبتها بالقراءة والممارسة، لكنها توقفت فترة من الزمن بسبب انشغالها في الدراسة الجامعية وعملها بمجال اختصاصها، وقبل عقد من الزمن عادت مجددًا إلى ممارسة الكتابة الشعرية، ونشرت كتاباتها في صحيفة ” الاتحاد ” و ” الحقيقة ” و” كل الناس ” و ” البيان ” ومجلتي ” مواقف ” المحتجبة و ” الإصلاح ” وفي عدد من المواقع الالكترونية المحلية. ورغم رصيدها الشعري إلا أنها لم تصدر أي ديوان حتى الآن .
تتناول نادرة شحادة في قصائدها موضوعات وقضايا إنسانية واجتماعية ووجدانية وعاطفية، وتطرح هموم الإنسان وعذاباته، والقهر والظلم والوجع البشري، وقضايا الوطن والمرأة، وتكتب في الحب والغزل والجمال، وتحاكي الطبيعة والبحر والموج والنجوم.
وهي تمتلك حرارة التجربة في أدق تفاصيل المحنة التي تحيط بالإنسان العربي في رحلة البحث عن الحرية والحياة، وتنتقي كلماتها بعناية وبساطة، وتذهب بنا إلى عوالم مشدودة بجبال من الدهشة والتأمل.
وعند قراءتنا لنصوص نادرة شحادة نحس ونتذوق نكهة مميزة للشعر على مستوى المضمون وعمق البعد والإحساس الشعري التخيلي والرهافة والكثافة والتجلي والجمالية الشعرية. نقف أمام شعر وجداني وإنساني زاخر بالحيوية والحركة والعاطفة الصادقة واللغة الايحائية الرشيقة الممتعة الشفافة.
إنها تخرج كلماتها من بين سجايا وثنايا اللحظة الشعورية بصورة عفوية، مشحونة بالمشاعر الجياشة النابضة، غنية بالخيال الخصب، وأناقة الأسلوب، وتدفق الأفكار النيرة ذات النزعة الإنسانية، ومزدحمة بالصور الشعرية الخلابة في بناء لغوي سليم محكم ومتين.
وما يميز قصائدها الصدق والانفعال العميق، حيث تسمو إلى أرض التجليات الإبداعية بأسلوبها التعبيري الانيق المفعم بالإيحاءات والدلالات والاستعارات البلاغية والرؤيا الوصفية، بعيدًا عن المباشرة واجترار المفردات.
ومن انتاجها الشعري نسوق هذه المقاطع من قصيدتها ” على ضفاف الرحيل “، ذات الرونق التصويري والتعبيري والسلاسة وشفافية المعاني وابتكار الصورة والموسيقى العذبة، التي تعكس فرادتها وتميزها في مجال التعبير والبوح الرهيف .. حيث تقول :
أرى في عينيكَ ما اريدْ
دمعٌ بلون البرق يلمع
يترقرقُ بين الجفونِ كأنَّهُ
نهرٌ من الآهاتِ
على صفحات الخد يسطعُ
لا يهابُ البوحَ
——-
سافرَ في اغترابِ الوقتِ
وملَّ انتظارَ المواعيدْ
يجمعُ قواهُ الخائرة
فوقَ ظلالٍ
من رمادْ
تتجمعُ في ذاكرةٍ قديمةٍ
بحجمِ الزمانْ
ترفضُ النسيانْ
لتصحوَ من جديدْ …
*****
فأقرأْ ما تبقّى في زمانِكَ
مِن عتابْ
ولا تهابِ الصمتَ لا ….
ولا حُسنَ الحوارْ
فانتَ بينَ خيارينِ اثنينِ
إمّا أن تتابعَ المسيرْ
أو أن تغيّر المسارْ …
لا تنتمي الى أحاسيسِكَ الباليةْ
المجرّدةِ من وساوسِ الأنينْ
طالما نحنُ حيارى
في زمنِ الغيابْ .
******
هل أتعَبكَ السَّفرْ
ما زلتَ تبحثُ عن الحقائقِ الوردية
في الاحلامِ المشبعةِ بالضجيجْ
تسيرُ تائهاً في الخُطى
على حافةِ الآمالِ ترقصُ
تحتَ زخّاتِ المطرْ …
أتعبَكَ السّفَرْ ؟
تتجولُ في الحقولِ على مراحلْ
تجمعُ الهواءَ الملوثَ
في ذاكرةِ الزمانْ
قصائد نادرة شحادة بالمجمل رومانسية، غاية في الجمال والروعة والتوصيف، عذبة، سلسة الأسلوب والانسياب اللفظي، والموسيقى الأخاذة، وذات نزعة إنسانية وأبعاد فكرية وفلسفية، مترعة بالإحساس العالي، فيها الرؤى الخيالية والتكثيف في التعبير والتأمل، ومناجاة الطبيعة ووصف سحرها وجمالها وأسرارها. وفي الختام ، نادرة شحادة شاعرة حالمة رهيفة الحس بارعة في اقتناص الكلمات والتقاط الحروف، تبحر على زورق من الجمال والاحلام والإبداع، وتحملنا معها إلى فضاء شاعري ساحر يأسرنا طويلًا. فلها أرق وأجمل التحايا، وتمنياتنا لها بالنجاح والاستمرارية والمزيد من العطاء والتألق، وبانتظار باكورة أعمالها الشعرية.