قصائد درويشيّة مغنّاة
تاريخ النشر: 11/12/19 | 13:54سنحت لي الفرصة لأعيش أمسية قصائد مغنّاة لمحمود درويش على منصة مسرح الكرمة الحيفاوي يوم السبت 07.12.2019 تلبية لدعوة صديقي د. نبيل طنوس، رتّبتها جمعيّة
أورفيوس (جمعية وضعت نصب عيون مؤسّسيها نشر الثقافة الموسيقيّة المتعدّدة الحضارات، نشر الانفتاح الحضاري وترسيخ الوعي بالموسيقى كنتاج إنساني حضاري ودعم الانفتاح الحضاري عامة ويديرها دعيبس عبود. تعمل الجمعية على تحقيق أهدافها عن طريق إحياء كونسيرتات بأحجام وأشكال مختلفة، منها كونسيرتات لموسيقى الصالة وأخرى سمفونيّة. يتركز جل اهتمامها بالموسيقيّين العرب الذين يكرّسون حياتهم للموسيقى الكلاسيكيّة الغربيّة.(
حاول زعران اليمين الفاشي إلغاء العرض لأنّ محمود درويش، رغم رحيله، يخيفهم؛ السياسة التي تنتهجها المؤسّسة الإسرائيليّة معروفة، يحاولون تشويه تاريخنا وطمس معالمنا لاعتقادهم بأنّ هذا كفيل لجعل شعبنا ينسى تاريخه، قالت غولدا مئير يومًا: “كبارهم سيموتون وصغارهم سينسون”. يعتقدون أن التاريخ لهم وحدهم، ولا أحد غيرهم مرّ عبر بوّابته، يحاولون طمس ذاكرتنا الجماعيّة وكيّ وعيِنا واحتكار دور الضحيّة، لكنهم لا يعلمون أنّ إرادة الحياة هي ملك شعبنا. ردّنا كان حضور العرض لتكون الأمسية صرخة مدوية ومجلجلة: هنا باقون!
كُرّست الأمسية لقصائد مغنّاة لمحمود درويش قام بتلحينها الفنّانان وسام جبران ونزار الخاطر وغنّتها أوبراليًّا الفنانّة نور دراوشة وبديلتها أييلت كوهن ورافقهن العزف على البيانو نزار الخاطر ورون طراخطمان، وكذلك معزوفات لفريدريك شوبان ولودفيغ فان بيتهوفن برفقة العازفين على التشيلو يوني عتسيون وعلى الكمان جاي فيجر.
يقول د. نبيل طنوس الذي ترجم القصائد المغنّاة للعبريّة أنّها كُتِبت في فترتين حياتيّتين مختلفتين:
الفترة الأولى سنة 1969 قبل خروجه من البلاد من ديوان “العصافير تموت في الجليل” وهي القصائد : “لوحة على الجدار”، “مطر ناعم في خريف بعيد”، “سقوط القمر”، “المطر الأوّل”، “الدانوب ليس أزرق”؛ في تلك الفترة، في الوطن، اتسم شعره بالتكون وبداية وعيه بقضية وطنه وانتمائه تحت سلطة الاحتلال، واتسم عندها بالماركسيّة ومال للتيار الرومانسي في الشعر العربي المعاصر مقتديًا بشعراء أمثال نزار قباني، وكان نصّه الشعري مباشرًا وواضحا. نجد في قصائد هذه الفترة تكرارا لكلمات سوداويّة وحزينة مثل: خريف، بعيد، غريب، مغيب، غائبين، حزين، وداع، غروب، هجرة، ذبول، قيود، صليب، عذاب، موت، جثة، قبر، نار وغيرها.
الفترة الثانية سنة 1992 عندما مكث في باريس من ديوان “أحد عشر كوكبا” وهي القصائد: “أنا واحد من ملوك النهاية” و”ذات يوم، سأجلس فوق الرصيف”؛ تميزّت بالوعي الممكن والحلم الإنساني – خاصة في باريس. تُعتبر مرحلة الإقامة في باريس مكاناً خاصاً يميّز تطوّر قصيدة درويش، فقد ساعد تميز هذه المدينة بصفتها عاصمةً للكتابة والأدب والفنون بوجود عدد كبير من المثقفين والمراكز والمواقع الثقافية على الاندماج في الحياة هناك، مما ساهم في إعطاء أشعاره في هذه المرحلة تألقا وجمالا وتميزاً له خصوصيته، في هذه المرحلة وظّف رموزاُ من الأساطير اليونانية والعالمية كتجارب إنسانية ووظف رموزاً متعلقة بالحضارة العربية لعل هذا التشابك بين الحضارات يؤدي إلى فهم ما يجري وما جرى مثلا في الأندلس في العصور الوسطى، فترة اعتبرها الكثيرون العصر الذهبي في التاريخ العربي.
شمل العرض عزف على البيانو لنوكتورن رقم 1″موسيقى ليليّة” وبلادا رقم 3 لفريدريك شوبان، وثلاثيّة بيتهوفن – ثلاثية للبيانو والكمان والتشيلو لمعزوفة “الشبح “: سريع وحيوي لحدٍّ ما، بطيء جدا ومُعَبِّر.
حين حضور العرض جاءني ما كتبه صديقي الروائي مشهور البطران في رواية “أوبرا القناديل”, فالرد على العنصرية والفاشية بالموسيقى الدرويشية, وإن كان يحمل في طياته فكرة إبداعية بأن الأمل والإيمان بالحق في الحياة هو تحدي وصمود. اللقاء بين الثقافة الغربية والشرقية سيثريهما وهو البوصلة نحو مستقبل أفضل يشع كرامة وحرية.
نعم, الموسيقى وسيلة تثقيفية حضارية للمقاومة ولها دورها الفعال في إخراج الناس من الظلمات إلى النور, على حد قول المايسترو في رواية البطران. حقاً :”أن الارتحال بأوبرا القناديل من الوتر إلى الإيقاع هو ارتحال من المنطوق إلى المحسوس ومن الفكرة إلى الشاعرية”.
تلحين قصائد درويشية وغنائها أوبرالياً في حيفا, البلدة التي عشقها, ودمجها بروائع عالمية لشوبان وبيتهوفن, رغم أنف المؤسسة ويمينها, تعتبر رسالة مدوية بأننا شعب يستحق الحياة … رغم أنف من يحاول سحقها!!!
حسن عبادي