دور الحيوانات في أدب الأطفال
تاريخ النشر: 12/12/19 | 22:20بقلم: نعمان إسماعيل عبد القادر
يلجأ الكثير من الأدباء ممكن يكتبون أدبًا للأطفال إلى جعل الحيوانات مادة مرنة يتلاعبون بها كيفما يشاءون ووقتما يشاءون لأسباب كثيرة وأهداف متعددة وبوسائل مختلفة. ولجوؤهم هذا لا يأتي من فراغ، إذ يُوفَّق الكثيرون منهم ويبدعون في تلاعبهم هذا، مما يؤدي إلى انتشار أدبهم لدى النشء وإقبال الناس عليه إقبالا منقطع النظير، ويخفق البعض في توظيفها في أدبهم، مما يجعل الناس يعرضون عن إنتاجهم فلا تجد مَن يقبل عليه من أحد. والأديب الناجح هو ذلك الفنّان الذي يتقن فنّ التعامل مع المادة لتكون أقرب إلى عقل الطفل وإلى روحه وقلبه. إنَّ جعل الحيوانات تدور في فلك الأطفال، يعكس رؤية الكاتب ونظرته في تفحّص ما يحتاجه الأطفال في عالمهم، وما تحتاجه الطفولة العالمية بشكل عام. ولهذا لا بد للأديب أن يتقمص شخصية الطبيب، والمعالج النفسي، والمصوّر، والقاصّ، والمربيّ، والمصلح؛ كي يصل إلى عالم الطفولة ويلبي احتياجاتها. ولا بد له أيضًا أن يتقمّص شخصيّة الطفل الصغير البريء كي يدرك ما يدور في خلده من رغبة الاستكشاف، وحبّ التملّك، والميل لمعرفة المزيد، والسعي للبحث، ومحاولة كسر الروتين، والاستعداد لاكتساب الجديد من القيم.
ومن المعروف اليوم أن الكثير من المعالجين النفسيين، يدركون كلّ الإدراك أن استخدام القصة كعلاج ناجح وسريع لمعالجة حالات نفسية، وخصوصًا إذا كانت أحداثها تدور على ألسنة الحيوانات والطيور، هو توفير لكثير من الجهود التي تبذل على تلك الحالات. وقبل أن يصل المعالج المختص إلى مرحلة لمس الحيوانات باليد لمعالجة الأطفال الذين يعانون من نوبات الخوف، يمهّد السبيل أمامهم كمرحلة أوليّة بقراءة قصة تدور أحداثها عن تلك الحيوانات ثم يناقشها معه ويستخلص منها العبر. وقد نجد في بعض الأحيان أطفالًا يعانون من حساسية مفرطة من ملامسة الآخرين لهم، ولهذا يلجأ الاختصاصيّون إلى قراءة قصة عن بعض الحيوانات، ثمّ ينطلقون إلى ملامسة تلك الحيوانات لمساعدتهم في علاج هذه العقدة والتخلص منها.
قد يولد الطفل فيجد في بيته بعض الحيوانات الأليفة كالقطة والأرنب والكلب وطيور الزينة والاسماك؛ فيحبها لأنها أليفة ولأنه يرى مدى اهتمام الأهل بها. ولهذا فإن قصص الحيوانات الطفليّة تنمّي لدى الطفل القدرة على الاهتمام والرعاية وتوفير الوسائل لحماية نفسه، وأغراضه، ولحماية الحيوانات الموجودة في بيت حرصًا منه على المحافظة عليها ومنع الآخرين من الاعتداء عليها. ومن أجل كسر روتين الوحدة لدى الأطفال والإحساس بالملل، من المفضّل أن يرى الطفل تلك الحيوانات المذكورة في القصة على طبيعتها وملامستها، إن كانت أليفة، حتى يشعر بالسعادة فيجسد ما قرأه وما رآه في صورته الذهنيّة على أرض الواقع.
ومن طبيعة الطفل، حبه للحيوانات وحبّه أن يستكشف سلوكياتها ومميزاتها فيجلس بالساعات الطويلة، قريبا منها يراقبها أو يداعبها، ثمّ يجد نفسه يتحدث معها ويخاطبها وأحيانا يهددّها إن هي خالفت الأوامر والقوانين ونظم البيت، ثمّ نجده أحيانًا يتعامل معها وكأنه صاحبها وأحيانًا أخرى يتعامل معها وكأنه يعاديها. ولكن كلّ هذا منوط بوجودها في المنزل. أمّا إذا لم يجد الطفل شيئًا من الحيوانات في منزله، ينبغي على الأهل قراءة المزيد من قصص الحيوانات الطفليّة لأطفالهم من أجل تنمية مهارة الاستكشاف والبحث العلميّ وتقصّي الحقائق لديهم، ومناقشة سلوكياتها معهم والتعرف على مميزاتها وصفاتها، وأنواعها وطرق تكاثرها. والحيوانات على اختلاف أنواعها هي جزء من عالمنا وهي جزء من الأحداث التي يصنعها البشر ولهذا من خلال قصص الحيوانات الطفليّة ينبغي أن يتعلّم الأطفال كيفية رعاية هذه الحيوانات وكيفية التعامل معها سواء كانت أليفة أو خطيرة حتّى يتجنب الأطفال تعرضهم لأي نوع من الأذى.
وإذا كانت قصة الحيوانات الطفليّة تتحدّث عن حيوانات المزرعة كالبقرة والماعز والخروف والأرنب والدجاجة والحمامة وغيرها، حينها تكون الفرصة سانحة للتطرق لفوائد تلك الحيوانات لبني البشر من أجل توفير الغذاء اليوميّ اللازم ومن ثمّ إكساب الطفل قيمة أخرى وهي التربية للحياة.
ومن المؤكّد أن أحداث القصة التي تدور على ألسنة الحيوانات والطيور، قد تثير خيال الطفل بل وتنمّيه أكثر من أي قصة تدور أحداثها بشكل واقعي؛ لأنَّ خيال الطفل محدود جدًّا ويصعب علينا، مهما حاولنا، أن نوصل للطفل رسالة مجرَّدة جافَّة، أو أن نغرس في نفسه القيم اللازمة دون أن تكون قريبة من واقعه المحسوس. وإيصال الرسالة للأطفال على السنة الحيوانات أو الطيور، يكون دائمًا أسرع بكثير من القصة العادية التي تحاكي الطبيعة الواقعية البشريّة.
وتساعد قصص الحيوانات الطفليّة الأطفال على تنمية مهارة الاستماع وفهم المسموع وتعزز لديهم القدرة على التركيز والإصغاء والتقليل من حركات الأطفال ذوي الحركة الزائدة.
وبما أنّ الطفل بطبعه يحب استكشاف المجهول في العالم الذي يعيش فيه، ويرغب دائمًا بمعرفة المزيد عن الحيوانات المختلفة؛ لأنها تتحرّك مثلما يتحرك بني البشر، فيظن أنها تصنع الأحداث مثل الانسان، فينبغي دائما التنويع من اختيار قصص الحيوانات الطفليّة، حتى نزوّده بمزيد من المعلومات المتنوّعة، فلا يشعر بالملل أو الكلل.
ويحب الطفل دائمًا التملّك في صغره، ثمّ تزداد سعاداته إذا ما تملّك مزيدًا من الحيوانات، أو قصصًا تتحدّث على حيوانات أو طيور مختلفة ثمّ نجده دائمًا يتباهى بها أمام زملائه بذلك التملّك بزهوٍ متنامي.
وإذا أرادت الأمّ أن تغرس قيمة “الرفق بالحيوان” لدى طفلها، وتجنب الاعتداء عليها أو قتلها، بل ومعاملتها معاملة حسنة، كان من واجبها أن تبيّن له مدى أهميّة هذه القيمة، اجتماعيًّا، وقانونيًّا، وأخلاقيًّا، وعلميًّا قبل أو بعد أن تقرأ له قصصًا تتحدّث عن الحيوانات. وانطلاقًا من هذه القيمة السامية، قد تجد الأم الفرصة المناسبة لمناقشة موضوع العنف المتفشي بين الناس وسبل التخلص منه. كما ومن المفضّل لها أن تعلّمه المزيد من الأمثال الشعبيّة والحكم المتداولة بين الناس، مثل: “لا تكن ثعلبا، بل كن أسدا”، “الديك الفصيح بالبيضة بصيح”….
وتعلّم قصص الحيوانات الطفليّة الأطفال القدرة على التمييز بين الإنسان القادر على التفكير والتصنيع وهو الأكثر ذكاءً بين الكائنات الحيّة، وبين الحيوانات والطيور الذكيّة والأقل ذكاء، وعليه فمكن الممكن التطرّق إلى ذكاء الغرابان، والقرود، وحتى الثعالب.
إنّ طرح أحداث أو مشاكل وهميّة، في قصص الحيوانات الطفليّة، هو أمر هامٌّ جدًّا لمساعدة الأطفال على تخيّل تلك الأحداث ورسم صور ذهنيّة، من الممكن أن تنقلهم إلى مواجهة تلك الأحداث أو المشاكل فتزيد من قدرتهم على التفكير في إيجاد حلول والابداع قبل أن تعرض أمامهم نهاية القصة. والقارئ النبيه هو الذي يتمكّن من مراوغة الطفل وتحفيزه على التفكير في إيجاد الحلول اللازمة والممكنة والمناسبة.
نحن نثمّن دور الكتّاب والأدباء الذين يكتبون قصص حيوانات طفليةٍ، ولكن قلّما نجد في أدبنا كُتّابًا على قدرٍ كافٍ من الوعي لكتابة قصصٍ أو أغانٍ أو مسرحيّات أو قصائد، يطرحون فيها أفكارًا جديدةً، تتطرّق إلى تعليم الطفل وتربيته على تطوير القدرات الذهنيّة حتّى يتمكّن من طرح حلول مناسبة لقضايا مهمة، حتّى نخلق جيلا جديدًا ينشأ مفكّرًا واعيًا ينظر إلى الأمور بمنظور علميّ وإنسانيٍّ وأخلاقيٍّ، حتّى لو كان مكتوبةً على ألسنة الحيوانات والطيور. ومن أجل التجديد، حبّذا لو اطّلعنا على الآداب العالميّة الأخرى من خلال مراكز أبحاثٍ خاصة تعنى بالترجمة والتوجيه؛ كي نرتقي بأدبنا لنرتقي بمجتمعنا ليصبح مجتمعًا قادرًا على الإبداع والإنتاج.