مسار مستقيم
تاريخ النشر: 15/12/19 | 9:51كلما قالوا لها: اتركي مركبتكِ وسيري على قدميكِ نحو هدفك، تتخلصين بذلك من أرطال الشحوم التي غزت جسمك، وتزاحمت على تشويه ملامحكِ، وأدت الى توطين الخبائث في بدنك ونفسك؛ كان جوابها:
– لا أستطيع.
كان ادعاؤها في ذلك؛ أن مركبتها تختزل الوقت، وتجنبها عناء المسير على الأقدام. الى أن استفاقت ذات صباح على عطلٍ في مركبتها. غلت الدماء في عروقها، وزاد هرمون الأدرينالين افرازاته في جسمها، وكأنه لا يكفيها تعطل مركبتها، حتى تكتشف أن الجميع قد سبقها، كلٌ الى غايته، وبقيت هي لوحدها أمام كتلة معدن بكماء، صماء، جامدة، تأبى الحركة. ما العمل؟ ما العمل الآن؟ سألت نفسها. لا بد لي ان أختار، وليس عندي الا خياران اثنان لا ثالث لهما؛ إما أن أظل واقفة مكاني أنتظر رأفة الله بي علَّه يرسل لي مَن يقلني الى هدفي؛ وإما ان أحث الخطى، باتجاه هدفي. قالت في ذاتها.
واختارت الخيار الثاني، لا لسهولته؛ وانما لأنها كانت تمقت الانتظار؛ ولأنها كانت مجبرة على الوصول الى هدفها.
وبدأت المسير في مسار طويل، وعسير، لكن؛ مستقيم. وما أن قطعت الأمتار الأولى من مشوارها وندى جبينها بقطرات عرق غزيرة؛ حتى توقفت، وانحنت لتلتقط عن الأرض حبة شوكولاطة أنيقة التغليف، اعترضت طريقها. سعدت بلُقيتِها هذه، وتابعت سيرها وهي تتأمل حبة الشوكولاطة أنيقة التغليف، مداعبة اياها بأصابعها الرشيقة، والأمل والتفاؤل يملآن روحها وقلبها؛ لقد اعتبرت عثورها على حبة الشوكولاطة اشارة خير، وحافزا لمتابعة سيرها. حثّت خطاها أكثر وأكثر، وتابعت مسيرها في دربها المستقيم؛ ولما لم يبق على وصولها الى غايتها الا مسافة امتار قليلة، تراءى لناظريْها جسم يلمع بفعل اشعة شمس الصباح الباسمة، ينتظرها في نهاية طريقها. أسرعت الخطى متلهفة، متشجعة؛ لتصل الى البريق الذي انعكس امام عينيها؛ فزادهما بريقا، وغازل خيالها؛ فتوردت وجنتاها وقفزت روحها فرحا بما ينتظرها.
ومدت يدها الى الجسم البراق، اللامع تحت أشعة الشمس، والتقطته. كانت تلك سلسلة ذهبية رائعة. توقفت تتأملها قليلا، ثم تابعت سيرها في مسارها المستقيم وقد اتخذت قرارا لا رجوع عنه؛ لقد قررت التخلي عن مركبتها، غير آبهة بإصلاح عطلها.
***************************
من المجموعة القصصية، ” لا تحالف مع الشيطان” للكاتبة، جميلة شحادة