حيفا: “عودة على طريق العودة” للدكتور يوسف عراقي
تاريخ النشر: 18/12/19 | 14:56وسط حضور لافت من حيفا وقضائها أقام نادي حيفا الثقافي مؤخرا أمسية ثقافية لإشهار ومناقشة كتاب ” عودة على طريق العودة ” الصادر عن دار الجندي للنشر -القدس لدكتور يوسف عراقي، الحيفاوي المولد والمغترب في شتات النرويج.
افتتح الأمسية مؤهلا بالحضور رئيس النادي المحامي فؤاد مفيد نقارة، ثم قد لمحة سريعة عن البرامج الثقافية القادمة . شكر بعدها المجلس الملي الأرثوذكسي الوطني- حيفا لرعايته الأمسية.
تولت عرافة الأمسية الناشطة الثقافية خلود فوراني – سرية، فقدمت لدكتور يوسف ومؤلفه في أدب الغربة. كما تطرقت لزيارته الاخيرة للوطن قبل ثلاثة أعوام ولأمسية تكريمه التي نظمها النادي . ثم لفكرة إصدار كتاب حول رحلته هذه التي عبر عنها قائلا “كانت رحلة تزخر بالمشاعر المتدفقة والممزوجة بالحنين والمتعطشة للعودة إلى أصل وجودي في هذه الحياة. تعرفت من خلالها على أجمل ما في الوطن، على أهله الطيبين الذين تركوا في أبلغ الأثر ورأيت من واجبي أن أكتب عن هذه الرحلة. فكتبت !
وأضافت العريفة، بعد 40 عاما على مجزرة تل الزعتر، وبتاريخ 20/10/2016 تحديدا، احتضن نادي حيفا الثقافي الدكتور يوسف عراقي خلال زيارة له للوطن في أمسية ثقافية تكريمية له بما يحمله من ذكريات المخيم، آلامه وآماله. وتم خلالها إشهار الطبعة الثالثة من يومياته الوثيقة “يوميات طبيب في تل الزعتر”.
وعن هذه الأمسية وهذا اللقاء خص شكره للأخوة في نادي حيفا الثقافي ممثلا برئيسه المحامي فؤاد مفيد نقارة وزوجته سوزي وزيارته لبيتهم العابق بالثقافة حيث الحاضر الأول فيه الكتاب . ومن نفس المكان وعلى شرفة هذا المنزل المطلة على بحر حيفا في يوم تشريني هارب من بقايا صيف، كان لي لقاء حواري مع د. يوسف قد أجريته معه حول يومياته وذكرى المجزرة، وقد تحدث عن هذا اللقاء في كتابه قائلا: ” قد طرحت خلود أسئلة كأنما وضعت يدها على الجرح الذي لم يندمل بعد، لقد حركت المواجع واستحضرت الكثير من اللحظات الأشد إيلاما في أيام الحصار المرير. وقد كان لأسلتها وحواريتها اللبقة ببعدها الفلسفي و العاطفي دور في امتصاص حدة التوتر لدي، فرغم ألم الذكريات، عدت مرتاحا من جو اللقاء. ومن حيث لا تدري، ساعدتني خلود في ترتيب أفكاري وأوراقي من جديد لأمسية عتيدة كانت بانتظارنا في نادي حيفا الثقافي ذاك المساء.
تلتها فقرة المداخلات فكانت البداية مع الإعلامي والباحث وديع عواودة بمطالعة شائقة للكتاب بعنوان (حجارة الهوية من مقلع الذاكرة ) تحدث فيها عن السرد الروائي للكاتب حيث يمزج بين وصف ملامح ومعاني الوطن والزيارة وبين التعبير عن انفعالاته الداخلية مستعينا بمجاز وصور جميلة وبلغة السهل الممتنع . وقرأ نصوصا من الكتاب كمثال على السرد الجميل حينما يتراقص على وقع نبضات القلب المنفعل بلقاء طالما حلم به.
وأضاف، يحتوي الكتاب على وجبات ثقافية تعرف من لا يعرف بمكونات الثقافة الفلسطينية (قصائد محمود وسميح وتوفيق). هذه الوجبة الثقافية تتجلى في الربط بين الحديث الواقعي عن الوطن في زيارة مطارحه وبين منتوجات أدبية كما هو الحال في اللقاء بين الطنطورة والطنطورية.
تلاه د. سمير خطيب بمداخلة عنوانها (الراوي والمروي عنه) جاء فيها أن الدكتور يوسف في كتابه الذي يرسم به طريق العودة للحالمين بالعودة من إخواننا الذين عانوا وما زالوا يعانون ويحلمون بالأرض والهواء والشجر ورائحة الطابون، يشبه شخصه وروحه فهو الراوي والمروي عنه وهو الكاتب والمكتوب عنه. حيث تشكل البنية السردية للخطاب أي خطاب عامة , من تضافر ثلاثة مكونات هي: الراوي، والمروي عنه ، والمروي له وفي كتابه تتداخل تلك المكونات، فتشكل المأساة الفلسطينية بتجليتها الأليمة، لأنه يروي لنفسه كلاجئ أرّقه اللجوء، والمروي عنه هو ألمه وحنينه الذي هو ألمنا وحنيننا جميعا، فهو الذي هُجر ولكنه لم يرحل ، لآنه مثل كل اللاجئين، روحه بقيت هنا .
كانت المداخلة بعدها لد. جوني منصور بعنوان (العودة ليست حلما بل واقعا حتميا)، جاء فيها أن الكتاب عبارة عن لقاء بين الدكتور يوسف عراقي والأرض التي أنجبته وحملها في ذاكرته من خلال حياته في المنفى وعمله كطبيب في مخيم تل الزعتر وعيشه مجزرة وجريمة قتل الانسان وذبحه في هذا المخيم. مخيم تل الزعتر ويوم الأرض هما محطة مركزية في تاريخنا بأننا مستهدفون.
تطرق بعدها – مستعينا بقراءة نصوص من الكتاب – لرحلة عودة د. عراقي للقاء الوطن وإعادة تثبيت صورته في مخيلته وشحن هذه المخيلة بمزيد من المعلومات والمعطيات والأفكار والتصورات.
في الختام كانت الكلمة لدكتور يوسف عراقي – عبر السكايب – وقد كان تأثره جليا ومما قاله:
“كنت أبحث في ساحات المدن الكبرى وشوارعها عبثاً عما يشبهني إلى أن كانت عودتي الصغرى عبر تلك الزيارة فأثارت في كوامن نفسي وجع الحنين المزمن وأيقظت من جديد كل تلك الأحلام الفتيه وأحيت الأمل، وهي التي أخذت بيدي من على تلك الدروب الوعرة وأعادتني إلى دروب تعبق برائحة الزعتر والزيتون وتخرجني من صقيع المنفى وعتمته الموحشة الى نور الوطن الابدي. تلك الأيادي كانت أياديكم وأيادي فرقة الانشاد التي صدحت حناجرها بنشيد موطني في إحياء ذكرى يوم الأرض وأيادي متطوعي لجنة القرى المهجرة و أيادي شابات وشباب وأطفال تركوا لنا على أحد الجدران رسالة وجدانية ومؤثرة جعلت الدموع تفيض في المآقي، ذكرتني بأطفال المخيمات في الشتات الذين غطوا جدرانها بخارطة الوطن واعلامه واسماء قراهم ومدنهم التي لم يرونها وذكَرني بالقلائد في أعناق الصبايا تتوسطها خارطة الوطن.
لقد ايقظتم الحلم في داخلي مرة اخرى واستمديت منكم القوة والعزيمة. لقد تعرفت على الكثيرين منكم . منكم من ادخلني بيت ثقافته ومنكم من ادخلني محراب فنه الراقي ومنكم من علَمني أن أنظر إلى الأفق البعيد وإلى ذلك الحد الفاصل بين الزرقتين وسبر اغوار المستقبل وانا مدين لكم بانني ازددت حكمةً وتفاؤلاً.
لقد كانت رحلة مليئة بالمشاعر والحنين كانت بالنسبة لي بمثابة عودة الروح الى الجسد. كنتم وما زلتم الحبل السري الذي يربطني بالوطن الام ويخفف من معاناة المنفى. احبكم جميعاً حبي لحيفا ولكل الوطن… وأنا ما زلت على طريق العودة وحتما ذات يوم سأصل”.
يجدر بالذكر أنه زين الأمسية معرض لوحات فنية للفنانة سهير فنادقة من عرعرة المثلث.
أمسيتنا القادمة يوم الخميس 19/12/2019 مع الأديبة الفلسطينية سعاد العامري وإشهار روايتها ” دمشقي” بمشاركة د. محمد صفوري، د, حسين حمزة وعرافة الإعلامية نضال رافع.
يتخللها معرض لوحات فنية للفنانة رانية عزب.
خلود فوراني سرية