الحظ يبتسم مرة واحدة
تاريخ النشر: 19/04/14 | 9:31بقلم: المربي محمد حبايب، أبو شادي
نعم، هكذا قالوا في الحظ بأنه يبتسم مرة واحدة، وأسهبوا وأطالوا في وصفه، والتغني به عند “ابتسامه” لهم، وندب حظوظهم العاثرة حين “إدباره” عنهم.
بل إن كثيراً من الناس يؤمنون بأن للحظ أثراً كبيراً في حياتهم، بل هو جزء لا يتجزأ منها، وينسبون كل مشكله تصيبهم إلى سوء الحظ أو سوء الطالع.
وقالوا أيضاً إنها ضربة حظ، وقالوا…
يا لسوء حظ فلان.
يا لحسن حظ فلان.
فلان حظه قوي.
فلان حظه قليل…
والحقيقة المؤكدة إن الحـــظ لا يساعد مطــلقاً أولئك الذين لا يساعدون أنفسهم.
ومن أجمل ما قيل في الحظ أن له عادة مميزة فهو يفضل أولئك الذين لا يعتمدون عليه، أي من لا يؤمنون به.
إذاً، فهل هو الحظ من يلعب دوراً كبيراً في حياتنا أم هو شيئاً آخر ؟ نعم إنه شيئاً مختلف كلية عن الحظ، إنه القضاء والقدر الأزلي، إنه ما كتبه الله سبحانه وتعالى علينا وقدره، ولا سبيل إلى تغييره مهما فعلنا لحكمة بالغة عند الله، ولا مكان للحظ في حياتنا، ناهيك عن تغيير أي شيء من أمور حياتنا.
ولقد ورد في الكتاب الكريم قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ(50)) سورة القمر.
وورد في السنة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه”.
إذاً، هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، ولا شيء غير الله، ماض فينا حكمه وقضائه وقدره.
أترككم مع هذه القصة المعبرة وسنكمل بعدها الحديث حول الحظ:
كان هناك أحد السجناء في عصر الملك لويس الرابع عشر محكوم عليه بالإعدام ومسجون مؤقتاً في جناح من أجنحة قلعة الملك، ولم يبق على موعد إعدامه سوى ليله واحده فقط…!!
ويروى عن الملك لويس الرابع عشر ابتكاره لحيل وتصرفات غريبة، ففي تلك الليلة فوجئ السجين بباب سجنه يفتح والملك يدخل عليه مع حرسه ليقول له: (أعطيك فرصة واحدة، فإن نجحت في استغلالها فبإمكانك إن تنجو، حيث أن هناك مخرج موجود في سجنك وهو سيظل بدون حراسة، فإن تمكنت من العثور عليه يمكنك الخروج وأنت حر، وإن لم تتمكن فان الحراس سيأتون غداً مع شروق الشمس لينفذوا بك حكم الإعدام…!!)
غادر الملك وحراسه جناح السجن تاركين السجين بعد أن فكوا سلاسله ليغتنم هذه الفرصة الذهبية مستغلاً غرابة أطوار الملك…
بدأ السجين يفتش في الجناح الذي سجن فيه والذي يحتوي على عده غرف وزوايا ولاح له الأمل عندما اكتشف غطاء فتحة مغطاة بسجادة بالية على الأرض وما أن فتحها حتى وجدها تؤدّي إلى سلّم ينزل إلى سرداب سفلي ويليه درج أخر يصعد مرة أخرى، وظل يصعد إلى أن بدأ يحس بتسلل نسيم الهواء الخارجي مما بث في نفسه الأمل إلى أن وجد نفسه في النهاية في برج القلعة الشاهق والأرض لا يكاد يراها من شدة الارتفاع، فعاد أدراجه حزينا منهكاً ولكنه واثق أن الملك لم يخدعه…
وبينما هو ملقى على الأرض مهموم ومنهك ضرب بقدمه الحائط وإذا به يحس بالحجر الذي يضع عليه قدمه يتزحزح قليلاً، فقفز وبدأ يحرك الحجر فوجد أن بالإمكان تحريكه وما إن أزاحه وإذا به يجد سرداباً ضيّقا، فبدأ يزحف الى ان بدأ يسمع صوت خرير مياه وأحس بالأمل لعلمه إن القلعة تطل على نهر لكنه في النهاية وجد نافذة مغلقة بالحديد، فعاد يجرب بكل حجر وبقعة في السجن ربما كان فيه مفتاح حجر آخر لكن كل محاولاته باءت بالفشل…
الليل يمضي ولا زال السجين يحاول ويفتش، وفي كل مرة يكتشف أملا جديداً فمرة ينتهي إلى نافذة حديدية، ومرة أخرى إلى سرداب طويل ذو تعرجات لا نهاية لها ليجد السرداب أعاده لنفس الزنزانة…!!
وهكذا ظل طوال الليل يلهث في محاولات وبوادر أمل تلوح له مرة من هنا ومرة من هناك وكلها توحي له بالأمل في أول الأمر لكنها في النهاية تبوء بالفشل، حتى انقضت ليلة السجين كلها ولاحت له الشمس من خلال النافذة ووجد وجه الملك يطل عليه من الباب ويقول له: (أراك لازلت هنا)…!!
فقال السجين: (كنت أتوقع انك صادق معي أيها الملك).
قال له الملك: (لقد كنت صادقاً بالفعل).
أجاب السجين مستنكراً: (لم اترك بقعة في الجناح لم أحاول فيها، فأين المخرج الذي قلت لي أنه موجود)…؟!
قال له الملك: (لقد تركت باب السجن مفتوحاً وغير مغلق)…!!
لم يجرب المسكين محاولة فتح باب السجن رغم أنه أمامه…!!
وهذا ما يحدث لنا كثيراً، أننا نترك الحلول والحقائق الواضحة أمامنا ونشغل أنفسنا بالتفكير بحلول واهية وضعيفة وصعبة ومعقدة، ومن ثم نيأس بسرعة ونستسلم…!!
وهنالك من لا يجرب الحل أصلاً وبالرغم من ذلك يقول أنه صعب أو مستحيل، بالرغم من إن لكل مشكل حل…
وطبعاً، كما وعد الملك، تم إعدام السجين، ويا لسوء حظه ؟؟؟.. بل إنه قضائه وقدره الذي لم يكن لينجو منه مهما فعل، لكن ذلك لا يمنع من اغتنام الفرصة والمحاولة، فنحن جميعاً لا نعلم مطلقاً ما تخبئه لنا الأقدار.
ولقد ذكر الحظ في القرآن الكريم في مواضع عديدة، ووصف الناس حظ قارون في القرآن بالحظ العظيم:
(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيم ٍ)، ونحن نعلم كيف أن الله خسف به “وبحظه” العظيم الأرض عندما خالف أمر الله وادعى أن هذا من جهده وليس من رزق الله.
وأكثر ما تصبو إليه أنفس الناس من الحظ أن يكون لهم حظاً وافراً من المال، ونحن نعلم علم اليقين بأن المال لا يوفر السعادة، بل العكس، وأن السعادة لا تأتي إلا بالقناعة، وأن كثرة المال فتنة عظيمة قد تؤدي إلى خسران الدنيا والآخرة، وقليلون جداً هم الذين استطاعوا الصمود أمام فتنتها، وخير مثال على ذلك المئات الذين فازوا بجوائز مليونية كبيرة، ثم ماذا حدث ؟؟؟ بعد سنة تقريباً تدمرت حياتهم وخسروا جميع ما يملكون، ليس فقط ما فازوا به بل جميع ما كانوا يملكون من قبل.
فلا تغرنكم الحياة الدنيا واعتبروا يا أولي الألباب !!!.
والحظ الذي وصفه الله عز وجل بأنه حظ عظيم هو حظ الآخرة وهو جنة النعيم.
قال عزَّ وجلَّ: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
فقوله تعالى:(وما يلقاها إلا الذين صبروا) أي وما يقبل هذه الوصية – وصية الله وأمره – ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس، (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) أي ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر اللّه المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم اللّه من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم.
اللهم اجعلنا من أهل الحظ العظيم عندك ومن أهل اليقين، اللهم واجعلنا ممن يفرحون بفضلك ورحمتك في الدنيا والآخرة يا كريم يا رحيم يا ذا الفضل العظيم.
والله بالغ أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون….
وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ….