يا أيها الفرح زرنا مرة في السنة
تاريخ النشر: 04/01/20 | 10:03حرام تنسانا بالمرة…….
كذلك غنت السيدة فيروز وهي تقصد أحبابها ومعارفها وقد خافت من نسيانها والمثل
يقول :بعيد عن العين بعيد عن القلب ومن ينسى جارة القمر وقد احتفل ملايين العرب بعيد ميلادها فلتطب السيدة نفسا فهم سيذكرونها حتى بعد موتها وسيزورون ضريحها.
إنما أعني الفرح الذي غاب عن قلوبنا والطبيعة لا تحب الفراغ كما قال حكيم الإغريق وقد استوطنها الحزن وكيف لا يسكنها الحزن وأوطاننا نهب للضياع وزماننا ترابي بخس وساعاتنا أكلها صديد الفراغ ،بلداننا غنيمة للأقوياء والسلاح الذي وضعه العالم متأسيا بعبارة هيمنغواي “وداعا أيها السلاح” رفعناه نحن في وجوه بعضنا البعض : دماء وأشلاء، وأرامل ونازحون وغرقى وجياع حتى صار العالم لا يتفرج إلا على المأساة العربية شيعة وسنة يقتتلون وأنت من شيعة هذا أو من عدو ذاك ووهابية وصوفية وأشاعرة وسلفية وإخوان يتبادلون السباب والشتم والهجاء الذي تركه العالم لأنه ينمي ثقافة الحقد والكراهية تبنيناه نحن وفاء لنقائض جرير والفرزدق وكأننا كنا ننتظر ثورة التقانة لنظهر مهاراتنا في السب والشتم والنيل من الآخر حتى الطبيعة غضبت علينا وحرمتنا من الفرح بعواصفها الهوجاء وأمطارها الغزار وثلجها النقي الناصع الذي كان يبارك سطوح منازلنا وأغصان أشجارنا غاب هو الآخر وآلى على نفسه أن لا يعود .
زمان الوصل بالأندلس كنا نعيش متعة كل فصل وكانت القلوب على الود مجتمعة فالعالم العربي شيعته وسنته لا يعرفون إحنا ولا عداوات وأقباط مصر يصومون رمضان تضامنا مع المسلمين إحساسا بالمواطنة واليوم يطلع علينا من يقول إنهم ذميون من الواجب أن يدفعوا الجزية وهم مواطنون من الدرجة الثانية ونساطرة ويعاقبة وصابئة العراق يعيشون جنبا إلى جنب مع سنة العراق وشيعته في انسجام وتسامح وتناغم ويخوضون في شؤون الفكر والثقافة ويبدعون ولست في حاجة إلى ذكر الأسماء ولن أتعرض إلى نكد السياسة وقمعها للحريات فذاك حديث آخر إنما أتحدث عن واقع اجتماعي لا سبيل إلى إنكاره واليوم شيعة العراق وسنته في احتراب وصابئة العراق ونساطرته ويعاقبته في هجرة إلى أصقاع العالم حفاظا على الحياة ويبدو أن تموز وأدونيس وعشتار وقدموس قد هزمتهم عرافة السياب :
وفي غرفات عشتار
تظل مجامر الفخار خاوية بلا نار
ونحن نهيم كالغرباء من دار إلى دار
لنسأل عن هداياها
جياع نحن وا أسفاه ، فارغتان كفاها
وقاسيتان عيناها
باردتان كالذهب
مطر…
مطر…
مطر
زمان كان المسلم يقدم التهنئة للمسيحي بعيده وكذا يفعل المسيحي وهو يقدم تهانيه بأعياد المسلم هل تعلمون أن مارون عبود الماروني اللبناني سمى ولديه محمدا وفاطمة فلما سئل عن سبب ذلك قال سميت ولدي محمدا نكالا في أبي الذي سماني مارون وأن الأخطل الصغير الماروني بشارة عبد الله الخوري رثى سعد زغلول المسلم فقال:
لطف المسيح مذاب في حناجره **وعزم أحمد في جنبيه يحتدم
صلى عليه النصارى في كنائسهم** والمسلمون سعوا للقبر واستلموا
وأن أحمد شوقي بارك تحويل كنيسة إلى مسجد وكانت هدية من النصارى فقال:
كنيسة صارت إلى مسجد** هدية السيد للسيد
ولم تثن مسيحية الشاعر القروي رشيد سليم الخوري من الانتصار لمبدأ قرآني:
أحبوا بعضكم بعضا وعظنا** بها ذئب فما نجت قطيعا
إذا حاولت رفع الضيم فاضرب** بسيف محمد واهجر يسوعا
بل هنأ المسلمين بعيد الفطر أو بعيد الأضحى فقال:
أكرم هذا العيد تكريم شاعر** يتيه بآيات النبي المعظم
ولكنني أصبو إلى عيد أمة** محررة الأعناق من رق الأعجمي
إلى علم من نسج عيسى وأحمد** وآمنة في ظل أخته مريم
وكان الشاعر شفيق المعلوف المسيحي لا يذكر عيسى إلا ذكر محمدا:
يا صاحب الملك الذي لا ينتهي** أبدا وسدته الملا والسرمد
فالشعر في إنجيلنا **والشاعران المسيح وأحمد
وهولا يقصد من الشعر هنا إلا التسامح والرقة والعاطفة النبيلة.
ولم تنس البرازيل الشاعر إلياس فرحات المسيحي حب العرب جميعا والذود عن حماهم لما قال:
إنا وإن تكن الشآم ديارنا **فقلوبنا للعرب بالإجمال
نهوى العراق ورافديه وما على ** أرض الجزيرة من حصا ورمال
بنا ومازلنا نشاطر أهلها **مر الأسى وحلاوة الآمال
واليوم تجد من العرب من يتآمر على بلد عربي آخر ويسعى في خرابه.
كان مكرم عبيد السياسي المصري يحفظ القرآن الكريم ولا تعرف أنه مسيحي إذا جالسته إلا إذا قال لك أنه مسيحي وقد سئل مرة عن سر فصاحته فأرجعها إلى حفظه للقرآن الكريم
كم عدد العرب الذين يعرفون أن وديع الصافي مسيحي وأن ليلى مراد يهودية وأن أسمهان درزية علوية وأن أمين الريحاني وأحمد فارس الشذياق تحولا إلى الإسلام بغير عناء ولا إقصاء وأن إدوارد سعيد الفلسطيني المولد الأمريكي الجنسية مؤلف كتاب الاستشراق كان يضيق باسم إدوارد واليوم ترى من يستنطقك عن دينك ومذهبك وطائفتك استنطاقا بوليسيا بل يطالبك بإثبات حسن السلوك وشهادة حسن النية ويشن عليك حراب عبسية ذبيانية إذا خالفته في المذهب والطائفة كأن الدنيا لا تسعه إلا هو وأن الحق ليس إلا في جرابه وها نحن ندخل القرن الجديد والعلماء الحقيقيون يهاجرون إلى الغرب بعد أن كان العالم العربي يحلم ويسعى إلى ثورة علمية وتنويرية تصل الحاضر المؤمل بالماضي العلمي الزاهر الذي دشنه الرازي والكندي وجابر بن حيان وابن سينا والبيروني وغيره.
واليوم نعيش ثورة علمية ولكنها ثورة الكلام الذي يجيده طراز من الناس يثرثرون على القنوات التلفزيونية ويضحكون على ذقون مجتمع عربي غارق في الأمية الثقافية لا يصنع مسمارا ولو اجتمع له ضعف الصانع والمصنوع ولكنهم ماهرون في سب بعضهم البعض والنيل من بعضهم البعض ولم يفهموا لفرط عبقريتهم أن الضوء الأبيض سبعة ألوان تمازجت وتناغمت فشكلت هذا الشلال الدافق من البلورية والنقاء والصفاء الذي ندعوه بالضوء ،لم يفهموا عن الخالق حكمته.
يا أيها الثلج الذي كنت تأتينا حاملا تباشير الخصب والنماء فتبارك قرميد منازلنا وتحتضن شرفات منازلنا وتعانق الأرض المستعدة للحب والوصال وقبلات الشوق والهيام فتحبل الأرض لتلد في الربيع الجديان والخرفان وأزهار النرجس والعشب الأخضر ويبتسم القمر الفضي في عليائه الشاهد على هذه المودة والشبق.
يا أيها الفرح عمر قلوبنا الخربة فقد استوطنتها غربان الطائفية ونسور المذهبية زرنا في السنة مرة حرا م تنسانا بالمرة ويا أيها الثلج قسمتك ضيزى تهاجر إلى بلاد البرد والخصب وتذر ضرع عنزتنا جافة وأرضنا غبراء مجدبة وليالينا مجدبة من حكايات أمهاتنا على نار الحطب ومداخن بيوتنا فاغرة فاها متعجبة من سر هذا الجفاء زرنا هذه السنة حرام تنسانا بالمرة
يا أيها العرب تعالوا عن مذهبياتكم وعصبياتكم وطائفياتكم كغيركم من شعوب العالم يملأ الثلج أنهاركم ماء فراتا وحقولكم بيادر ووجوهكم بسمة وقلوبكم محبة
هنيئا بالعام الجديد وعلى التسامح نلتقي>
إبراهيم مشارة