الانتخابات الفلسطينية .. كي لا تكون رهينة الارادة الاسرائيلية
تاريخ النشر: 11/01/20 | 10:51جهاد سليمان
اعلامي فلسطيني – لبنان
منذ اعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بتاريخ 7 تشرين الاول 2019 البدء في التحضير لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، المعطل منذ اكثر من 13 عاما، نشطت الحياة السياسية الداخلية على الساحة الفلسطينية، بين مؤيد لهذه الدعوة ومعارض لها بالصيغة التي طرحت فيها، كحركة حماس التي اعتبرت ان هذه الانتخابات يجب ان تترافق مع انتخابات الرئاسة والمجلس والطني، وفق سقف زمني محدد، كما أخذت الحوارات واللقاءات الفصائلية تنشط، بهدف العمل على إنجاح هذه الخطوة، التي يرى فيها القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، بانها الخطوة الانجح الكفيلة بإخراج الحالة الفلسطينية، من عنق الزجاجة التي حشرت فيها، من قبل العدو الإسرائيلي.
فلأكثر من 20 عاما، مارس العدو الإسرائيلي سياسية المراوغة والدجل السياسي، واللعب على عامل الوقت للتمكن من فرض سياسية الامر الواقع على الشعب الفلسطيني وقيادته، والذي ترجم بتصعيد النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية وبناء الكتل الاستيطانية الجديدة، وحملة التهويد الشرسة التي يشنها داخل مدينة القدس، وفرض الحصار الجائر على قطاع غزة، وارتكابه المجازر اليومية والاعتقالات التعسفية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس المحتلة وعلى حدود قطاع غزة، بالإضافة الى مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية، والتحكم بحركة المواطنين الفلسطينيين في الضفة من خلال آلاف نقاط التفتيش العسكرية.
ليس هذا فقط، بل واصلت اسرائيل سياسة الاستمرار في مصادرة المياه الفلسطينية والتحكم بمقدرات الشعب الفلسطيني وثرواته، والعمل الدائم على تدمير الثروة الوطنية، والإبقاء على الاقتصاد الفلسطيني اقتصادا تابعا للاحتلال الإسرائيلي، مستغلا اتفاقية باريس الاقتصادية التي أتت كنتاج حتمي لاتفاقية أوسلو، الموقعة من قبل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، والتي حملت، بعد جولات من المفاوضات العبثية، الكوارث والويلات على الشعب الفلسطيني، وكان آخرها وكنتاج لها، صفقة القرن الامريكية وما رافقها من خطوات عدائية ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، هدفت الى شطب القضية الفلسطينية وانهاء نضال الشعب الفلسطيني، وحلمه بإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967، بعاصمتها القدس وتحقيق حق عودة اللاجئين وفقا للقرار الاممي 194، والغاء مشروع دولة الابارتهايد الصهيونية، التي تعيش في مخيلة وأحلام اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني بقيادة بنيامين نتنياهو وعصابة الاجرام التي تحيط به.
من جهة أخرى لاقت الدعوة الى الانتخابات، ارتياحا كونها المدخل الذي يمكن من خلاله الشعب الفلسطيني الخلاص من معاناة ما يزال يعيشها منذ أكثر من 12 عاما، داخل مسلسل الانقسام الدامي، خاصة وأن جميع محاولات رأب الصدع بين طرفي الانقسام الفتحاوي والحمساوي، من خلال الحوارات والاتفاقيات الثنائية، قد فشلت ولم تؤد الى اقفال هذا الجرح الفلسطيني النازف، الذي انعكس سلبا على صحة الجسد الفلسطيني وقوته، التي خارت شيئا فشيئا حتى وصلت به الحالة الى سرير الاحتضار الوطني.
أدت زيارة الدكتور حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المركزية الى غزة في 5\11\2019، الى فتح نافذة أمل للشعب الفلسطيني وقواه السياسية، للمضي قدما في هذه الخطوة المهمة التي تحولت الى مطلب وطني وشعبي عام، خاصة وأن هذه الزيارة تبعها رسائل من فصائل فلسطينية بما فيها حماس، تعلن الموافقة على اجراء الانتخابات وفق قانون التمثيل النسبي الكامل، على ان يتلوها مباشرة الانتخابات الرئاسية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، مما يضمن تشريع كافة المؤسسات الرسمية الفلسطينية، بمشاركة الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وهذا ما يعيد الشرعية الشعبية والوطنية للمؤسسات الفلسطينية وعملها، وينزع حالة الترهل التي تعيشها هذه المؤسسات منذ زمن طويل.
ورغم دعوة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ايضا في بيان لها في 8\10\2019، الى ضرورة العمل على توفير جميع الشروط والآليات لانجاح العملية الانتخابية، باعتبارها عملية سياسية متكاملة، تتطلب تحضيرا جيدا لضمان ديمقراطيتها وشفافيتها ونتائجها، وذلك من خلال إطلاق حوار وطني فلسطيني شامل، يسبق إجراء الانتخابات الفلسطينية المعلن عنها، وذلك بالبدء بين فصائل (م. ت. ف)، وعلى أعلى المستويات، وبحضور قيادات الصف الأول، ثم الانتقال بعدها إلى حوار يشمل جميع القوى الفلسطينية، بمشاركة اعلى المستويات القيادية، بما يشمل اللجنة التنفيذية، والأمناء العامين، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني، وشخصيات وطنية مستقلة، على أن تحال النتائج المتوافق عليها إلى جهات الاختصاص. الا ان السلطة الفلسطينية اعتبرت ان لا حاجة لمثل هذه الحوارات، مؤكدة المضي على طريق اصدار المرسوم الرئاسي، ومشددة على ان لا انتخابات من دون القدس الشرقية، الامر الذي أكدت عليه جميع الفصائل الفلسطينية دون استثناء، لكن السلطة الفلسطينية ربطت اصدار المرسوم الرئاسي الخاص بالانتخابات، بالرد الإسرائيلي على طلب السلطة السماح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية، الامر الذي جعل منها نقطة خلاف بين مؤيد ومدافع، بين من يعتبر ان الرفض الإسرائيلي يعني الغاء العملية الانتخابية، وبين من يقول ان اصدار المرسوم بعيدا عن الرد الإسرائيلي، هو الخيار الأفضل باعتبار ان إسرائيل سوف تماطل في هذا الرد، الذي لن يأتي ابدا.
وفي كلا الحالتين، وفي ظل جميع هذه التطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة ككل، نسأل الى متى ستبقى السلطة الفلسطينية تنتظر الرد الإسرائيلي؟ وما هي الخيارات المتاحة امام السلطة في حال الرد السلبي؟ او في حال الامتناع عن الرد؟ وهل أصبحت الانتخابات الفلسطينية اليوم مرهونة في التطورات الإقليمية؟
لا يخفى على أحد الحالة الاستثنائية التي تعيشها المنطقة العربية ككل، بفعل جميع التطورات الإقليمية التي رسمت مشهدا سياسيا جديدا ومعقدا، يختلف من حيث طبيعة المحاور والاهداف، عن أي مشهد سياسي سبق أن شهدته المنطقة، خاصة في ظل اشتداد الازمات الداخلية، التي أصبحت تعصف في داخل الدول التي راهنت على انهيار الدولة الوطنية وتقدم مشاريع الدويلات الطائفية، التي كانت تعمل عليها قوى تابعة ومدعومة من القوى الامبريالية والكيان الصهيوني، بالإضافة للجم صفقة القرن بسبب صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته وتمسكه بحقوق الوطنية كافة، والتي لا تستهدف القضية الفلسطينية فحسب بل تطال المنطقة العربية ككل، أي ان المشروع الأمريكي لتغيير وجه الشرق الأوسط بما يتلاءم مع مصلحة الكيان الصهيوني، باء الى حد كبير بالفشل، وهذا ما دفع الإدارة الامريكية بقيادة دونالد ترامب، الى الاقدام على ارتكاب خطأ استراتيجي تخطي لجميع الخطوط الحمراء باغتيال الفريق قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ورفاقه، مما وضع المنطقة العربية بل العالم على فوهة بركان، وأدخلت المنطقة في زوبعة غير محسوبة العواقب.
إن التصعيد الأمريكي في المنطقة يصب في الدرجة الأولى في مصلحة اليمين المتطرف في “إسرائيل”، والمستفيد الأول منه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه معضلة الذهاب الى انتخابات ثالثة بعد فشله في تشكيل الحكومة الإسرائيلية، بالإضافة الى رزمة الاتهامات القضائية الموجهة ضده، والتي وضعته قاب قوسين او ادنى من أبواب السجن، ليواجه مصير رئيس الوزراء السابق “إيهود أولمرت”، وهذا ما لم يسمح به نتنياهو نظرا لنفوذه القوي داخل حزب الليكود وعلاقاته القوية مع قوى المسيحية الصهيونية في واشنطن، وعلى رأسهم “جاريد كوشنير” “ومايك بومبيو” و”ديفيد فريدمان”، وغيرهم من عرابي الفوضى الخلاقة في الشرق الاوسط حتى لو أدى ذلك الى حرب إقليمية تزعزع الاستقرار في المنطقة ككل، وتجعل من القضايا الداخلية قضايا استثنائية، مقابل جملة هذه التحديات الجديدة والخطيرة التي طرأت على المنطقة، وهذا ما سيدفع بهذا اليمين المتطرف أيضا، الى اغتنام هذه الفرصة لتصعيد هجومه على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، في معركة فرض سياسية الامر الواقع وتسخير جميع الإمكانيات لتهشيم جميع عناصر القوة للشعب الفلسطيني، بما فيها أي محاولة لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإمكانية استخدام الاجماع الدولي والانتصارات التي حققها الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية ضد الكيان الصهيوني، وخاصة القرار الأخير لمحكمة الجنايات الدولية بشأن فتح تحقيقات بجرائم حرب ارتكبها قادة عسكريين وسياسيين بحق الفلسطينيين.
وهذا ما ترجم من خلال اعلان وزير الدفاع الإسرائيلي في 8\1\2020، عن سعي إسرائيلي لرفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية الى مليون مستوطن، مؤكدا على ضرورة العمل على فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، بحيث اتى هذا التصريح بعد ان أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهده بعدم إخلاء أي مستوطنة إسرائيلية، في الأراضي الفلسطينية، في إطار أي خطة سلام مستقبلية، مؤكدا انه لن يسمح باقتلاع أي مستوطنة في أي خطة سياسية، ما يؤكد على النية الصهيونية الهادفة الى افشال أي محاولة لاستقلال فلسطيني ضمن الحدود التي احتلت عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية التي يعتبرها جزءا من القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، أي ان الرد الإسرائيلي الإيجابي بالسماح بإجراء العملية الانتخابية الفلسطينية في القدس الشرقية هو ضرب من الخيال، وليست الا أوهام تتعدى حدود القراءة السياسية الواقعية للتطورات والمشهد القائم ميدانيا وفي السياسية.
وعليه فإن انتظار هذا الرد لن يكون الا تكريسا للسيطرة الإسرائيلية، ومضيعة للوقت لصالح تصاعد الهجمة الصهيونية الشرسة على الشعب الفلسطيني، فمعركة القدس هي معركة الامر الواقع، والشعب الفلسطيني وقواه السياسية لا يمكن لها ان تخوض معركة السيادة داخل المدينة، الا من خلال فرض معركة الامر الواقع مستندة لقرارات الشرعية الدولية، بما فيها معركة الانتخابات، التي يجب ان تكون عنوان المعركة الوطنية مع هذا الاحتلال. وعليه يجب العمل الفوري والجدي على اصدار المرسوم الانتخابي وعدم الاكتراث للرد الإسرائيلي، وتحويل ساحات القدس المحتلة الى ساحات مواجهة وطنية مع الاحتلال، في صلب صناديق الاقتراع، الامر الذي يوحد الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، ويفضح الكيان الصهيوني ويعري ديمقراطيته الزائفة، كما يلزم المجتمع الدولي ليتحمل مسؤوليته كاملة اتجاه القرارات الدولية التي تمنح الشعب الفلسطيني حقه في الانتخابات ضمن حدود دولته التي مازالت ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي.
ولا ننسى ايضا ضرورة الانتقال الفوري في ظل جميع هذه التطورات، من حالة المواجهة اللفظية الى الاشتباك الميداني مع الاحتلال، والرد على جميع تلك الخطوات العدائية التي بدأت بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس المحتلة، واعتبارها عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، الى تشريع الاستيطان كمقدمة لضم مناطق واسعة من الضفة الغربية، وذلك بترجمة جميع قرارات المجلسين المركزي والوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي تبدأ بوقف العمل باتفاق أوسلو، واعلانه اتفاقا ميتا وسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف كافة اشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال، ووقف العمل وفق اتفاقية باريس الاقتصادية، وتصعيد المقاومة بكافة اشكالها، واطلاق العنان لانتفاضة فلسطينية ثالثة تفرض على الاحتلال موازين قوى ميدانية جديدة، واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية واعادة ترتيب البيت الفلسطيني بما يلبي المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية. فالشعب الفلسطيني اليوم ينظر الى التطورات القائمة على الأرض الفلسطينية من جهة، وفي المنطقة ككل من جهة أخرى بارتياب شديد، وينتظر من القيادة الفلسطينية ان تكون على قدر من المسؤولية الوطنية، لكي تستطيع ان تحمل هذا الشعب المناضل في قارب منظمة التحرير الفلسطينية، بشراع قرارات الاجماع الوطني الفلسطيني، معززين بالوحدة الوطنية نتاج صوت الشعب الى بر الاستقلال والعودة وتقرير المصير.