وجوب الزكاة
تاريخ النشر: 18/01/20 | 8:56(عن أبي هريرةَ رضي الله عنه, قال: لَمّا تُوفِّيَ رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – وكان أبو بكر رضي الله عنه, وكَفَرَ مَنْ كَفَرَ من العرب, فقال عمرُ رضي الله عنه: كَيْفَ تُقاتِلُ النّاسَ, وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلّم -: أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ الناسَ حتَّى يقولوا لا إلهَ إلاّ اللهُ, فَمَنْ قالَها, فقد عَصَمَ منِّي مالَه ونفسَه, إلاّ بحقِّه وحسابُه على الله؟ فقال أبو بكرٍ: واللهِ, لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصّلاةِ والزّكاةِ فإنَّ الزكاة حقُّ المالِ, واللهِ لو منعونِي عِقالاً كانوا يُؤدُّونَه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لقاتَلْتُهم على منعه, فقال عمر: فواللهِ ما هو إلاّ أنْ رأيتُ اللهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أبي بكر للقتال, فعرفتُ أنّه الحقُّ).
1. التعريف:
الإسلام دينٌ شاملٌ كاملٌ للحياتَيْن الدنيا والأُخرى. وهو في الحياة الدنيا لكُلِّ أمورها من فكرية وسياسيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ وأخلاقيةٍ, إذْ لا فرقَ فيه بين الدينِ والدنيا, وقدِ ارتضاهُ اللهُ منهجاً للبشرية تهتدي إنْ سارَتْ عليه بكماله وشموله, وتضلُّ إنْ أعرَضَتْ عنه ولو بانتقاص ركنٍ من أركانه. ومعلومٌ أنَّ حركةَ الردّة بدأتْ والرسول ما زال على قيدِ الحياة, وقد بدأَ بحربها صلى الله عليه وسلم, ولكنَّ القضاء عليها لم يتمَّ إلاّ عهدَ أبي بكرٍ الذي قال قولته المشهورة في هذا الأمر: (أَيُنْتَقَصُ الدِّينُ وأنا حيٌّ)؟!
2. المعاني:
كَفَرَ مَنْ كَفَرَ من العرب: ارتدُّوا بمنع الزكاة, ومنهم مَنْ مَنَعَ الصلاة, ومنهم مَنْ كان من البُغاة الذينَ أشهروا السِّلاحَ في وَجْهِ الدولة وأعلنوا العِصيانَ عليها وامتنعوا عن طاعةِ الإمام (الخليفة). كَيفَ تُقاتِل الناس: استغراب من عمر من فعل أبي بكر رضي الله عنهما. عَصَمَ: صانَ وحَفِظَ. بحقِّه: أي بحقِّ هذا القول (لا إله إلاّ الله), وحقّه أَنْ يُؤدِّيَ قائلُه الزكاةَ كما يُؤدِّي الصلاةَ, فكُلُّها من أركان الإسلام الذي لا يقوم حقّاً إلاّ بها مجتمعةً. عِقالاً: رُمّةً, حَبْلاً يُرْبَط به البعيرُ أو يُقادُ. شَرَحَ صدرَه للقتال: استعدَّ له مقتَنِعاً بالرأي الذي ذَهَبَ إليه. عرفتُ أنّه الحقّ: تابعْتُه, واقتنعتُ برأيه.
3. ما يستفاد من الحديث:
أ. ارتداد العرب عن الإسلام وخاصّةً في القبائل والبوادي من أهمِّ أسبابه قِصَرُ المُدّةِ الكافية لهَضْمِ معنى الإسلام وإدراكِ كُنْهِ مراميه, إضافةً إلى عدمِ تعوُّدِهم على النظام والطاعة والسلطة الحاكِمة. ومن هنا لم يرتدَّ أهلُ الحواضر: مكّة والمدينة والطائف.
ب. طاعةُ العربِ للرسول صلّى الله عليه وسلّم عامّة, لأنّهم كانوا يفهمونَ أنّ طاعته طاعةً للهِ, لأنّه مُرْسَلٌ من عنده سبحانه, أما أبو بكر وغيرُه – عندهم – فليس لهم هذه الصفةُ, وإنّما يُرِيدونَ بخلافتهم للرسول السيطرة على الناس والتسلُّط عليهم, فقد يعملون على توريثِ هذه الزعامة لأبنائهم فيتناقلونها واحداً عن واحدٍ. وهو ما تأباه الطبيعة العربية المُتحرِّرة المُنفلتة من قيود الحُكْمِ والنظام.
ج. يُبَيِّنُ الحديثُ عِظَمِ إيمان أبي بكر بالنسبة لعمر رضي الله عنهما. وهذا معلومٌ من منزلة الرجلَيْن في الإسلام, فعلى الرغمِ من منزلة عمر الرفيعة, وأنَّ القرآنَ وافَقَ في بعض تنزُّلاتِه بعضَ اجتهاداتِه, وقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيه: (لو كانَ مُحدَّثٌ بعدي لكانَ عُمَرُ) يبقى أبو بكرٍ أعظمَ منزلةً منه ومن باقي الصحابة, بل أعظمَ إيماناً من كُلِّ الناسِ عدا الأنبياء والمرسلينَ.
د. أمور الإسلام كُلُّها جملة واحدة بها يكون المسلم مسلماً, وليست تفارِيقَ يُؤخَذُ ببعضٍ ويُتْرَكُ بعض, إذْ هذه صفة مَنْ غَضِبَ اللهُ عليهم, ومَنْ حَكَّموا أهواءَهم في شرع الله كاليهود وغيرهم. وهو ما يأباه الإسلامُ وأصحابُه كُلَّ الإباء.
ه. لـ (إله إلاّ الله) ومعها (محمدٌ رسول الله) معانٍ وأحكامٌ لا يكون المؤمن مؤمناً حقّاً إلاّ إذا قالَها وعَمِلَ بمقتضاها. ومن أول معانيها وأهمِّها أنَّ الحاكِمِيّةَ لله وليست للبشر. ومن هنا قال تعالى: (وما كانَ لمؤمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضَى اللهُ ورسُولُه أمراً أَنْ يكونَ لهمُ الخِيرَةُ مِنْ أمرِهِمْ).
و. ظَهَرَ صواب رأي أبي بكر وبركةُ قراره وعِظَمُ حَزْمِه وكِبَرُ هِمّته, بأنْ وَطَّدَ بقراره أركانَ الإسلام ودولته, ولو تراخَى لَعمَّتِ الفوضى وانتشرَ الخراب وسَقطَ عمود الإسلام وتهدَّمَتْ أركانه. وقد كان لحنكته وجرأته وزكانة فَهْمِه وحكمة سياسته ما بعدَها من الخير إلى اليوم.
ز. يُخْتَبَرُ الحاكم عند المواقف الصعبة وعند اشتجارِ الآراء واختلافِ الاجتهاد في الأُمور العِظام والأحداث الجسيمة, ومن هنا قال أحدُ الكُتّاب في هذا العصر عن أبي بكر عندما اُسْتُخْلِفَ: (لقد قامَ في الأُمّةِ بعدَ الرسول, فقام رسول).
د. علي العتوم