“إقرعوا ابواب السماء بالدعاء” بخطبة الجمعة من مسجد عمر بن الخطاب كفرقرع
تاريخ النشر: 26/01/20 | 10:42خطبة الجمعة من مسجد عمر بن الخطاب كفرقرع للشيخ عبد الكريم مصري بعنوان “إقرعوا ابواب السماء بالدعاء”
الحمد لله ما خاب من دعاه ولا ندم من سأله ورجاه لا إله إلا هو يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف الكرب عمن ناجاه ويسمع تضرع المظلوم وشكواه لا إله إلا هو لا يخفى عليه نداء المنكوب إذا ناداه أو من تحركت بالدعاء شفتاه. والصلاة والسلام على رسول الله محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم الوصية تقوى الله.
لا إله إلا الله ما قرعت أبواب السماء بمثل مفاتيح الدعاء، لا إله إلا الله أجاب قوماً بنملة بعد أن رفعت يديها إلى السماء لما خرج سليمان يستسقي بالناس وفي طريقه للمصلى رأى نملة رفعت يديها تدعوا الذي يعطي ويمنع ويلطف ويغيث، قال سليمان أيها الناس عودوا فقد كفيتم بدعاء غيركم، فأخذ الغيث ينهمر، لا إله إلا الله إليه يصعد الكلم الطيب والدعاء الخالص والهاتف الصادق والدمع البريء، فهلا قرعنا بابه وهلا لذنا بجنابه ووقفنا بعتبات بابه.
يا أصحاب الحاجات؛ يا مَن تكالبت عليكُم الملمات، يا كل مكروب، يا كل مهموم، يا كل مظلوم، أليس فيكم عينٌ باكيةٌ وقلبٌ حزين؟ أليس منكم من الضعفاء المنكوبين؟ أليس منكم عزيزٌ قد ذل؟ وغني قد افتقر؟ وصحيح قد مرض؟ أنتم وأولئك إلى من تلجئون ومن تنادون ومن تشتكون؟ أيديكم إلى من تمدون؟ اقرعوا باب السماء وجدّوا في الدعاء، فالدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرضين.
اقرعوا الباب وأكثروا القرع والإلحاح. واعلموا أن الله العفو أحب إليه من الانتقام والرحمة أحب إليه من العقوبة، سبقت رحمته غضبه، وحلمه عقوبته، الفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع، إذاً بادر أخي بقرع الباب وأنت الذليل الحقير واذرع إلى العلي الكبير تذرع الأسير بقلبٍ كبير.
لا إله إلا الله هو ناصر الضعيف ومفزع كل ملهوف، لا إله إلا الله من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره ومن عاش فعليه رزقه ومن مات فإليه منقلبه، لا إله إلا الله إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، ما بين طرفت عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال. ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]
لا إله إلا الله قريب يسمع ويجيب، قريب عطائه ممنوح، وخيره يغدو ويروح وبابه مفتوح، حليم كريم صفوح، قريب فرجه في لمح البصر وغوثه في لفتتِ النظر، قريب جواد مجيد، لا ضد له ولا ند، أقرب للعبد والله من حبل الوريد، محمود ممدوح حميد، لا إله إلا الله دعا المذنبين للمتاب، وفتح للمستغفرين الباب، ورفع عن أهل الحاجات الحجاب فهلا قرعتم الباب وناديتم العزيز الوهاب كما دعاه عبده يونس ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87] أسمعوا الإجابة ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ فسبحان من سمعه من قعر البحار وهو على عرشه واحد قهار.
لا إله إلا الله ﴿ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29] أين أنتم يا أهل الحاجات؟ أين المرضى؟ أين المديونون؟ أين المستضعفون؟ لماذا طرقتم الأبواب كلها ونسي الكثير باب الله.
لا تسألن بني آدم حاجةَ وسل الذي أبوابه لا تحجبُ
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
جاء في رواية أن سعيد أبن عنبسة قال: (بينما رجل جالس يعبث بالحصى ويحذف به قال إذ رجعت حصى ودخلت في أذنه فبقيت مدة من الزمن وهي تألمه وبينما هو ذات يومٍ جالس إذ سمع رجل يقرأ ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62] فقال ذلك الرجل: يا رب يا رب أنت المجيب وأنا المضطر فاكشف ما بي من ضر، فنزلت الحصاة من أذنه في الحال).
ليتنا عباد الله ندعوا الله كثيرا، ليت ضعفنا يتصل بقوته وفقرنا يتصل بغناه وعجزنا بقدرته، سبحان الله حق لنا والله أن ندعوه في الشدة والرخاء والسراء والضراء، ونفزع إليه في الملمات ونتوسل إليه في الكربات، كل الحبال تتسرب إلا حبله، كل الأبواب توصد إلا بابه، يأمرك الله وأنت الضعيف المحتاج وهو الغني القوي الواحد الماجد، إذا نزلت بك النوازل وألمت بك الخطوط فألهج بذكره، واهتف باسمه، وأطلب مدده، وأسأله فتحه ونصره، أصبر فإن مع العسر يسرا ومع الصبر نصرا وبعد الشدةِ رخاء وبعد الضراء سراء، إذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فأعلم أنه سوف ينقطع، إذاً فلا تضيقوا ذرعاً فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة إنتصار الفرج، والأيام دول والدهر متقلب والغيب مستور والحكيم كل يوم هو في شأن ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، بشر المريض بعلاج سريعٍ بإذن الله، بشر المنكوب بلطفٍ خفي وكفٍ حانية وادعة، بشر الفقير بغنى والغائب بالقدوم والمتعب بالراحة والمسجون بالخروج، فلا تجزع فإن مع العسر يسرا، ولا تيأس إن مع العسر يسرا ليس يسراً واحدا ولكن يسران، إذاً فاقرعوا باب السماء بالدعاء وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ((ادعوا الله وأنتم موقِنون بالإجابة))،