صبحي شحروري الغائب الحاضر
تاريخ النشر: 08/02/20 | 21:48بقلم : شاكر فريد حسن
تصادف اليوم الذكرى السنوية الأولى لرحيل الكاتب والناقد الفلسطيني صبحي شحروري، أحد القامات الادبية الفلسطينية، وأبرز وجوه النهضة الثقافية الفلسطينية، ومن الذين أسهموا بفعالية ورفد وإثراء المشهد الأدبي والثقافي الفلسطيني بكتاباته القصصية والروائية والنقدية، وفي تشكيل ملامح الهوية الثقافية الفلسطينية في النصف الثاني من القرن العشرين. وتميزت كتاباته النقدية بالجرأة والشجاعة والمصداقية بعيدًا عن المحاباة والمجاملات الشخصية.
الراحل صبحي شحروري من مواليد العام 1934 في قرية بلعا قضاء طولكرم، أنهى دراسته فيها، ثم تابع دراسته الأكاديمية وحصل على شهادة بموضوع الفلسفة.
بدأ الكتابة في جيل مبكر من حياته، ونشر كتاباته وتجاربه الإبداعية في صحيفة ” الجهاد ” في القدس، ومجلة ” الأفق الجديد “، وفي عدد من الصحف والمجلات اللبنانية أبرزها مجلة ” الآداب ” لمؤسسها وصاحبها سهيل ادريس، وفي صحافة المناطق المحتلة ” البيادر ” و ” الفجر ” و ” الكاتب “، وفي مجلة ” الجديد ” الفكرية الثقافية التي كان يصدرها الحزب الشيوعي في اسرائيل، وفي مجلة ” كنعان ” التي كانت تصدر عن مركز احياء التراث العربي في الطيبة، وسواها من الصحف والدوريات الأدبية الفلسطينية والعربية .
صدر له : المعطف القديم، الداخل والخارج، القصة القصيرة في الأرض المحتلة، الأستاذ والسكين، وموت الراعي حمدان “.
ومنذ أن حمل القلم اهتم الراحل صبحي شحروري بالقضايا الأدبية وهموم حركتنا الثقافية الادبية، متفاعلًا معها وما تطرحه من إبداعات ونتاجات أدبية كثيرة، وكرس جزءًا غير يسير من اهتماماته للنقد الأدبي، نقد الشعر والقصة والرواية، وقدم نقدًا مميزًا نابعًا من ثقافته الواسعة وذائقته الأدبية والنثرية، وتعاطى مع النصوص دون مجاملات واعتبارات شخصية. ومن أهم وأبرز كتاباته النقدية دراساته لقصائد وأشعار المبدع الفلسطيني الكبير عبد الناصر صالح.
وشارك المرحوم صبحي شحروري في العديد من الندوات والمؤتمرات والفعاليات الثقافية في الوطن المحتل، وأقام علاقات مودة واحترام طيبة مع الأدباء والمثقفين الفلسطينيين في المناطق المحتلة، وفي الداخل الفلسطيني. وتميز بإنسانيته الرائعة وتواضعه الجم ودماثته وبساطته المعهودة، بعيدًا عن التباهي بحصيلته الثقافية الواسعة، ما جعله قريبًا من الناس وأبناء الشوارع والأرصفة.
قال عنه الأديب الناقد د. نبيه القاسم، الذي جمعته به صداقة وعلاقة وثيقة : ” استطاع شحروري ونتيجة لمُثابرته وسَعة اطلاعه وإغناء ثقافته ومَعرفته بكلّ جديد تَعرفُه السّاحاتُ الأدبية أن يكون الصوت النقدي العالي والقوي والشجاع في ساحة الإبداع الفلسطينية. فكانت دراساته النقدية ومتابعاته والندوات والحلقات الثقافية التي يشارك فيها محور اهتمام المثقفين ومجال مناقشاتهم ومحاوراتهم. قال رأيَه وكَتَبه في بعض رموز الإبداع في الشعر والقصة والرواية والمسرح والنقد، لم يعرف المجاملةَ ولم يخشَ غضبةً “.
وتتميز مجموعة صبحي شحروري القصصية ” المعطف القديم ” بصفة أساسية للرومانسية فهي تعمد إلى تصوير تجربة شخصية مباشرة، وكل قصصها لا تخرج عن هذا الإطار، وتطرح أسئلة حول الـ ” أنا ” في مواجهة الواقع. فمحورها إنسان عادي، ناطور أو معلم أو شائق أو تلميذ فقير، وهو عادي كلقب أو كمهنة أو كنمط لفئة اجتماعية، ولكن في علاقاته التي تنمو نحو الفاجع العاطفي الابيض أو الأسود غالبًا.
وعند محاولة الولوج في هذه قصص هذه المجموعة يسترعي انتباهنا قضية محورية استحوذت على اهتمامه، وهي تصوير شخصية المثقف البرجوازي الصغير في الحياة الفلسطينية إبان الستينات الأولى، وتكاد الجوانب المختلفة لهذه الشخصية التي حرص على ابرازها في غالبية القصص أن تواجه حالة فكرية ذات انعكاسات سيكيولوجية متشابهة، هي حالة اغتراب المثقف البرجوازي المتحصّلة من الشكل الأيديولوجي لثقافته ذاتها، إلى جانب صدوره عن شريحة اجتماعية بعينها، مستفيدًا من أسلوب تيار الوعي ما تعانيه شخصياته، مراوحًا بين الأصالة والتشكيل الجديد، ولذلك تظل مرتكزات هذه الشخصيات بين الانتماء أو محاولته، وبين الانفصال وبالتالي حالة الاغتراب الفردية الوجودية.
ويبقى صبحي شحروري في الذاكرة والتاريخ الثقافي والأدبي الفلسطيني، رغم غيابه، حاضرًا كاسمٍ محفور في اخدود الثقافة الوطنية والنقد الادبي والفكر السياسي المعرفي الفلسطيني، إنسانًا ومثقفًا نقديًا وعضويًا ومبدعًا خلاقًا بارعًا. فسلامًا لروحه وطاب ثراه.