د. حسين مروة أقوى من الموت وعصي على النسيان
تاريخ النشر: 18/02/20 | 8:46في مثل هذا اليوم السابع عشر من شباط العام 1987، أقدم القتلة الظلاميون على اغتيال الكاتب والباحث والمفكر الجليل الدكتور حسين مروة، في بيته المتواضع في بيروت، وعلى مرأى من زوجته العجوز.
وبهذه الجريمة كشف هؤلاء الأنذال الأوغاد عن مدى حقدهم ونذالتهم، وعن عظمة مروة وأهمية الفكر الذي يذود عنه، الفكر الاشعاعي التقدمي العلماني المستنير.
وفي هذه الذكرى العطرة فإن الضمير الوطني والثوري والثقافي والفكري ينحني إجلالًا للشهيد حسين مروة، إنسانًا ومفكرًا وناقدًا أدبيًا ومثقفًا نقديًا ساعيًا للخلاص الحقيقي للدولة اللبنانية والوطن العربي.
حسين مروة شهاب الفكر وشيخ الباحثين الثوريين العرب، هوعلم شامخ في تاريخنا الثقافي الفكري والفلسفي، وناقد أدبي عميق نزيه وجسور، وكاتب سياسي مقاتل بالكلمة، واحترامنا وتقديرنا له هو احترام لمسيرة حياته الكفاحية والنضالية المكتنزة بالعطاء والعمل والنشاط الدؤوب، ولما تركه من إرث فكري وادبي ونقدي وفلسفي عظيم.
ولعل مؤلفه ” النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية ” الذي صدر في جزئين عن دار الفارابي العام 1978 يشكل قمة ابداعه وتاج حياته المعطاءة الخصيبة الشاملة الرحبة. وكما قال الباحث والمفكر المصري الكبير الراحل الدكتور محمود امين العالم عن هذا المؤلف الهام : ” عندما ظهر كتاب النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية لحسين مروة، بجزئيه، ورحتُ أغوص في صفحاته التي تقرب من الألفين في غير مغالاة أن الحلم الذي طالما حلمت به قد تحقق على مستوى من العمق والجدية والشمول ما اعتقد أنني كنت قادرًا على بلوغه “.
وما يميز مشروع مروة الفكري أنه يمتزج بعمق بمشروعه السياسي، فلقد استبان له أن الإجابة عن مسائل التخلف التاريخي والتمزق الوطني والقومي، إضافة إلى مسائل الفكر العربي تاريخًا وراهنًا لا يمكنها أن تكون ذات بعد واحد، هو البعد الفكري التنويري، بل من أجل منح هذا البعد فاعليته الكبرى، لا بد وفق ذلك من أن يقترن بنشاط سياسي ذي أفق مستقبلي تقدمي. من هنا كان انخراطه في عمق الاحداث السياسية منذ بداياته الثقافية وحتى اغتياله، الذي كان هو نفسه، وقد تم على أيدي قوى ظلامية متطرفة، تعبيرًا مأساويًا عن ذلك. وهذا ما يوضح لنا اهتمامه بالصحافة السياسية الفكرية والفكرية السياسية ومساهمته فيها، على نحو كان في مراحل متعددة حاسمًا. فلقد جعل من مجلة ” الثقافة الوطنية ” التي صدرت في أواخر العام 1952، منبرًا شبه منتظم لمناقشة قضايا الفكر والأدب العربيين وللدفاع عن الفكر العلماني الديمقراطي والعلمي وتعميمه في أوساط الجمهور العربي الواسع.
وتمحور جهد حسين مروة في اتجاه إزالة الركام الهائل الذي علق بالتراث العربي على امتداد قرون طويلة، مستخدمًا في ذلك منهجًا صارمًا مهيأ للقيام بقراءة جدلية تاريخية مركبة لهذا التراث، وذلك عبر تقصي النص في سياقه التاريخي والاجتماعي وفي علائقه مع كلية الموقف التراثي الفكري.
حسين مروة بشخصيته الفذة، وبفكره التقدمي العلمي المستنير، استطاع أن يساعد على التفاف خيرة المثقفين اللبنانيين حول مجلة ” الطريق ” والحزب الشيوعي اللبناني، بل أنه أحد الشخصيات الأساسية والمهمة التي أسهمت في وضع خط ورؤى وتقاليد الحركة الثورية العربية في مضمار الأدب والثقافة والفكر.
ومن نافلة القول، أن حسين مروة بنزاهته وسلوكه ونظافته ونقائه في كفاحه ونضاله وشفافيته في كتاباته، وانتصاره لقضايا الفقراء والمظلومين والمقهورين، هو وسامه الذي حمله بنفسه طيلة حياته، وأرعب به الظلاميين الذين راوا في دمه استئصالًا لفكره وقضيته ومواقفه وطروحاته.
وتظل سيرة حسين مروة وتراثه الثقافي- الفلسفي الثوري صفحة مضيئة ومشرقة في مسيرة الشعب اللبناني والشعوب العربية المقهورة، وسلاحًا ماضيًا في معارك الحرية والديمقراطية والتحرر والاستقلال الوطني والتجدد الثقافي والتقدم الاجتماعي.
المجد للشهيد المفكر د. حسين مروة وطوبى له في ضريحه، فهو أقوى من الموت، وعصي على النسيان.
بقلم : شاكر فريد حسن