أمكسور الجناح يحلق؟؟
تاريخ النشر: 18/02/20 | 8:27بقلم : فاطمة مصطفى عسلي
كثيرة هي الذكريات التي مرت بنا وعشناها، منها ما لا نذكرها فتبلى وتصبح في زنازين سجون النسيان وتكلل بأوشحة السواد حتى لا يبقى منها إلا الهيكل، ومنها ما نذكرها ولا يمكن نسيانها- نذكرها بحذافيرها وكأنها بالأمس حدثت, نعيش معها كل لحظة. الأولى مصدرها الذكريات المدرسية والأخرى مصدرها الوالدان والأخوة.
أندب الهدوء الساحر الذي كنا ننعم فيه وراحة بال وئدت رغم توفير كل الوسائل المريحة، لا تلاحقنا ولا تزعجنا أصوات الهواتف المحمولة ولا أصوات المركبات والدراجات النارية ولا أصوات المسجلات حتى بعد منتصف الليل على أعلى ما يكون الصوت، لا يحسنون استعمالها متى وكيف فهي عندهم بمثابة وسائل الترفيه, ولغيرهم – لإزعاج الآخرين.
ومهما كانت وكيفما كانت تلك الذكريات والنوادر فإن طرفة لي كانت مع والدي رحمه الله. في احد أيام العطلة الصيفية قررت أن أصحب والدي للعمل لكن دون أن يراني لأنه سيمنعني، حيث كان سائق شاحنة يقوم بنقل مواد البناء لأهالي القرية وللقرى المجاورة، فأستيقظ من الليل حيث إضاءة البيت كانت بواسطة مصباح بسيط ولكن كان ضوؤه خارقا بل أبهى وأبهج من ضوء الكهرباء اليوم وأراقب والدتي في كل خطوة حتى إذا انتهت من إعداد زاد يأخذه والدي معه
((___)) آية عن الليل للسكن والنهار مبصرا
صعدت صندوق الشاحنة واختبأت في ركن من أركانها وذلك قبل أن يستيقظ والدي بنحو ساعتين. وعندما اتجه ليملأ الصندوق بالمواد حيث فتح المزراب وانهال كزخ المطر الغزير وأيقنت بالهلاك فوقفت وصحت بأعلى صوتي : أبي أنا هنا.
عندها صدم أبي وصاح: ماذا تفعلين عندك يا شقية وممن أخذت تصريحا بالصعود؟! سوف أرى عملي معك! وصرخ: إنزلي.
نزلت وقد ارتعدت فرائصي من الخوف وتوقعت عقابا وخيما، وبفضل رقة والدي وحنانه، لم يعاقبني وقال بحنان ورأفة:
لِم لمْ تخبريني بأنك آتية؟! فلو أخبرتني لأجلستك هنا بجانبي، أتدرين ماذا يمكن أن يحدث لو امتلأ الصندوق؟ لاختنقت ولكنت في عداد الموتى ولكان كفنك هذه الحجارة التي كنت سألقيها في حفرة عميقة لأملأها قبل وضع الإسمنت عليها. الآن قولي أنت أي مصير ستلاقينه وماذا أفعل أنا وأين أذهب من تأنيب الضمير: لِمَ لمْ أفحص، ولم ولم…لوم أشد من قساوة الفعل فأرجوك لا تفعلي شيئا كهذا مرة أخرى. وبين الفينة والأخرى ينظر إلي ويسأل:
هل ما زلت خائفة؟ اهدئي واحمدي الله حمدا كثيرا على نجاتك من الموت وكلي مما وضعته أمك معي شيئا وحدثيني عن دراستك وماذا تحلمين أن تصبحي؟
هذا رغم أنه ضد تعليم الأنثى, لكنه قال ذلك ليستدرجني للكلام ويخرجني من الرعب الذي تملكني من العقاب المنتظر قلت بحماس: طبيبة.
تبسم رحمه الله وقال: هذا حلم بعيد المنال،
فقلت: ولم يا أبي،
قال: البنت عندي فقط حتى الصف الثامن فعار عليها أن تتعلم أكثر.
هنا تشجعت وقلت: لماذا؟ لماذا عار على الأنثى لكن حلال للذكر؟ ولم تخصون الذكر بالعلم وبأشياء كثيرة وتحرمون على الأنثى ذلك؟ أليست مخلوقا مثله ولها الحق أن تتعلم وتختار ما تشاء وتقرر مصيرها بنفسها؟!
قال: ماذا أقول لك مجتمعنا هكذا يريد, ومن يتعداه يصبح مكللا بالعار وتصب عليه اللعنات من كل حدب وصوب.
فقلت: هيا بنا يا أبي نكسر كل الحواجز وننتصر على كل العقبات ونكون أول من كسر الطوق وتكون خطوة مباركة ليتبعها الكثير ممن انصاعوا, مكرهين, لتقاليد بالية أكل عليها الدهر وشرب ولم يجرؤ أحد على النقد وإبداء الرأي بالموضوع. ورغم وجود الرغبة في تعليم البنات عند الكثيرين, لكنهم لا ينجون من انتقادات الغير ويصنفون في خانة خاصة ممن فقدوا احترام الآخرين وتقديرهم لهم.
لم يجب أبي على الاحتجاج وقال مغيرا الموضوع:
هاك النقود وابتاعي شيئا نأكله.
انصعت لأبي وأيقنت أن محاولتي باءت بالفشل وأنه لا جدوى من النقاش معه، وعزمت على الاستعانة بعم لي يكبر والدي سنا ويكن له أبي الاحترام ولا يستطيع مخالفته في أي شيء. وهكذا فعلت. وتمكنت من الدراسة حتى الأول ثانوي. ولكن حالت ظروف خاصة مرة أخرى وأوقف مشوار العلم تماما. وبقيت ارتشف كأس المرارة والحرمان حتى هذه الساعة متعطشة للعلم كعطش النبت للماء والسجين للشمس للهواء، أندب حلما سحقته رياح عاتية مستخفة بطموحات إنسان غير مبالية به وبآلامه، تركته يتضور جوعا للعلم والمعرفة كطير كسير الجناح عجز عن الطيران واللحاق بإخوته، وكيف يطير طير مكسور الجناح؟؟؟
بوركت جهودك امراة عمي الاديبة والكاتبة مرهفة المشاعر. انها خاطرة جميلة عن موضوع حياتي هام في مجتمعنا. قدما والى الامام. من خالد صعابنة.
سلمت اناملك امي. وصفك رائع جدا وكتابتك مميزة تمرر المشاعر بقوة. شكرا لطرحك موضوع مهم وهو التعلم والتفرقة بين البنات والابناء. لم تنجحي ان تتعلمي انت بسبب الظروف ولكن استطعتي انت تعلمي ابنائك الستة من اولاد وبنات غير ابهة بما يقول المجتمع. واصبح ابنائك قدوة لكل من في القرية. جزاك الله خير جزاء
سلمت يداك واناملك وبوركت جهودك وحفظك لذكريات جميله قد خط لها الدهر خطوطا عريضة حماك الله ورعاك ام مراد فنعم الابناء ونعم التربيه الصالحه ليتها تعود ايام أمي وأبي وبيتنا الذي سكنته الرياح وألأهات والأنين فالحمدلله حمدا كثيرا ?????
كلمات رائعة معبرة وفيها الكثير من المعاني والحلم. ذكريات تبعث في النفس الحنين، الحتين للماضي وصعوبة تقبل ما نحن فيه من تصارع وصراع ونزاع ومسابقة الايام.
خالتي تبدو كلماتك وكانها تخرج من قلب رقراق رقيق وهي كذالك. فعلا كنت وما زلت صاحبة اجمل حضور وتعرفين بالرقة واللطف. دمت بصحة وعافية.
عجيبة هي الأم والأكثر أنها عظيمة …الحرب التي لم تخضها أمي من أجل تعليمها نفسها كانت متأهبة لها كل زماني من أجلي وأخواتي…جدي وأبي الثاني رحمه الله كان على العكس تماما من والدي لم يؤيد تعليم الأنثى، وكان دائبٌ على تذكيري أني فقط سأنهي الثانوي…وأمي كانت ترسل الإشارات أن هذه الحرب لن تفوتها يكفي هي لم تتعلم…وشاء الله أنها لم تحتج لخوض حرب وإنما فُتح لنا في بعض أبواب العلم فَتْقا…يسائلوني أَنّى لك هذا الجَلَد ومتى تُلْقِين القلم من يدك فأقول هي أمي غرست فيّ كلمتان رباهما الله من بعد: الصلاة والعلم…لا أقول أهديها كل إنجاز، أويهدى للمرء ما يملك؟ كله لها ولأبي من يسر الله بهما كل طريق للنهل من العلم ولا يزالان حتى اللحظة فجزاهما الله عني خير الجزاء…وعسى أن ينفعنا ربي وينفعهما بما رزقنا من علم .
أختي الكريمة لا ينبغي أن تأسي على ما فات، أردت من خاطرتك الفكاهة ولكن سرعان ما لجأت لذكرى تحزنك، لا عليك ما كان إلا ما أراد الله ولو سألتيني لقلت لك أبواب العلم لا تغلق، أقبلي على القرآن علما وعملا والله لن يضيعك، فلا تحزني. علماؤنا لم يدخلوا الجامعات ولكن تتبعوا العلماء فنهلوا علمهم وصاروا هم نجوما من بعد، فحثي السير مسرعة لرضوان الله.
خلص يا جماعه . قفلوا الجامعات . ما الها لزوم