نظرات في القص السردي لدى الكاتبة الفلسطينية السورية ناديه ابراهيم
تاريخ النشر: 04/03/20 | 6:20نادية ابراهيم كاتبة فلسطينية تقيم في سورية، تحمل شهادة التعليم من معهد التدريس – دار المعلمين- بدمشق، عملت في مجال التدريس والإدارة التربوية، وهي عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب الفلسطينيين.
ونادية شغوفة بالقراءة والكتابة منذ صغرها، لها اهتمام بكتابة القصة والرواية والشعر النثري، لكنها تجد في القص السردي الأقرب إلى قلبها وميولها واهتماماتها أكثر من الشعر.
تنشر كتاباتها وتجاربها الابداعية في الصحف والمجلات السورية والفلسطينية، وفي عدد من المواقع الالكترونية، وعلى صفحتها الشخصية في الفيسبوك.
فازت بعدة جوائز أدبية في فن كتابة القصة القصيرة، منها جائزة الجولان للإبداع، وجائزة ميسلون، وجائزة المرأة العربية، وجائزة الرقة للإبداع الادبي وسواها.
لها مجموعة قصصية مطبوعة بعنوان ” لوحات موجعة من أرض الوطن “، وقيد الطباعة لها مجموعة قصصية بعنوان ” مرايا الروح “، ومجموعة قصص قصيرة جدًا جدًا بعنوان ” حين تزرع القهر “، ورواية ” كوابيس الأمس “.
تعالج نادية ابراهيم في كتاباتها القضايا الوطنية والطبقية، وتطرح الهموم الفلسطينية وأحوال الناس المعيشية والحياتية في مخيمات الجوع والبؤس والشقاء والعذاب والقهر الإنساني، وتحمل إدانة عامة غير محددة طبقيًا وفكريًا وسياسيًا، لمجمل الواقع العربي الخاضع للتخلف والقهر والظلم والاصفاد.
وتطالعنا نادية ابراهيم بقصص قصيرة جدًا جدًا بما يسمى بالقصة/ الومضة، وهي نوع ولون قصصي مرهف يتميز بالغوص في العواطف الإنسانية ومعالجة الهموم الصغيرة بدقة متناهية وصدق في الإحساس والتصوير، ونجد مجملها قصصًا جيدة وصادقة ومتقنة بكل أبعادها الفكرية والوطنية والإنسانية وبالموقف الطبقي والأسلوبية والجمال التعبيري الفني.
نادية ابراهيم التي عرفت حارات وازقة المخيم وشوارع دمشق العتيقة وترعرعت وسط القهر، وتاهت مغتربة وعاشقة ومشردة بعيدة عن فلسطين/ الوطن/ الحلم/ والأمل، ويعصف بها الحنين والشوق الدائم لها، ناديه التي عرفت وعانت التشرد والفقر والجوع والخوف والموت، تكتب وتصور مرثاة الإنسان/ الوطن في زمن الحرائق، وتصرخ في هذا الزمن نفسه بأن الإنسان لن يموت، وأن الشمس ستشرق يومًا، وإن الإرادة الفلسطينية والبشرية قادرة على التحدي وصنع المعجزات. إنها تنتزع وتجترع التفاؤل من وسط التشاؤم والحلكة، وتسعى بمأساويتها القاتمة إلى استصراخ ارادتنا ومقاومة الشر واستعادة القيم الخيّرة الجميلة فينا.
وأمل نادية ابراهيم وطننًا محررًا محاصرًا بالفرح بدلًا من الحزن، وهي تدرك جيدًا صعوبة تحقيق انتصار شامل على قوى الشر والطغيان والتخلف والظلام، رغم ايمانها جازمة بوجوب المجابهة والمواجهة والمقاومة حتى مرحلة الموت والاستشهاد. ومن هنا نخرج بانطباع أن نادية ابراهيم كاتبة طليعية ملتزمة بقضايا الوطن وعذابات فقراء المخيم، ومسكونة بالوجع الفلسطيني والهم الإنساني الكبير.
والقصة لدى نادية ابراهيم تطورت حتى اصبحت لقطة وومضة ولوحة فنية مدهشة، ببساطتها الآسرة، بشاعريتها الرقيقة، وبتدرج ألوانها. إنها قصة قريبة إلى الشعر في كثير من الأحيان، قصة من عالم الواقع المر، والجرح الفلسطيني والسوري العميق، لا تفقد ايقاعها الواحد ونبضها الشفاف وبساطتها الثابتة وتسلسل احداثها وأدواتها الفنية، متجاوزة قهر الزمن والحداثة.
وفي قصصها نلمس البساطة والشاعرية المدهشتين في لغة رشيقة باذخة، عدا الحس الصادق، ما ينقذها من الذهنية والافتعال. وهي قصص تتداخل فيها هموم نادية ورؤاها ومواقفها وتجسد عالمًا متعدد المستويات، ترسم فيها جوًا قصصيًا نادرًا بيراعها ونفسيتها، محافظة بدرجة من الواقعية على رسم الشخصيات واللقطة والحبكة القصصية.
باختصار، هي قصص ذات طابع واقعي اجتماعي وسياسي تحمل هموم الإنسان الفلسطيني في المخيم، وتتحول لهموم إنسانية كبيرة.
ونستشف في قصصها لغة متميزة فعلًا، وهي تبرع في سردها ووصفها، وتشبيهاتها واوصافها تبدو خلابة دافئة وحارة، شعرية الطابع، إنسانية النزعة، فلسطينية النكهة، موحية بعمق، وصورها حسيه تصل بالمعنى والبعد إلى مستوى الرمز الشفاف، الذي يعبر من خلال الشكل عن المضمون كله. وهذه نقطة تسجل لصالح كتابتها، وعن جدارة في عالم الكتابة السردية القصصية، وتبتعد لغتها عن التعقيد واصطناع الأحداث والصور البيانية، بل تنساب انسيابًا أخاذًا، وتنقلنا إحساسًا بالعالم الوجودي في صورية متجسدة تعبر عن الحلم بحيث يوازي تجسد الواقع عندها وتجعل للأثنين بعدًا منسجمًا في إطار من الفن الإبداعي الواقعي.
وفي المجمل نادية ابراهيم صوت قصصي متميز في المشهد السردي الفلسطيني والسوري الراهن، ويلاحظ المتتبع لكتاباتها التجاوز المستمر لنفسها بين قصة وأخرى، ويحس تنوعًا وثراءً في المضمون، وعمقًا في الرؤية الفنية الجمالية المتقدمة.
فأجمل التحيات للصديقة الكاتبة نادية ابراهيم، متمنيًا لها النجاح والتألق الدائم ومواصلة مشروعها الكتابي السردي الإبداعي، والمزيد من التطور في الأدوات واغناء تجربتها الأدبية.
بقلم : شاكر فريد حسن