هذا دستور… جزائر ما بعد “الحراك المبارك”
تاريخ النشر: 05/03/20 | 22:10بقلم :عماره بن عبد الله – كاتب جزائري
مررنا ولله الحمد الى الهدف الأسمى، بلا إراقة قطرة دم واحدة، كالذي حدث بكل حصرة وأسى في بعض الدول الصديقة والشقيقة، مررنا في ثورة لم نسمع فيها أصوات الارتماء في أحضان الخارج، أو لبيع النفوس في أسواق النخاسة الدولية، بل سمعنا وسمع العالم أنه ربيع الاستثناء، ربيع يمكننا أن نصلح فيه أوطاننا دون أن نخونها، مررنا وها نحن لدينا رئيس منتخب سيقود قاطرة الوطن نحو مزيدا من الرقي والازدهار.
ولعل الانطلاقة الصحيحة التي انتهجها الوافد الجديد على قصر المرادية، بعد انتخابات 12 ديسمبر وحراك الشعب الجزائري المبارك، والمتمثلة في دستور جديد يعزز الحكامة وأخلقة الحياة العامة ويقوي النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الجزائر، لكوننا مقبلين على ما وصفه رئيس الجمهورية بالتأسيس لجمهورية جديدة، وهو ما يحتم على مراجعة عميقة للدستور الحالي في كل فصوله، وهو ما يقتضي إعادة صياغة جديدة لمواد الدستور حتى يكون أداة فعّالة لاستقرار المجتمع و عصرنة الدولة وتحديث مؤسساتها، وفق هندسة دستورية تكرّس مبدأ التداول السلمي على السلطة الذي لا حياد عنه أبداً، وإلزامية الفصل بين السلطات وتحقيق التوازن والرقابة فيما بينها، وكذا تحديد المبادئ الجوهرية التي تحكم المجتمع وضرورة حسم طبيعة نظام الحكم السائد في الدولة، مع التأكيد على رسم خارطة الحقوق والحريات العامة للمواطن، والحرص على أن يحتفظ المؤسس الدستوري بمهامه من خلال ضبط الأحكام الدستورية، وترك ما يتّصل بتنظيم الاقتصاد والتربية والإعلام، وكل نواحي الحياة للمشرع المؤهّل قانوناً قصد مسايرة وتنظيم المتغيرات السريعة للمجتمع.
ما إن كلّف الرئيس عبد المجيد تبون الأكاديمي أحمد لعرابة برئاسة لجنة خبراء من 15 عضوا لصياغة مقترحات مراجعة الدستور، وتعهّده بفتح مشاورات واسعة بعدها مع الفاعلين في الحياة السياسية والمجتمع المدني، قبل عرض المسودة الجديدة للمصادقة البرلمانية ثم الاستفتاء الشعبي، وهو ما يترجم أن التعديلات ستكون جوهرية، لكونها ارتكزت على سبعة محاور أبرزها تعزيز حقوق وحريات المواطنين والمساواة أمام القانون، وتكريس أخلقة الحياة العامة ومكافحة الفساد، وترسيخ استقلالية القضاء، ناهيك عن الفصل بين السلطات وترقية الرقابة البرلمانية، حتى انتعشت الورشات والملتقيات والندوات في الجامعات والمنابر الإعلامية المختلفة، في إطار مراجعة الدستور، وإثراء المشهد السياسي، فاتحة المجال لنقاش قانوني ثري بين مختلف الفاعلين، رغم تباين اتجاهاتهم الفكرية إلا أنها اتفقت على طرح واحد، قصد علاج فجوات سابقة لا تقبلها المرحلة الجديدة، التي تفرض نجاعة واستقامة في تسيير مؤسسات الجمهورية وإدارة الشأن العام استجابة للتغيير الجذري المنشود.
ندوات في مختلف جامعات الوطن، اتخذت من منابر علمية وأكاديمية أرضية، انطلاق أظهرت حقيقة ثابتة، أن مراجعة الدستور تحظى بالأولوية لدى الطبقة السياسية، شخصيات وطنية وجمعيات، تتوافق في البحث عن أي دستور أنسب للجزائر الجديدة التي أعلنت القطيعة مع ممارسات سابقة وتسابق الزمن من أجل التجدّد والتقويم، وهذا ما تجلى فعلا في بروز الجامعة الجزائرية، التي أبت إلا أن تؤكد على دورها الطبيعي في قيادة الأمة، من خلال عرض مقترحات حلول ومقاربة لاستحداث آليات التغيير ومجالس البناء في إطار دمقرطة الحياة العامة، بصفة تسمح للكفاءات الشابة إظهار قدراتها الخلاقة التي تعكس مدى الوعي برهانات الحاضر والآتي.