وقاية الخسارة، أفضَلُ مِن خسارة الوقاية!
تاريخ النشر: 10/03/20 | 4:26قرار صحيح اتخذَته السُلطة الفلسطينية: “يَتمّ إغلاق كافّة المرافق التعليميّة مِن مدارس وكليّات وجامعات ورياض أطفال وغيره…”.
الصين دَفَنَت أكثر مِن 3000 شخص حتَّى توصَّلت لحل للكورونا! لا تستعجلوا !
حتّى هذه اللحظة لم يَجدِوا الدواء/التطعيم، بل وَجَدُوا سبيل الوقاية: الحَجر الصحي الشامل – أي تعليق الدراسة والمرافق الاقتصاديَّة والعموميَّة في الصين.
برأيي الشخصي والمتواضع: يجب فحص هذه الامكانيّة والاستعداد لها في بلادنا ايضَا – بحنكة وتروِّي وتخطيط سليم مع المهنيِّين، وبذات الوقت بسرعة وبنجاعة.بكلمات أخرى: “الغد” الذي تماطَلَت وتأخَرَت عنه الصين وإيطاليا، هو “اليوم” بتوقيتنا.
فالان الان وليس غدًا حاجتنا “للدرهم” الذي طالما حَفِظنا ابًا عن جد انّه خير مِن قنطار علاج! واستغربُ، اذ ما اتفقنا يومًا ولم نخوِّل احدًا بأنَّ الدرهم لوقاية القنطار!
اعترفُ وأَعي انَّ اغلاق المؤسّسات التعليميّة والمَرافق الاقتصادية والعمومية به ضَرَر كبير – بل قد يكُون كبير جدًا – وحتّى قد نندم عليه، ولكن به رِبح أكبر بكثير: فبه أمن وسلامة الناس – كلّ الناس.طبعًا لا اقصدُ تعليق عمل المرافق الحيويَّة، مِثل: المستشفيات، شركة الكهرباء، شركات الإسعاف الأولي وامثالها. فهذه يجب ان تبقى على رأس عملها بل وتُضاعِف منه.
اعلمُ ان هذه التلعثمات هي تغريد خارج السرب. ومِن ضِمن ما اعلَمه ايضًا انَّ سيدي وقُدوتي محمَّد صلى الله عليه وسلَّم غرَّد خارج سرب الجاهلية والتجهيل والتضليل، وأن صوْت نلسون مانديلا كان نشازًا وسط هرمونيَّة أصفاد الزنازين الى حدِّ إيلام الآذان البيض لسجَّانيه، وانَّ حُلم مارتن لوثر كينغ كان بلون نشاز لدرجة انَّ عيون العَم سام الزرقاء استثقلت حتّى رؤيته يشاطره نفس الحافلة، وأعلمُ واعلمُ… وبالرغم مِن شُحِّ ما اعلَمُ فأنا، وأنت على فكرة، على عِلم بل على يقين انَّهم صَدَقوا.
اذا تجاهلْنا او قزَّمنا هوْل الانتشار المتزايد ساعة بعد ساعة وباء الكارونا، ولَعِبنا دَور السوبرمان بل السوبرستار العتي الصنديد الذي حتَّى لا يَعرِف الجذر خ ا ف، فإنَّنا حتمًا سنَربح بعض الأيَّام التعليميّة المفيدة والانتاج الاقتصادي المفيد – ولا استهتر بتاتَا بهذه الفوائد، وأقسم بذلك. ولكن اذا انتشَرَ الوباء وخرَج عن السيطرة، فعندها خسارتنا التعليميّة والاقتصاديّة ستكُون اكبر بكثير بكثير، ووقوفنا امام المرآة لن يكون سهلاً كمَا اعتدناه!
استرداد الأيَّام التعليميّة واسترداد الخسارة الاقتصاديّة قابِلة للتحقيق – آجلاً ام عاجلاً، وقد تكُون لها كفَّارة طالما ابقينا المجتمع معافى بعطلتة وبعيدًا عن الوباء. ولنتذكَّر انَّنا نعيش عصرنة وعولمة قد تُعيننا على التقليص مِن هذه الخسارة.
امَّا اذا مَرِض الناس الى حدِّ الوباء، فإنَّنا سنَخسرُ التعليم والاقتصاد وغيرها الكثير الكثير، وحينها الاسترداد، إن حَصَل اصلاً، سيُكلِّفنا اضعاف الاضعاف.
جماعة! ما جدوى نجاح العمليَّة، وموت المريض؟!
أَن نندم وان نَكتشف لاحقًا انَّنا بالغنا وإِحططنا وأخطانا، أَفضَل بألف مرَّة مِن الاكتشاف انَّنا تجاهلنا الوباء وأخطأنا. اذا وقَعت الواقعة لن يجدينا الندم. وقد لا يَدرِك بعضنا، لا سمح الله، حتَّى أن يَندَم.
ليس مِن الطبيعي وليس مِن السهل لمؤسَّسة الدولة الاسراع والاعلان عن تعطيل المَرافِق وذلك لعدَّة اسباب – وأوافِق سلفًا على بعضٍ منها. ولو كنتُ أنا على رأس مؤسَّسة الدولة، لكانت لي بحال الطبيعة مصلحة بتمزيق فكرة هذا البوست. لذا لا يجب أن نَترُك لها حريّة الانفراد بالقرار – بل يجب ان نؤثِّر على بلورته – ضِمن القانون والضوابط والسبل الناجعة – لانَّ هدفنا العنب وليس مقاتَلة الناطور – وما احوجنا لكلاهما بهذه الفترة: الناطور والعنب.
إن أَجبرتُ نفسي فانِّي سأَجدُ المسوِّغات، مثلاً، لماذا لا توقِف مصلحة القطارات حركة سيْرها وشلِّ حركة مَن يسعون لنيل قوت يومهم. فقطع الاعناق ولا قطع الأرزاق، ولكن لطفًا ما هي مسوغِّات اجراء لعبة كرة قدم (قال يا سيدي حتَّى 5000 مشاهد مسموح. الضرر يبدأ مِن 5001 مشاهد وما فوق!!!)؟ ما هي المصيبة التي ستحلّ علينا ان لم نَرَ الكرة تدخل الشبكة وسط هتاف 5000 مشاهِد شاهدون بأمّ أعينهم على عملية الاحراز هذه؟! وان كانت هذه البقرة محفوفة بهذه القدسيَّة وليس للذبح، وان كان لا بدَّ من حيويَّة شريان الحياة هذا، الا يكفي 22 لاعبًا وحَكَم ومصورِّ؟!
وعلى فكرة، وبعد ان هنِئنا مِن مشاهَدَة الكرة تدخل الشبكة، او انتشينا برؤية الكرة تَدخل السلَّة على يد لاعبين جاؤوا لتوِّهم مِن اوروبا الموبوأة، وأبوا الاَّ يَجعلونا نعاني مِن الانتظار، وتصبَّبوا مِن أجلنا عرقًا، وتبادلوه بينهم، بل شاطروا به الاف الحناجر الهاتفة ومسالك التنفُّس المتضرِّعة للنصر الى حدِّ ان اللاَّعبين فدونا بأرواحهم وخَرجوا عن القانون وعن تعاليم وزارة الصحة ليرى الجمهور بل العالم أجمع براعتهم بإدخال الكرة البرتقاليَّة العملاقة بشبكة مشبوحة على حلقة بالكاد بالكاد تسمح بهذا الولوج! يا الله ما أعظمها مِن لحظات طالما حدَّقت بها الأُعيُن وانتظرناها اكثر مِن المخلِّص بعظمته وجلالته. بعد الانتهاء مِن هذا الانهماك (بس شوي… انقطع نفسي…)، لي سؤال بسيط مِن بَعدِ اذنكم: هل في بلادنا المشافي والموارد والامكانيات لاستيعاب ربع نصف هذا العدد مِن المشاهدِين الأشاوس وعائلاتهم في حال وَقَع ما نخاف عقباه لا سمح الله؟ هل بأيَّام الرخاء اثبَتَت جاهزيتها لنتَّكئ عليها بملئ ثِقلنا في حلكة الايَّام الآتية؟! هل بيْن عشيَّة وضحاها اتَّسعت ممرَّاتها (التي تغنَّى بها الساسة والقادة أنفسهم) لتحوينا؟ أَم انَّ اقتصادنا وتحصيلاتنا في ال”بيزا” أَنجَحُ مِن اقتصاد الصين العظمى ومِن علوم روما؟!
ولنفترض انَّنا الاذكى والأقدر، فما بال السعودية هذه تُغلق (جُزئيًا، حاليًا) صحن المطاف حوْل الكعبة المشرَّفة والمسعى بين الصفا والمروة، وتُغلق مشارِب ماء زمزم؟! كيف مَن عَرِفت منذ أكثر مِن 1400 سَنة حتَّى الأمس كيف تَبْرُع بإدارة ملايين البشر بمدينة واحدة على مدار كلِّ يوم مِن ايَّام ال 1400 سَنة تَضرُب اقتصادها بنفسها، وتُقلِّص التعبُّد الذي ما عهِدنا منها الا اجراء التوسعات تلو التوسعات لتيسيره وتزايده في اقدس بقعة في الكرة الأرضية والأقرب الى البقيع – المغلق هو أيضًا مؤخرًا؟! هل جفَّت ابار نفطها هي ايضًا؟
بصراحة اكثر: أعوِّل على الناس، وخاصة عليك. نعم عليك. هذا الموقف يجب ان تُحدِّده الجماهير، فبالتالي الضرر ضررها، والاحتراس (وان كان مُبالغًا به) مِن مصلحتها. فللدولة ما للدولة، وللشعب ما للشعب.
ألستم مَن علمتمونا ان: “لا سيادة فوق قرار الشَعب”! فهذه الساحة والميدان والشَعب، بقي القرار والسيادة…
أٌكرِّر ما بدأتُ به: وقاية الخسارة، أفضَلُ مِن خسارة الوقاية!
أرجو ان تُسمعوا صوتكم وصوتكن، وان تَخطوا خطوتكم، وبجرأة. نَأخُذ بالأسباب، نتحاوَر، ونُقرِّر بشكلٍ جماعي ومُمأسَس وببرود أعصاب ومهنيَّة – بَس علحارِك، ونتوكَّل على الله.
كتبها بقلق و أمل وايمان: عماد ملحم 7.3.2020عرعرة