دموعُ العروس سرٌّ لا تعرفه إلا هي !

في معمعةٍ من الفرح.. تختلط الناس والأصواتُ والمشاعر.. فهذه العائلة سيزيد عدد أفرادها نفراً، وتلك الصبيةُ.. ستفارق العائلةَ الكبيرة اليوم.. ستفارق سريرها ولحافها ومشاغباتها التي لطالما تحمَّل مسئوليتها والداها.. “وتاويتُ” الليل وأسراره وضحكاته الخافتة مع أختيها اللتين تصغرانها بقليل ستصبح حلماً لأجلِه تبتسم تارةً وتبكي تارةً أخرى.. بينما ستنتهي حياة “جبران وميخائيل نعيمة والغزالي” في مكتبة بيتها الصغيرة، بعد أن كانت تستقر تحت وسادتها الملونة بألوان “قوس الله”.. تلك الوسادة علَّمت على جنباتِها الشقوقُ لكثرة ما قذفت بها أختيها فرسمنَ الطفولة في زمن الصِّبا.. وأَثَرنَ السعادة في وقتٍ يملؤه الضَّنك..

إفطار الصباح أمام شجرة الزيتون أو تحت أوراق العنب الكبيرة أو على سطح المنزل من سيعيدها اليوم وهي عروس ؟! وصوتُ أمها الذي اعتادت أذناها أن تسمعه أول صوتٍ، فجرَ كل يومٍ للصلاة هل سينتهي بزفافها؟! كم أثارت غضب أمها حين كانت تُصرِّ عليها أن تقوم للصلاة في وقتِها وكانت تؤخرها قليلاً للذة النوم في البرد القارس.. صوتُ الحنونةِ أمها الذي كان يُزعجها أصبح اليوم حلماً، فلا الهاتف يغنيها عنه ولا حتى “الرَّنة” التي تُسمِعُها إياها عبر “الجوال” فجر كل يوم لتذكِّرها بالصلاة..

الناس من حولها يضحكون ويرقصون ويتكلَّفون.. ووالدة العريس تحمل “علبة الذهب” الملأَىْ، وتدور وكأنها تقول:”انظروا ما أكثر الذهب الذي ألبسناه لكنتنا!” والناس لا تدري أنّه ذهب الحماة نفسَها أعارته لعروس ابنها لتُبَيِّض وجهها أمام الحضور، فحتى المهر لم يكفِ لشراء ذهبٍ وكثير من الأشياء الأساسية في ظل الارتفاع الباهظ لسعر الذهب..

أغلب الصبايا يحاوِلن أن يظهرنَ أمام “الكاميرا” بفستان السهرة وكأنهن في مسابقة “ملكة جمال العُرس” بعد العروس –طبعاً-.. فلعلَّ خطَّابةً يبحث ابنُها عن عريسٍ تخطِفُها عروساً .. شعر مرفوع و”ميك أب” صاخب لم تعتَد أن تُصنِّع نفسَها به يوماً.. بينما تورَّمت عيناها واحمرَّتا لكثرة ما دشنتهما “الكوافيرة” بالمساحيق الملونة.. رجَتها “بالله عليك لا أحب أن أُثقِل عينيّ..” فكان ردُّها “البروباجاندي” كالعادة: “لا تقلقي.. لن تخرجي إلا راضية.. إضاءات الصالة راح تخفي كل شي”.. ولكن ربما كان احمرار عينيها في صالحها حيث يتوه احمرار “المكياج” مع احمرار الفراق..لا أحد سيلومها إن اشتدَّ احمرارهماِ لفراق أهلِها وأحبة قلبِها.. كانت في عالمٍ آخر.. توزِّع الابتسامات وقلبُها وعيناها معلقة بأمها وأختيها اللاتي تحجبن ووقفن كالأغراب.. على اعتبار أن العرس للعريس وأهلِه وليس لأهل العروس!

والآن.. العرس على أبواب الانتهاء.. يا الله ما أقسى قلبك “يا صاحب “الستيريو”.. حين اخترتَ أغنية “شيلوها بعيونكم.. هاي روحي راحت لكم..”.. نعم اختارَها كي يضمن فراقاً بدموعٍ حارَّة بين العروس وأهلِها يبقى عالقاً في ذهن المدعوين لينجح حقاً في دعايته حين ختم الحفل بالتعريف باسم “الستيريو”!..

بقلم حنان مطير